فايز الفايز
اليوم الأحد، إنها ذكرى الهجرة النبوية التي فتحت عصرا عالميا جديدا تجددت فيه روح الإيمان والسلام والطمأنينة للبشرية، حيث هاجر النبي عليه الصلاة والسلام مرغما من بلده مكة المكرمة حيث أهله وعشيرته الى «يثرب» حيث قبائل الأوس والخزرج وقبائل اليهود الذين هاجروا اليها بعد أن طردهم الرومان، ومع هذا لم يدع النبي على أهل مكة بالويل والثبور،ولم يقتل أحدا منهم عندما عاد إليها فاتحا،رغم أنهم قاتلوه في ثلاث حروب كبرى ،بدر وأحد والخندق، ورغم دعوته للحق وهم يدعون للباطل وتقاليد الجاهلية الموبوءة السافلة، ولكنه أسس لعالم المحبة والسلام معهم ومع اليهود تحت دستور «وثيقة المدينة»
اليوم يمر أسبوع على رحيل ناهض حتر في روحه وجسده، ولكن من المؤكد أن ذكراه لن ترحل، فهو ليس مرشحا لمجلس النواب جاء ثم مضى لم يدر به أحد، وليس وزيرا بالصدفة لم يحفظ إسمه أحد، ولا سائحا جاء ومضى ولم يوقع على وثيقة العهد الوطني ، بل كان ناهض حين كانت كل معاركنا الوطنية ضد الإستغلال والتغول والهيمنة الفردية على قرار الوطنية المصيري، وأينما التفت نحو وجع يقض مضجع هذا البلد وجدت ناهضا يجلس على مصطبة الرأي الآخر، يحمل فلسفة لا يفهمها إلا من زهد في هذه الدنيا إلا بفكره وبدفء وطنه.ناهض اليساري الأخير، لم يكن مسيحيا ولا مسلما ولا يهوديا بل كان دينه الوطن، منكفئ على معتقداته اليسارية التي مثلها في أصدق وجوهها طيلة حربه التي قادها منذ شب عن الطوق كاتبا قصصيا حتى وصلت به دوامة الحياة الى وادي الذئاب، حيث نهش الآخر متوقع في أي لحظة، وحيث إصابة العاقل بلوثة السياسة المتطرفة متوقعة في أي منعرج، ولقد كنا نحسبه أيقونة اليسار، مشعلأ يتعبد في نظرية الدفاع عن حقوق الرعيل الأول ونسلهم، يختلف مع النظام السياسي ولا يختلف على الدولة ومكوناتها السيادية، وهذا صعب على غيرنا ممن فهم مبكرا حدود التجاذب والتنافر، والحد والضد والخطوط الليزرية القاتلة فيما تحب أن تفعل وما يجب أن تفعل.
إختلفنا مع ناهض كثيرا وتخاصمنا، واتفقنا معه أكثر، لأن روح المقاتل تنزع الى الشوفينية أحيانا، ولكن عيناه تفهمان متى يصل الرجل الى شفير الهاوية، فيعدل بوصلة التفكير الى طريق آخر يبدأ به ، ولكن كانت القضية السورية قد تفجرّت وفجرّت كل مكونات الشعب العربي وليس الداخل الأردني بعيدا عنها، فانقسم القوم الى فسطاطين، وكلّ يرى الصراع في سوريا من وجهة نظره ، ولكن الكارثة أن الأمور ازدادت تعقيدا حتى بلغ العمى مبلغه من الطرفين، وهذا ما يدفع المرء الى الفجور في المخاصمة، وللأسف ليس لأي طرف من المتخالفين يدّ في نصرة النظام أو الثورة ، فالشعب هناك يقتل ونحن هنا نتشاكل.
لقد كان الأحد الماضي يوما حزينا للأردن الذي لم ينس آخر عملية إغتيال سياسي وقعت على رجاله أو على ترابه، فقد مرّ على اغتيال الزعيم وصفي التل خمسة واربعون عاما، ولا يمكن مقارنة ولا مقاربة فجيعة الوطن بوصفي بأي فاجعة، فوصفي، الذي اقتربت ذكرى استشهاده،كان مشروع أمة ورؤية وطن، ونبراس حق للسائرين نحو النصر على الأعداء لا الأشقاء، ومن هنا كان ناهض أحد العاشقين لسيرة وصفي، معترفا بعجز التاريخ تكرار شخصيته، ومع هذا لم يشهد الأردن عملية انتقام ولا ثأر ديني أو سياسي طيلة نصف قرن ،كما حدث الأحد الماضي.
أسبوع مرّعلى الجريمة التي وقعت بحق الوطن والدولة وبحق الشعب الواحد، ولأنه الأردن الذي نعرفه جميعا ونعشقه جميعا فقد داس الجميع على جراحهم،وأطفأ المجموع العام للأسرة الأردنية النار التي أوقدتها أعداد لا قيمة لها،استغلت الظرف لتبث سموم الكراهية والتحريض على قيم وقواعد الدولة والشعب الأردني، ولو استمرت هذه الفئة الضالة ببثها لسمومها وشتائمها ضد القيم الدينية والوطنية، مقابل تصريحات التشفّي الحقير والتأويل المتخلف، لوصلنا الى ما لا يحمد عقباه.
إن كل مجتمع لديه ما يكفي من الخلافات والخصومات والضغائن، ولكن في بلدنا هذا وصلنا الى مرحلة نعرف كيف نتعايش مع مشاكلنا واختلافاتنا، ولا شك أن هناك جروحا سياسية ودينية وفكرية ملتهبة، فحذار من اللعب على الجروح لغايات ليس لمقتل حتر دخل فيها فلا تنكأوها.
[email protected]