حين تؤلمني أذني في طفولتي , كانت أمي توقد شمعة صغيرة ..وتضع في الملعقة قليلا من الزيت ثم تقوم بتسخينه , على نار تلك الشمعة ..وحين يصبح دافئا تتلمسه بيدها , ثم تدير القليل منه في أذني, باعتبار أن الزيت يشفي من إلالتهابات ..وتطلب مني أن استقر مكاني ولا أتحرك حتى لايخرج الزيت ...
أحسست بحرارة الزيت كثيرا , وبالألم كثيرا ..ولست أدري من أين كان يأتي الشفاء من يدها أم من الزيت , أم من البسملة التي تلقيها علي وهي تسكب الزيت أم من قراءة المعوذات ؟...وأنا كنت أرمي رأسي دون حراك في حضنها, وهي تتلمس وجهي ..تارة ترفع خصلة من الشعر عن جبهتي , وتارة أخرى تمسح أنفي, وفي بعض المرات تتفقد الأظافر , وإن كانت طويلة تحضر المقص ..وتقوم بتشذيبها ..ومن قبيل مواساتي تقوم بدس (شلن) في جيبي حتى لا يحس أحد بأني حصلت على معونة أكثر ...
بعد ذلك أصحو في الصباح , فقد نمت دون أن أدري في حضنها ...وهي حملت جسدي الطفولي, وأودعتني فراشي ..
كل يوم أحلم بوطن يسكب الزيت في أذني , فقد تعبت من كثرة الضوضاء ..وأرى شمسه أشبه بشمعة أمامي , تسخن القليل من الزيت ...لا أريده في أذني فليسكب في القلب أيضا ...فحتى القلب هو الاخر اعتراه الكدر ...وأحلم بوطن لا يعاقبني إن أخطأت ولا يجرمني ولا يوبخني ... أنا لا أعرف كيف يكون ترابه حنونا علينا ويضمنا في لحظة الموت ...ولا يكون هواؤه عليلا ودافئا ..ويحنو علينا ونحن على خط الحياة ...
أنا خائف ..ليس من المشهد , ولكن من أنفسنا من شراسة الرأي ..من حدة الطرح , لقد أصبحنا نهاجم ..وظيفتنا هي الهجوم فقط , في الراديو نهاجم , مع سائق التاكسي على صفحات الفيس بوك ...وحين نشتري الفاكهة , وحين نتعرض لمخالفة سير وحين نبحث عن موقف لركن السيارة , وحين يتأخر حارس العمارة ..صارت حياتنا كلها هجوم ...
وأنا ..صرت أسرق كلماتي مما تبقى من الذكريات , من ملعقة الزيت وضوء الشمعة ..وحنان أمي ...وأكتب
وقبل أن أنهي مقالي , أقول لمن يقرأني ..حين تقرر أن تكتب على صفحتك في وسائل التواصل الإجتماعي رأيا أو تعليقا , فقط تذكر أن لنا أمهات كن عابدات قانتات ..تذكر كيف كن يدرن الزيت هونا في الأذن ....دافئا ومنيرا حتى يسكت فينا الألم ...فقط تذكر أن تدير الكلمات مثل الزيت تماما ..حتى تشفي قلوب الناس ولا تحرقها ...
إلى هنا ويكفي .
مواضيع ذات صلة