كتاب

منهاج

في طفولتي لم أتعلم الحب من المنهاج , تعلمته من عيون الناس ...

في طفولتي لم أتعلم العطاء من المنهاج ...تعلمته من أبي , فقد كان يحمل (تنكة ) زيت على كتفه ونمشي , مسافة طويلة في (البطين) من أجل أن يوصلها ..لعجوز أرهقها الزمن وعقوق الأبناء ..

في طفولتي ..لم أفهم الايات جيدا من المنهاج , كان لدينا شيخ في القرية يلمنا بعد صلاة العصر , في المسجد ..ويوزع علينا الحلوى , وكل من يفهم تفسير جزء (عم) كان يشتري له ساعة إلكترونية , وقد كانت وقتها تلك الساعة تمثل ثورة في التكنلوجيا ...وأنا حفظت الجزء وتفسيره , وحصلت على الساعة ..

في طفولتي ..لم أتعلم الصدق من المنهاج , تعلمته من أمي ..فقد كانت تعدني بفتح علبة (ناشد) لي , في حال حصلت على معدل (95) وأنا حقيقة لم اصل لهذا المعدل حتى في المرحلة الإبتدائية ...ومع ذلك , كانت في نهاية كل عام تفتح لي تلك العلبة , وأبتلعها كلها ..

ولم أتعلم الوطن من المنهاج , لقد تعلمته من أبي ...فذات يوم جاء الملك حسين – رحمه الله- إلى الكرك , وكنت في الصف الثالث , وأمواج من البشر كانت حول سيارته , وأتذكر كيف حملني على كتفيه , واخترق أمواج الناس والحرس واقترب بي من سيارة الملك ..وأنا مددت يدي له , وهو ابتسم لي , ثم مد جسده باتجاهي ..وسلم علي , بقيت عاما كاملا وأنا أحدث طلاب وطالبات الصف الثالث عن يد الملك ووجه الملك , وربطة عنق الملك ..كانت المسافة بيننا قريبة جدا ...ويدي ضاعت في يده ... لحظتها تعلمت ما هو الوطن والحب كيف يولد , من سلام ومن قبضة يد ومن ابتسامة ملك .

في طفولتي لم اتعلم التسامح , من المنهاج ..علمتني اياه عائلتي , فقد كنت اشاهد رجالها , وكيف يجتمعون في المساء , ويدور حديث عذب بينهم ..لم أكن أميز بين غربي وشرقي , بين مسيحي ومسلم ..كلهم كانوا يرتدون الشماغ والدشداشة , وكلهم يتحدثون بود وعفوية ...لم يكن هناك كنائس مغلقة في وجوهنا , ولم يكن هناك أبواب للمساجد ..فنحن ندخلها للعبادة وللدفء ..وللقراءة .

في طفولتي الناس في الكرك ..هي التي علمتني الحرف والوطن والحب والحياة ...كانت قلوبهم هي الكتاب والتراب كان السطر ...لهذا حملت في يدي قلما ...

Hadi.ejjbed@hotmail.com