د. فيصل غرايبة
ترسى المجتمعات الانسانية المتآلفة قيم المواطنة على أساس التعاقد الاجتماعي ومبدأ التشارك في دولة المؤسسات ومجتمع العقلانية،بما يتجاوز الاطار القانوني الحقوقي،ليشكل ذلك طاقة مجتمعية تنظم المواطنين وتدفعهم الى العمل بفاعلية،وتضمن حقوقهم وحريتهم وكرامتهم وتسهم في بناء مجتمعهم ديموقراطيا،اذ يتشبع المجتمع بالمواطنة ويزداد الحس المدني والقيم المدنية، وتتأصل قيم المساواة والتعاون،لأنه اذا استمر استبعاد اعمال العقل وابداء الرأي واحترام الاختلاف والتنوع،فان ذلك يحد من تأثير المشاريع الفكرية النهضوية الاصلاحية التي تؤهل الثقافة الوطنية والقومية للاندماج في ثقافة الحداثة والمستقبل ويقلص من مساحة الفكر المستنير ذي الأفق البعيد.
في ضوء تلك المدركات تبرز الحاجة الى الأفق الفكري الذي تنتظم فيه قيم المواطنة، ليصبح المجتمع أكثر قدرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية، بالاعتماد على تفكير هادف واجتهاد صائب يوفر الظروف لاقامة المواطنة على اركانها الأربعة،تلك التي تتمثل بالمساواة في الحقوق والواجبات وأمام القانون،وبدون أي تمييز بين المواطنين،والحرية باعتبارها ضمانة للحقوق الديموقراطية السياسية،والهوية الوطنية التي تحافظ على المساواة والحرية واحترام حقوق الأغلبية وحقوق الأقلية،والعدالة التي تنشر التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا،وتستند إلى الحريات والحقوق المدنية والسياسية.
هذا الى جانب افساح المجال للشباب- وهو الركن الحيوي من أركان البناء الاجتماعي-القيام بدوره الاجتماعي،والتمتع بالمكانة التي يستحق بين أعضاء المجتمع،لا سيما وان حسن أداء الشباب لهذا الدور لا يأتي إلا بتوفير شروط التفاعل الخلاق للشباب،وابرزها المعرفة في هذا العصر الذي يلح على الشباب لكي يتفاعل مع ثقافة ما بعد المكتوب،ثقافة عصر المعلومات،ومساعدة الشباب على التخلص من التشتت الذي يمنعه من تكوين أفكاره بصورة سليمة ليختار مواقفه بالحياة،ويواجه تحديات مجتمع إنساني متطور أو يسعى إلى التطور،وليسير بالاتجاه الصحيح وبالطاقة التي يتطلبها،ويتخلى عن ممارسات التبلد الذهني أو الكبت الفكري أو الوصاية،ويستبدل أسلحة الصمت والمجاملة والادعاء بالموافقة أو إخفاء حقيقة الرفض التي يمارسها الكثير من الشباب باختيارهم من اجل تحقيق أهدافهم الجزئية الخاصة،أو يجبروا على استخدامها تحت ضغط الأسرة ونصائح الأبوين وتوجيه المدرسين،وكذلك ازالة موانع المشاركة الشبابية ومثبطاتها،والسعي لتحقيق فهم أفضل لما يطرحه الشباب من أفكار لصالح المجتمع وإدراك أوضح لاحتياجات الشباب الحقيقية،وإتقان الاستماع إليهم والتحدث بلغتهم وتلمس همومهم في إطار محدد الأبعاد والأسباب.
ولما كانت «المشاركة» العمود الفقري للديمقراطية،فان الآلية المناسبة لضمان المشاركة هي»الحوار»الذي يفسح المجال للإدلاء بالآراء ولابداء وجهات النظر،ويشكل الاختلاف في وجهات النظر أو التعددية في الآراء عاملا حيويا في نجاح الحوار،يصاحب ذلك تنمية قيادات تسعى إلى خلق القيمة الايجابية الجديدة،وتجعل المصلحة الجماعية مصلحة شخصية لدى الذين يعملون معها،قناعة وإيمانا،في سعيها الى تحقيق أهدافها بصورة واقعية ممكنة،واستطرادا لذلك تشجيع الشباب على الانتظام في العمل الحزبي وتبديد التخوف وازالة التردد تجاه الانخراط في العمل الحزبي.وتشجيعهم للمشاركة بالانتخابات المختلفة النيابية والبلدية والنقابية،وتوليد القناعة لديهم بان مشاركتهم انتظام عام يحقق المساواة بالحقوق والواجبات،ويؤكد قيمة الحرية والهوية الوطنية الواحدة.
ان الجهود التي ينبغي ان تبذل في بناء قيم المواطنة لا يمكن ان تضطلع بها جهة واحدة في المجتمع،فلا يمكن ان ننادي بان يكون هذا العبء المترامي الأطراف على كاهل الأسرة وحدها،ولا على المدرسة بعينها،ولا على الجامعة بصورة حصرية،وعلى هذا الغرار لا تناط هذه المهمة بقطاع الاعلام او الثقافة او رعاية الشباب وحدها،انها على كاهلهم جميعا وبنفس الوقت وبالتكافل والتضامن والتعاضد،وهي من مسؤوليات الأهالي،كما هي من مسؤوليات الحكومة،ومن مهام الأفراد مثلما هي من مهام الجماعات.
[email protected]