الاب رفعت بدر
مع حلول العام الجديد 2017، وزّع المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يحتفل به سنويًا في الأول من كانون الثاني، وتحمل الرسالة هذا العام عنوان: «اللاعنف أسلوب سياسة من أجل السلام».
هذه السنة هي الخمسون لإحياء هذا اليوم العالمي للسلام، ويلفت قداسته النظر بأنّ العالم يشهد حاليًا حربا عالمية رهيبة مجزأة: من حروب مستعرة في بلدان عديدة، وإرهاب يضرب، وإجرام واعتداءات مسلّحة تفتك، وانتهاكات يتعرّض لها المهاجرون وضحايا الإتجار، ناهيك عن البيئة التي تتعرّض للتخريب واللامبالاة من قبل العالم، ويشدّد على أن العنف ليس علاجًا لعالمنا المفتت، فالعنف يقود إلى العنف، وإلى مزيد من الآلام، وإلى الموت الجسدي والروحي للكثيرين من أبناء البشر.
ومن الأمثلة الناصعة التي يقدّمها البابا فرنسيس، حول أشخاص انتهجوا اللاعنف كأسلوب لتخطي الشر الموجد في العالم، يذكر: المهاتما غاندي وخان عبد الغفّار خان، ومارتن لوثر كينغ، وكذلك لا ينسى الأم تريزا التي حازت على جائزة نوبل للسلام عام 1979، وأعلنت قديسة في أيلول الفائت، ويقتبس منها قولها: «لسنا بحاجة في عائلتنا البشرية إلى القنابل والأسلحة، وإلى التدمير، كي نحمل السلام، وإنما فقط لأن نبقى معًا ويحبَّ بعضنا بعضا».
أمّا العنف المرتكب أحيانًا باسم الدين، تقول الرسالة: «التزمت الكنيسة استراتيجيات غير عنيفة لتعزيز السلام في العديد من البلدان، وحثّت الأطراف الأشدّ عنفًا على جهود من أجل بناء سلام عادل ودائم. هذا الالتزام ليس إرثًا خاصًا بالكنيسة الكاثوليكية وإنما هو من ميزة العديد من التقاليد الدينيّة، حيث «الرحمة واللاعنف هما أساسيّان ويشيران إلى درب الحياة». وتؤكّد بقوّة: «ما من دِينٍ إرهابي. العنف هو تدنيس لاسم الله. لا نتعبنّ أبدًا من تكرار أنّه: لا يمكن لاسم الله أن يبرِّر العنف أبدًا. وحده السلام مقدّس. وحده السلام مقدّس وليس الحرب».
وفي رسالة السلام الخمسين، يفرز البابا فرنسيس حيزًا كبيرًا حول دور العائلة في انتهاج سبيل اللاعنف بين أفرادها، فهي تشكل النواة التي من خلالها يتعلّم الأهل والأبناء أن يتواصلوا بعضهم مع بعض متخطين التوترات والنزاعات لا بواسطة القوة، وإنما بواسطة الحوار والاحترام، والتعامل مع الآخر من خلال أخلاقيات الأخوّة والاحترام والحوار والتعايش السلمي، بعيدًا عن منطق الخوف والعنف والإنغلاق. فسياسة اللاعنف تبدأ بين جدران البيت لتنتشر بعدها داخل العائلة البشرية.
ويوجه قداسة البابا نداء إلى جميع القادة في الميادين السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية بأن يكون اللاعنف حاضرًا في ممارستهم لمسؤولياتهم، وأسلوبًا لإظهار أن الوحدة هي بالفعل أقوى من النزاع وأخصب منه. قد توجد اختلافات، لكن لنواجهها بأسلوب بنّاء وغير عنيف. إن كلَّ عمل في هذا الاتجاه، مهما كان متواضعًا، يسهم في بناء عالم خالٍ من العنف، وهي خطوة أولى نحو العدالة والسلام.
وبعد، فمنذ نصف قرن يعتبر اليوم الأول من السنة يومًا عالميًا للسلام، لكنّ السلام لم يأت بعد ولم تتحقق أحلام البشرية بالتنعّم به، لكنّ التفاؤل غير ممنوع، فلنصلّ مع بداية العام الجديد من أجل عام وعالم خاليين من العنف ومشتقاته. ومع أولى خطوات هذا العام، لا بدّ أن نحيي الأسرة الأردنية الواحدة التي وقفت في العام الماضي وقفة رجل واحد، وتضامنت في سرّاء الحياة وفي ضرّائها، وبالأخص في مواجهة العنف والتطرف والإرهاب. وبعد الترحم على أرواح الشهداء الذين قدّموا حياتهم في سبيل وطننا الغالي، وكذلك على أرواح ضحايا العنف والإرهاب في العالم أجمع، نأمل في العام الجديد كل الخير والبركة لوطننا الغالي، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، ونرفع الدعاء إلى الباري عزّ وجلّ، لكي ينعم على وطننا الحبيب بدوام الأمن والاستقرار وباستمرارية العيش المشترك والمواطنة الصالحة والوحدة الوطنية، وأن يعيد السلام والأمان إلى البلدان العربية الشقيقة وإلى دول العالم الصديقة التي ما زالت النيران مشتعلة فيها، وأن يرسم تعالى للأجيال المقبلة أيامًا سلمية ومطمئنة عوضًا عن العنف والخوف والتهجير واراقة الدماء.
عامًا خاليًا من العنف لجميعكم... كل عام وأنتم بخير
[email protected]