محمد خروب
في تونس.. التي أحيت قبل عشرة ايام, ذكرى اندلاع ثورة «جانفي» والتي كشفت, ضمن امور أخرى، مدى الهوّات التي تفصل بين القوى السياسية والحزبية التونسية, رغم الهدوء النسبي بل والحضاري الذي يُميِّز الحوارات والجدل بين التوانسة، على نحو جنَّبَهم والبلاد, مخاطر الوقوع في الإستقطابات والذهاب بعيدا في الإصطفافات, التي تجعلهم يقفون في متاريس مُتقابِلة, كا حدث على أكثر من ساحة عربية « مَرّت « عليها رياح الربيع العربي العاصفة, فحوَّلتها الى ميادين قتل ودمار وخراب وفوضى عميقة, لم يستفد منها غير أعداء هذه البلدان وفي مقدمتها اسرائيل وقوى اقليمية اخرى طامعة, لا تختلف مشروعاتها التوسعية عن تلك التي تُداعِب الخيال الاستعماري الصهيوني الكولونيالي الإحلالي، اللهم الا في كونها تتدثّْر بعباءة الإسلام, وشعارات دولة الخلافة, التي يرفعها العثماني الجديد من انقرة... اردوغان.
نقول: في تونس.. ثمة توتر متصاعد, يُنذِر بحدوث انقسامات قد تبقى تحت السيطرة ما دام الأفرقاء يحرصون على عدم اخذ الخلافات الى مربع الإفتراق، وسبب هذا التوتر هو دعوة قوى سياسية وحزبية الى تمرير قانون أُطلِق عليه اسم « قانون التوبة « فيما يصفه التيار الإسلامي الذي تتصدره حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي بقانون « العفو «, الأمر الذي اثار زوبعة من الإحتجاجات, دخلت عليها النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي, وهي احدى اهم نقابات قوات الأمن في تونس, حذّرت فيه من خلال بياناتها التي اعقبت تظاهرات مدنية أمام البرلمان التونسي, من أن «عودة الإرهابيين من بؤر التوتر.. تُنذِر بالخطر، ويمكن أن تؤدي الى صوملة البلاد».
هنا لا يبدو ان الخلافات تأخذ طابعا « لغوياً» بين مفردتي «التوبة والعفو»، بل تتعدى ذلك الى ما يمكن وصفه بالخلاف المبدئي وحتى الإيديولوجي، بين من يدعو الى « صفر تسامح « مع هؤلاء « الذين تمرسوا وتدربوا تدريبا عسكريا محترفا, واستخدموا كل انواع الأسلحة المتطورة وتعودوا على سفك الدماء والقتل « على ما جاء في بيان النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي, التي أضافت مُحذِرة من ان « هؤلاء اذا عادوا الى تونس، فإنهم سيشكلون مع الخلايا النائمة في الداخل, جيشا كاملا قادرا على إحداث خطر على البلاد «، وبين من يرى ان « من المفروض ان يبقى باب التوبة مفتوحا امام المتطرفين « كما قال الغنوشي داعيا الى «التحاوُر معهم حتى يتخلوا عن هذه الرؤية السلبية للإسلام، وحتى نقنعهم – والقول ما يزال له– بأن ما هُم عليه, هو تصوّر خاطئ بالكامل.
هذا النوع من الآراء والمواقف ليس جديدا على ساحات عربية عانت من ارهاب الجماعات السلفية الجهادية والتكفيرية, وكانت الساحة المصرية الأولى في هذا الشأن, وبخاصة بعد أحداث الأُقصُر وارتفاع موجات الإرهاب والقتل العشوائي الذي مارسه هؤلاء, برزت بعد ذلك الدعوات الى الحوار معهم داخل السجون, والتي أسفرت في النهاية عما عُرِف «بالمراجعات» التي قام بعض هؤلاء، لكن الجدل لم ينته.. بين من رأى ان لا امان لهؤلاء وان المراجعات التي أجروها لا تعدو كونها احناء للرأس امام العاصفة, ثم يعودون الى «سيرتهم الأولى» وبين مَن رأى ان قسما منهم كان صادقا في مراجعاته.
هل ثمة امكانية لبروز خطر» الصوملة « في تونس؟
من المُبكِّر الحديث عن استنتاج كهذا في مجتمع مدني كتونس, هو درجة لا بأس بها من النضوج السياسي والإجتماعي, وان كانت ذيول وتداعيات ثورة « جانفي « لم تنته بعد نظرا للإرتدادات التسونامية التي ما تزال تظهر بين حين وآخر في المشهد التونسي, وبخاصة في الأحداث الإرهابية التي قضت على قطاع السياحة, وحولت تونس الى بؤرة او ساحة للجماعات الإرهابية وإن في شكل لا يشبه ما هي عليه « الجارة « ليبيا, او ما كانت عليه الجارة الغربية الجزائر... تسعينات القرن الماضي.
هل قلنا الجزائر؟
نعم... اذ ثمة من يدعو الى المقارنة بين الحالين الجزائرية والتونسية, وبخاصة في السير على خطى قانون العفو الذي اصدره الرئيس بوتفليقة، ما دفع المسلحين الإسلاميين الى النزول من الجبال والإستفادة من قانون الوئام الوطني, لكن مَن يرفض المقارنة هذه في تونس يقول: ان ماحدث في الجزائر هو أزمة داخلية جزائرية, فجّرتها الإنتخابات البرلمانية التي رفضت المؤسسة العسكرية نتائجها, ما ادّى الى «عقد» من الدموية و والفوضى، أما في تونس – يقولون – فإن هناك ارهابيين, لهم فكر تكفيري مُتجذِّر أهرق دماء مئات الالاف من الأبرياء في العراق وسوريا وليبيا ثم امتدت عملياتهم الى اوروبا... وجاءت عملية تفكيك السلطات التونسية خلية مرتبطة بأنيس العامري – أبو البراء – الذي قاد «شاحنة برلين»، لتمنح ريح إسناد, للذين يرفضون تمرير قانون التوبة, مُستندين الى قناعة لديهم بأن « القبول بعودتهم في ظل ترتيبات دولية لحل الأزمة الإقليمية، في سوريا سيشكل دعما لتوسيع رقعة الإرهاب وانتشاره,.
في السطر الأخير... يبدو الجدل التونسي, ازاء هذه القضية الحساسة والملتهبة, غير مرشح للإنتهاء, ما يدفع للقول: ان مايجري هو نتاج سياسات « حكم الترويكا « الذي قادته حركة النهضة, واستندت الى زعيم ديماغوجي اسمه المنصف المرزوقي, الذي دَعَمَ الإرهاب في سوريا وقَطَعَ العلاقات مع حكومتها الشرعية, وأسهم في تسهيل ذهاب الإرهابيين الى سوريا عبر تركيا, بموافقة مُعلَنة من حركة النهضة وشيوخها, الذين انتظموا في طابور «الإسلام السياسي» الذي تصدّرته... جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة.
[email protected]