محمد خروب
غداً، يلتقي في موسكو وزراء خارجية تركيا، إيران وروسيا في اجتماع تم تقديمه على عجل, بعد ان كان مقررا انعقاده في السابع والعشرين الجاري، ما يعني، كانطباع أول، ان هناك من الملفات والقضايا العاجلة إستدعت تقديمه، لان بقاء الموعد «الاول» كان سيعني – ربما – صعوبة استدراك ما قد يحمله هذا الاسبوع من مفاجآت وتطورات، الامر الذي رأت فيه العواصم الثلاث, ضرورة التئام هذا الثلاثي لمواجهة استحقاقات وتداعيات التطور الاكثر دراماتيكية في الازمة السورية وهو تحرير حلب وتنظيفها من الجماعات الارهابية, التي عاثت فيها قتلا وخرابا ودمارا وحوّلت حياة ازيد من اربعة ملايين سوري الى جحيم.
ما يلفت الانتباه في الاجتماع الثلاثي, هو وجود إيران على طاولة المباحثات، وهي مسألة تأخذ اهمية اضافية, ان لجهة الاعتراف بالدور الاساسي الذي تلعبه طهران في الازمة السورية, وهو امر حاولت انقرة وبخاصة بعد عودة الدفء الى علاقاتها مع موسكو ان تجعله ثانويا, ام لجهة التأكيد على أن الاتفاق الذي تم بلورته حول حلب بين موسكو وانقرة, ما كان له ان ينجح او يأخذ مساره الى التنفيذ, لولا اطلاع طهران على بنوده وموافقتها عليه, وان كان توقف تنفيذه في المرحلة الاخيرة منه, كشف رغبة الاطراف المنخرطة مباشرة في الازمة, تحقيق أكبر قدر من «المكاسب» واثبات الحضور الميداني الذي يتجلى–ضمن أمور أخرى – بالقدرة على منع مواصلة قوافل المنسحبين من الجماعات المسلحة وعوائلهم خارج حلب, او اولئك المصابين والجرحى من بلدتي الفوعة وكفريا على الخروج.
بانعقاد الاجتماع الثلاثي في موسكو ، ربما يكون اتفاق حلب وراءنا، بمعنى ان العقبات التي واجهها منذ الجمعة الماضي لم تكن جوهرية, بعد ان لم يعد لدى الجماعات الارهابية،او من تبقّى منها في الشهباء, اي هامش مناورة او قدرة على إحداث اي تغيير ميداني، وهو امر يدركه رؤساء دبلوماسية اكثر ثلاث دول تأثيراً في الازمة السورية، ما يشير ايضا الى ان جدول الاعمال سيكون منصرفا الى قضايا ذات صلة بمرحلة ما بعد – وربما ما بعد بعد حلب, اي ان البحث سيكون جوهرياً ومُنصبّاً على البحث عن حل «سياسي» للأزمة, لأن استحقاقات مرحلة ما بعد تحرير حلب فرضت على الجميع التمعن في الكيفية التي ستحول دون تحوّل الميدان السوري الى ساحة استنزاف للاطراف الثلاثة، وما يمكن للمعسكر الذي لحقت به هزيمة موصوفة ان «يُبادِر» اليه ثأراً لهزيمته او محاولة تعميق التباين في مواقف هذه الاطراف, التي انتجت «اتفاق حلب».
قد يسأل سائل: وهل باتت تركيا جزءاً او ركنا ثابتا في هذا «الثلاثي» بعد ان كان «ثنائياً»، يجمع بين طهران وموسكو, وإن بدرجات متفاوتة من التوافق او الالتقاء على المشتركات؟
لأنقرة بالطبع حساباتها ومصالحها وهي في الاساس سعت الى تأجيل او الحؤول دون الحسم العسكري السوري الروسي (والحلفاء) في حلب, رغبة في انقاذ من قامت برعايتهم وتمويلهم ودفعهم الى التشدد في مواقفهم وخصوصا في حلب, ووفّرَت لهم الاسباب والدعم كي يحاولوا كسر حصار شرقي حلب بل و»الاستيلاء» على غربيها في المعركة التي خاضوها واطلقوا عليها اسم «ملحمة حلب الكبرى»، لكن الفشل والخيبة كانا حليفهم وانقرة، ما اضطر الاخيرة للمسارعة انقاذ ما يمكن انقاذه, ليس فقط لعدم انكشاف مدى انخراطها وتورطها في دعم الارهاب على الساحة السورية، وبخاصة الميدان الحلبي, وانما ايضا كي تأخذ هؤلاء الى ساحة المعارك التي فتحتها على حسابها في الشمال السوري, كما فعلت مع مرتزقة الجيش السوري الحر الذين خاضوا المعارك القذرة نيابة عنها في جرابلس وهم الان يقفون على مداخل مدينة الباب (توقّفوا فجأة عن اقتحامها, بعد ان وُضِعَ حد لاندفاعتهم).
وانقرة التي اسهمت في إنضاج اتفاق حلب مع موسكو وطهران, معنية باظهار غضبها او عتبها على ادارة اوباما الراحلة, التي ترى (انقرة) انها خذلتها, ولهذا هي تعمل على اغاظتها او تصفية الحساب معها, بعد ان لم تعد الادارة الاميركية الحالية قادرة فعلياً على ايذائها او معاقبتها، فضلا عن ان اردوغان يريد استباق الامور, بالإبقاء على علاقة جيدة نسبيا مع موسكو، تحسبا من خطوات ترامب تجاه الاخيرة, حيث التوقعات بتوافق روسي اميركي اكثر وضوحا وجدية, مما كانت عليه الحال من مراوغة وتربص واكاذيب مارستها ادارة اوباما مع الكرملين في الازمة السورية, كما في غيرها من الازمات التي ميزت علاقات البلدين.
الى اين من هنا؟
نتائج اجتماع موسكو الثلاثي, ستكون اشارة على مدى التوافق بين العواصم الثلاث المعنية, وبخاصة ان الحديث بدأ يأخذ منحى تصاعديا عن حل سياسي بين اطراف الازمة السورية (السوريون انفسهم) وبدت «استانة» تحتل موقعا متقدما في نشرات الاخبار, بما هي العاصمة الكازاخستانية التي ستستضيف المباحثات السورية السورية, والتي لن تكون بديلا عن محادثات جنيف كما قال الرئيس بوتين في طوكيو, عندما طرح «مبادرته», والتي أخذت, هي الاخرى, حصتها من الجدل والتجاذبات التي لم تتبلور حتى الان, وبخاصة بعد تشكيك عواصم الغرب الاستعماري في المبادرة واهدافها ومحاولتها «تخويف» رياض حجاب وهيئته التفاوضية... منها.
الانتظار لن يطول, وملامح المرحلة المقبلة قد تحددها الايام المقبلة.. فلننتظر.
[email protected]