محمد خروب
اليوم.. وإذ لم تحدث مفاجأة في اللحظة الاخيرة، يفتتح الرئيس الفرنسي هولاند, الذي لم يبقَ على ولايته الأولى والأخيرة, المؤتمر الذي دار حوله لغط سياسي واعلامي ودبلوماسي كبير، بذل طرفا الصراع, الفلسطيني والاسرائيلي, أقصى ما لديهما من قدرات دعائية واخرى تمنح التفاؤل «الصِفرِي» الذي حام حول فكرة المؤتمر, أبعاداً وضجيجاً كبيرين, تولى رئيس السلطة والمحيطين به الترويج له والتنويه به, على نحو بدا وكأنه في نظرهم الخطوة الأخيرة قبل ان يصبح قيام «الدولة الفلسطينية» مسألة وقت ليس إلاّ. فيما تمترس نتنياهو. المُنتشي بوصول ترامب حليف اسرائيل المُتحَمِّس الى البيت الأبيض, خلف المقولة التي ما فتئ يُردِّدها, وهي ان المؤتمر (مجرد «خدعة» فلسطينية برعاية فرنسية, لتبنّي مواقف مناهضة لإسرائيل) اما مساعدة نتنياهو (كوزير للخارجية ايضاً) تسيبي حوطوبلي فوصفت المؤتمر بأنه «وَهْمٌ.. بالغ الضرر».
أصل الحكاية..
عندما طرح وزير الخارجية السابق لوران فابيوس «فكرة» المؤتمر في مثل هذه الايام قبل عام (كانون الثاني 2016) .. كانت «النقطة» الاكثر اهمية فيها, هي ان باريس ستعترف بالدولة الفلسطينية اعترافاً «رسمياً» اذا فشل هذا المؤتمر. ما شكّل وقتذاك مفاجأة من العيار الاثقل, وبخاصة انه في حال حصول الاعتراف الفرنسي, بأنها ستكون الدولة الاوروبية الكبرى الوحيدة, التي تعترف بهذه الدولة (التي هي على الورق, عضو مراقب غير كامل العضوية في الأمم المتحدة)، فيما سبقتها الى ذلك السويد. أمّا برلمانات بريطانيا وايرلندا واسبانيا فقد صوّتت لصالح الاعتراف, وكان تصويتاً رمزياً, اكثر منه دبلوماسيا وسياسياً كما هي حال السويد.
منذ ذلك التاريخ (كانون الثاني 2016) حتى الآن .. تغيّرت المعطيات, وخضعت فرنسا لضغوط اسرائيلية واميركية ولوبيات صهيونية وأخرى يهودية وثالثة مُتصهِّينة, ما دفعها الى الاعلان (على رؤوس الأشهاد) انها «لن» تعترف بالدولة الفلسطينية، سواء فشل المؤتمر ام نجح، فلم يعد اهمية للمؤتمر الذي تعرض موعده لعمليات تأجيل, الى ان وصل تاريخ اليوم، الذي وإن كانت ستحضره وفود تمثل (70) دولة ومنظمة دولية وإقليمية, الا انه لا يشكل سوى فرصة استعراض دبلوماسي وكلامي لجمهورية هولاند الآفِلة, التي اثبتت انها الأكثر انحيازاً وتزلفاً ونفاقاً لاسرائيل, وخضوعاً لضغوطات الصهاينة واليهود, والأكثر صقورية وعدوانية في مقاربتها للأزمات التي تعصف بالمنطقة, وخصوصاً في إذكائها المقصود للحرب في سوريا وعليها, عندما «أوهمت» باريس نفسها, بِالقدرة على لعب دور مؤثِّر في الأحداث السورية, ورغِبت في «شبق», نيل حصتها الاستعمارية في الكعكة السورِّية, عندما تصدَّرت قائمة دول ما وُصِفت ذات يوم بـِ»أصدقاء سوريا», فإذا بصداقتها المزعومة هذه, تزيد من معاناة السوريين وتُعمِّق جراحاتهم ومآسيهم.
ليس لمؤتمر باريس إذاً, الأهمية التي تُضخِّمها سلطة رام الله, اذ ما استندنا الى تصريحات المسؤولين الفرنسيين في هذا الشأن, بعد أن غادر «فابيوس» مبنى «الكي دورسيه», وخَلَفَه جان مارك ايرلوت وسقط «وَعْد» الاعتراف بالدولة الفلسطينية, بل ان «باريس» استبعدت حضور وفد «فلسطين» لأن الجانب الاسرائيلي رفض الحضور, ما دفعها الى استبعاد الطرفين (..) ودعوتهما لاحقاً لـِ»إطلاعهما» على «نتائج» المؤتمر!!.
يقول مسؤولون فرنسيون وأوَّلهم ايرلوت نفسه: «إن فرنسا ليست في صدد فَرْضِ السلام على احد, وهي لم تعتزم قط إملاء معالم السلام على اي من الطرفين «... فيما سفيرة فرنسا لدى اسرائيل هيلين لوجال تقول حرفيا: المؤتمر «لا» يحتوي على أفكار جديدة بشأن كيفية الحل، لكن الغرض الاساسي للمؤتمر يأتي, بهدف منع هذه «القضية» من «الاندثار» في ظل الأزمات العالمية». ولم يخرج ايرلوت في مقالته التي نشرها في صحيفة لوموند الفرنسية قبل يومين عن هذا الاطار عندما كتب يقول: لا يمكن نزع الصراع الفلسطيني عن محيطه الاقليمي، ولن يتوهم مَن يعتقد انه بالامكان استعادة الاستقرار في الشرق الاوسط, بدون تسوية اقدم صراعاته، وإلاّ – والقول لايرلوت – فسيتواصل إذكاء حال الإحباط, ولن يؤدي في نهاية المطاف سوى الى تعزيز حلقة العنف والتطرّف... المُفرَغَة .
... كلام فارغ لا رصيد له, طالما سمعناه طول عقود خلت، يبرع الغربيون كلهم في تدبيجه بنفاق واضح, دون ان يُسمّوا الاشياء بأسمائها, او أن يُحمّلوا «اسرائيل» المسؤولية في ما آلت الأوضاع اليه في المنطقة, فضلاً عن السؤال الذي طالما طُرحَ لكنه لم يجدْ اجابة شافية عليه: لماذا تستبد «الحماسة» باحفاد المُستعمِرين القدامى بالبحث عن «السلام» في المنطقة، بعد ان يُصبح كل واحد منهم «بطّة عرجاء» ولا تبقّى على خروجه من «وظيفته».. سوى أسابيع قليلة؟
جون كيري واحد من هؤلاء، وخصوصاً بعد فشلِه المدوّي في نيسان 2014، وباراك حسين اوباما, يمتنع عن التصويت ليُمرِّر القرار ,2334 بعد ثماني سنوات عجاف من حكمه؟ وها هو الفاشل الأكبر والأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الفرنسية فرانسوا هولاند, يعقد مؤتمر باريس, فارغ المضمون, قبل ثلاثة أشهر من مغادرتِه قصر الإليزيه الى غير رجعة, بعد ان لم تعد له فرصة.. للبقاء فيه؟
يجدر بالسلطة,رئيسها والمحيطة به، التخلي عن أوهامهم, وان لا يرفعوا من أهمية مؤتمرات «شَبِعَ» الشعب الفلسطيني منها, وعوداً لم تُنفَّذ وصداقات مُزَيَّفة... لم تُثمِرْ.
[email protected]