د. فايز الربيع
في ذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه و سلم يتناول الناس أطيافا ً من الحديث، تتحدث عن ابعاد شخصيته صلى الله عليه وسلم، بعد ان يثني الله على أحد من خلقه يصبح كل ثناء ٍ تابعاً. و بعد أن يمتدح الخالق عبدا ً من عباده، يصبح كل مديح متمم لفرع و ليس متناولاً لأصل، كان مولده صلى الله عليه وسلم قدرا ً من قدر الزمان ، وإطارا ً جامعا ً للمكان ، وهدفا ً لإسعاد الإنسان ، فهو للكافة، بشيرا ً و نذيراً، وهو للعالمين رحمة، لم تتحدث الاية عن المسلمين وإنما تحدثت عن العالمين، كل العالمين، الإنسان، كل الإنسان، « يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا « إذن هي العالمية في الرسالة، والعولمة رحمة، « فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا ً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم و شاورهم في الأمر « هي الإنسانية، و العفو، والإستغفار، و هي الشورى، وليس التسلط، ولا يمكن لشخص أن يجمع هذه الصفات ، إلا إذا تمتع بالخلق العظيم، ومن هنا كانت الشهادة ليس بعدها شهادة « وإنك لعلى خلق عظيم «،
جمع الرسول صلى الله عليه وسلم في صفاته بين بشرية الإنسان وعظمة القائد، و أمانة الرسول المبلغ « اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد «، دانت له القلوب، وخضعت له الأصحاب، و أحبته حبا ً تقدم على المال و الأهل و الولد، مع ذلك لم يفتن في كل هذا بل كان لهم جميعا ً أسبق إلى أنفسهم من أنفسهم، و أرحم بهم منهم، « لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم «، و مع نبوئته و تأييد الله الوحي له، و انضباطية من حوله، كان يراعي السنن الكونية، في الحرب و السلم، في العلاقة مع الأصدقاء، و الحروب على الأعداء،
كان يطبق تماما ً مبدأ « الإعداد « « و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة «، و مبدأ الإعتماد « فإذا عزمت فتوكل على الله «، كان يؤمن أن فكرة الدولة لا بد لها من دولة الفكرة وإذن لا بد لها من محضن و أنصار، فكانت الهجرة النبوية، و كان دستور المدينة المكتوب، و كان الدفاع عن الحق بالقوة، إذ ان الحق لا بد له من أسنان تحميه، و الفكرة لا بد أن تأتي يوم تحتاج إلى مدافعة و إلا فسدت الأرض» ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض « «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع ومساجد يذكر اسم الله فيها كثيراً» ، لم يكن الذين يخالفونه في الرأي إلا بشراً يخطئون و يقبل مخالفتهم، ويحاججهم بالحوار « وجادلهم بالتي هي أحسن « و يوصى بهم خيراً « أوصيكم بأهل الذمة خيراً «، ويقوم لجنازة يهودي فيقال يا رسول الله إنه يهودي فيقول « أوليست نفساً بشرية «، يا رسول الله في ذكرى مولدك اليوم نلتفت يمنة و يسرة، فلا نرى إلا أعداء تكالبوا وخطوباً تدفعها خطوب، و أبناؤك و أتباعك و أحباؤك يقفون عند مشارف عظمتك، و منهجك، كل يحاول من طرفه أن ينسج خيطاً، وما دروا أن الخيوط إذا لم يكتمل نسيجها لن تصنع ثوباً، وإن الحب إذا لم يكن عارماً، لن يترك أثرا، و أن الحق إذا كان وحيداً لن يقف أمام حق القوة، وان الظلم إذا لم يقاوم فمرتعه وخيم، وان الفساد إذا لم يحاصر سيكون سرطاناً لايمكن مقاومته.
لقد أصبح جزءاً من الفهم أن منهجك إرهاب، وخيرك قناة تدعم الإرهاب، وضاعت المفاهيم بين إفراط في الغلو، و تفريط في الإلتزام، بين تقاليد راكدة تعيق الحركة، وتقاليد وافدة تصد عن المنهج، ومع كل هذا تبقى يا سيدي يا رسول الله، نبع مسيرة النهر المستمرة، وعنوان الحب إذا ضاقت مساحة الحب، وشذى الوفاء إذا عز الوفاء، و رمز التضحية إذا قل الفداء ويبقى أتباعك من أمتك و الإنسانية يهتدون بهديك إلى يوم الدين.