وبعد بضع ساعات من إرسال مقالي للنشر فوجئت من اذاعة لندن بنبأ قصير كدتُ للوهلة الاولى ألا أصدقه وهو يفيد بأن الحكومة الاميركية تجاوبت اخيراً مع مطالب المعتصمين واصدرت اوامرها لكتيبة الهندسة في الجيش الاميركي بمنع شركة البترول المذكورة من مواصلة العمل في مد الانابيب في تلك المنطقة، وبعد استقصاء عاجل تبين ان الخبر صحيح تماماً فقد جاء على موقع Democracy Now (4 / 12 / 2016) تصريح على لسان Jo-Ellen Darcy مساعد وزير الجيش الاميركي للاشغال العامة قال فيه ( لقد صدرت الاوامر لكتيبة المهندسين بالغاء التصريح الممنوح لشركة داكوتا آكسس ببناء خط انابيب البترول تحت نهر ميزوري لاعادة تقييم آثاره البيئية ولاستبداله بطريق آخر ) ومن المعروف ان كلفة هذا المشروع تبلغ 3,8 مليار دولار ومنذ البداية تصدى له السكان الاصليون من قبيلة السيوكس وحلفاؤهم من غير الاصليين على مدى الشهور الاخيرة في ستاندنغ روك ومعهم آلاف جاؤوا من مئتي قبيلة أخرى في الاميركيتين وتجمعوا على شكل درع بشري احاط ( بحماة المياه ) الذين واجهوا قمعاً بوليسيا كان يزداد عنفاً يوما بعد يوم..
وجاء على نفس الموقع أن ديف ارتشام بولت الثاني رئيس مجلس قبيلة السيوكس في ساتدنغ روك قال: إننا نرحب بحرارة بقرار الادارة الاميركية ونثمن عاليا الشجاعة التي تحلى بها الرئيس اوباما ونشكر كذلك كتيبة المهندسين ووزارة العدل ووزارة الداخلية وكل الذين ساهموا في اتخاذ هذا الاجراء الحاسم لتصحيح مسار التاريخ.. كذلك شاهدتُ على اليوتيوب مراسلة الاذاعة المحلية لجمعية البيئة للسكان الاصليين وهي تنقل الخبر السعيد حياً من موقع الاعتصام وتجهش ببكاء الفرح فلم اتمالك حبس دموعي ثم تخنقها عبراتها وهي تطلق الزغرودة الهندية المعروفة وتمضي للتعليق عليه وتهنئة الابطال الذين صمدوا في ستاندنغ روك حتى حققوا هذا الانتصار الأوَّلي، وتُنبّه على ضرورة الصمود واليقظة لأن الرئيس القادم الى البيت الابيض هو دونالد ترامب المعادي بشكل سافر للسكان الاصليين..
وبعد.. من غير المعقول ان يكون في الولايات المتحدة التي نص دستورها منذ إنشائها على الحقوق الاساسية للانسان، مواطنون من اصحاب البلاد الاصليين الذين صمدوا لعمليات الابادة الممنهجة على يد القوات الحكومية لاكثر من قرنين من الزمن وعانوا من خيانة الادارات الاميركية المتعاقبة - منذ الآباء الكبار - للمعاهدات التي عقدتها معهم، وتعزلهم القوانين الآن في معسكرات تسمى ( محميات ) Reservations (كتلك التي للحيوانات) حيث يجترون مأساتهم ويصبرون على فقرهم وتقتلهم أمراضهم المتوارثة والطارئة وإدمانهم على الكحول والمخدرات.. والقمار !
فهل نصدق بعد ذلك انهم يحتفلون بعيد الشكر.. على ماذا ؟
وهل نستغرب سياسة اميركا نحو الشعوب الأخرى ؟!
