خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

النـيـلـة !

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. زيد حمزة ( النيلة ) كلمة لا أظن أحداً يسمعها هذه الايام إلا في حديث بالعامية المصرية دعاءً على غير صديق أو شتيمه عابرة ( إنتَ يا نيلة، أو جَتَكْ نيلة ! )، ولا أعرف إذا كانت مكعبات صبغة النيلة التي أقصدها بالعنوان مازالت قيد الاستعمال مع الغسيل في بيوتنا بعد أن كانت شائعة أيام أمهاتنا لاعطاء الثياب والاغطية البيضاء لونا زاهياً ؟! وللتذكير بماهيتها الاصلية ؛ هي نبات ورقي يشبه البرسيم والملوخية ويزرع عادة في المناطق الاستوائية أو الدافئه وتستخرج منه بعد نقعهِ في الماء مادة صابغة بلون أزرق داكن واكبر الدول المصدرة له في العالم هي الارجنتين، وتستعمل اكثر ما تستعمل في صبغ قماش الجينز المعروف في صناعة الملابس (خاصة البنطلونات) في كل انحاء العالم.. الى هنا لا شيء في الأمر يثير اهتمام القارئ فلماذا إذن الكتابة عنها ؟

دعوني أسرد الحكاية من اولها:

قبل أيام شاركتُ في رحلة نظمتها جمعية اصدقاء الآثار والتراث الى الاغوار الجنوبية حيث تنقّلنا من موقع أثري الى آخر بدءًا بمنطقة الزارة المعروفة بمياهها المعدنية وتجولنا في بقايا الميناء الروماني (الامبرطور هيرود) على الشاطئ الشرقي للبحر الميت وهو يقابل ميناء آخر شبيهاً على الجانب الغربي وفي خارطة الفسيفساء المشهورة في كنيسة مادبا سفينتان تمخران مياه البحر الميت دليلا على وجود ملاحة ونقل بحري بينهما في ذلك الزمان، كما زرنا في بلدة الصافي متحف الآثار المبني حديثاً على أخفض بقعة في الكرة الارضية ثم صعدنا الدرج الطويل المشيّد باتقان هندسي بديع وهو يتلوّى وسط الصخور الغرانيتية المتعددة الألوان الى ما يدعى مغارة لوط حيث دير لراهب على هيئة معبد يحتوي على بئر لتخزين مياه الينابيع المعدنية الصالحة للشرب كانت تنحدر اليه من أعلى الجبل ويتسع لما يقرب من مليون لتر وعلى ارضية المعبد لوحة فسيفسائية كبيرة وهو الآن بعد أن جرى ترميمه والاضافة عليه موقع أثري سياحي يطل من علٍ على الوادي الجميل الذي لا تغيب خضرته عن العين طوال السنة وتتلألأ فيه صفحة مياه البحر الميت واسعة رحبة لا كما نراها فيما يسمى منطقة الفنادق !

بعد جولتنا لعدة ساعات وقد أخذ منا الجوع مأخذه عدنا الى بلدة الصافي حيث كان الفطور/ الغداء ( brunch! ) في مركز جمعية سيدات غور الصافي مجهزاً من طعام غير الذي تعودناه على موائد افطارنا التقليدية والقائمة هي: خبيزة وقلاية بندورة ومتبل باذنجان ومفرّكة كوسا وتؤكل جميعها تغميساً بخبز الشراك وبعد ذلك يقدَّم الشاي المحلَّى !

حتى الآن لم نصل الى علاقة كل هذا الحديث بالنيلة التي نحن بصددها لكن قليلاً من الصبر وباقي القصة سيفصح عنها ؛ فأثناء تناولنا الفطور جاءت ( أم محمد ) سيدة مهيبة لوّحتها شمس الغور كباقي فلاحاته لتحدثنا عن نشأة الجمعية التي ترأسها وكيف حاولت في البداية مع مجموعة من نساء الصافي العمل مع الرجال في جمعيتهم التعاونية فرفضوا ما لم يألفوه من قبل، وأمام رفضهم قررن إنشاء جمعيتهن الخاصة بهن ومازلن مثابرات بهمة عالية حيث اكملن بناء مركزهن المستقل الذي تناولنا فيه وجبتنا وفيه كذلك معرض للاقمشة والمنسوجات والمحيكات التي دخلت في صباغتها ( النيلة ) الاردنية بعد ان نجحت الجمعية بزراعتها في ارض صغيرة مساحتها دونم واحد زيد مؤخراً الى اثنين.. وتتابع ام محمد حديثها بهدوء وثقة عن طموح نساء الصافي للتوسع في زراعة نبات النيلة كأول انتاج اردني من نوعه وبهدف تصديره الى الخارج لأن أسعاره العالمية جيدة إذ يبلغ سعر الكيلو غرام الواحد مئتين وخمسين يورو ! وبلا استجداء اشتكت لنا من عدم اهتمام وزارة الزراعة بهذا المشروع بحجة ضرورة دراسته لمدة أطول ! ومن ناحيتي سألت أم محمد إذا كان هذا النبات يستهلك مياها كثيرة اجابت بالنفي ( بل بأقل من سواه من مزروعات الاغوار)، فتساءلت في نفسي كيف لا يلقى هذا المشروع دعم الجهات المسؤولة ؟!

وبعد.. ربما يكون أحلى ما استقر في ذهني من هذه الرحلة القصيرة في جَنَبات الاغوار الاردنية هو هذا النموذج المصغر لنهوض المرأة فيها واصرارها لخيرها وخير الوطن على مضاهاة الرجل في عقر عمله ونشاطه.. ولعل نساء مدننا المترددات لا يصغين لدعوة المتعصبين لأبقائهن في بيوتهن بل يسعيْن وراء كل أنواع فرص العمل لأن نسبة العاملات في بلادنا مازالت متدنية لدرجة مخجلة وهي من اهم اسباب تخلفنا حسب الدراسات الاجتماعية والاقتصادية (العالمية ) !..
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF