احمد ذيبان
شدني مشهد الانتخابات البرلمانية المغربية ،التي أجريت يوم 7–تشرين الأول الحالي، وتابعت بشغف عبر القنوات الفضائية ووكالات الأنباء أولا بأول، عملية إعلان النتائج ، وخطر لي المقارنة الانتخابية بين الحالتين المغربية والأردنية، خاصة وأن الانتخابات وقعتا في وقت متزامن تقريبا.. في الأردن «20 أيلول « والمغرب «7 تشرين الأول».
أول ما لفتني في المشهد الانتخابي المغربي، سرعة إعلان النتائج بعد إغلاق صناديق الاقتراع بعدة ساعات، حيث أعلن وزير الداخلية بعد نصف الليل بقليل النتائج الأولية، التي أظهرت النسبة التقريبية التي حصل عليها كل حزب من عدد الناخبين، وانعكاساتها على عدد المقاعد، وهي نتائج لم تختلف كثيرا عن النتائج النهائية، لكنها لم تصل الى درجة استقراء النتائج بدقة كبيرة ،وفقا لاستطلاعات تجريها وسائل الاعلام ومراكز متخصصة ، في الدول الأكثر استقراراً في النهج الديمقراطي.
أما إعلان النتائج الرسمية في الاردن فقد استغرق نحو 48 ساعة بعد اغلاق صناديق الاقتراع ،وتركت عمليات إحصاء الأصوات الأولية وإعلان النتائج ،الى طواقم المرشحين والقوائم الانتخابية، التي شاب العديد منها أخطاء فادحة، وفي بعض الدوائر الانتخابية، احتفل أنصار بعض المرشحين بفوزهم، استنادا لتكهنات ورغبات وتمنيات ، لكن تبين أن تلك النتائج لم تكن صحيحة ، وأعقبها احتجاجات وأعمال خارجة عن القانون ،مثل إغلاق طرقات أو تخريب متاجر ومرافق عامة.
والسؤال هو لماذا كان إعلان النتائج في المغرب ،أكثر يسرا وسهولة وسرعة من الحالة الأردنية ؟ في الحديث عن النزاهة والشفافية لا يوجد فرق كبير في الحالتين، ربما وقعت بعض الأخطاء والخروقات المتفرقة ، كما حدث في دائرة بدو الوسط، لكن لم تحدث حالات تلاعب جوهرية مبرمجة من قبل السلطات المعنية. بطبيعة الحال الاختلاف الاساس بين الحالتين هو في النظام الانتخابي.
والأمر المهم في الانتخابات المغربية ، أن القانون يحصر تشكيل القوائم الانتخابية في الأحزاب ، ليس للأشخاص دور حاسم فيها، والوزن الأساس هو للحزب وحضوره في الشارع، فلم يذكر في النتائج أسماء المرشحين الفائزين ، بل النسبة وعدد المقاعد التي حصلت عليها القوائم الحزبية ، في اختلاف جوهري عن القوائم الانتخابية في الأردن ،التي اشترط القانون الانتخاب الجديد تشكيلها، وكشف التنفيذ العملي له عن عيوب وتعقيدات في انتاج القوائم وطريقة احتساب النتائج ، وكانت عملية تشكيل غالبية القوائم ،تقوم على أساس الثقل الانتخابي العشائري أو النفوذ المالي والشخصي وتعبئة الفراغات فيها ب»الحشوات».
لا ديمقراطية حقيقية بدون وجود أحزاب سياسية فاعلة ، وتكريسا لمبدأ التعددية السياسية في الحكم ، هذه حقيقة معاصرة لا جدال فيها ، وفي المقارنة ثمة تشابه كبير في النظام السياسي والنهج الاقتصادي والبنية الاجتماعية بين الأردن والمغرب، لكن يبدو السؤال لماذا الاحزاب السياسة في المغرب أكثر قوة ؟
الاحزاب المغربية ليست حالة نموذجية، وبالتأكيد ليست بعيدة عن الأمراض الاجتماعية، وحدثت فيها العديد من الانشقاقات ، لكن ربما يلعب دورا مهما في قوتها استمرارية الحياة الحزبية منذ الاستقلال ، فلم يحدث انقطاع في الحياة الحزبية كما حدث في الأردن ، حيث كانت الأحزاب محظورة منذ أواخر الخمسينات حتى بداية تسعينات القرن الماضي، وتسبب ذلك بترسيخ ثقافة اجتماعية سلبية تجاه العمل الحزبي، وبعد صدور قانون الأحزاب خرجت الاحزاب الايدولوجية من تحت الأرض منهكة ضعيفة ، وتشكل عدد كبير جديد من الاحزاب الجديدة ،بعضها اختفى بسرعة أو تشقق ،وعدد آخر استمر مجرد اسم ويافطة ، وكانت غالبيتها هامشية مرتبطة بأشخاص ،لا تمتلك برامج حقيقية تؤهلها للمشاركة في المشهد السياسي ،وخاصة الحصول على مقاعد في البرلمان.
[email protected]