د. زيد حمزة
منذ اعتقالها قبل ثلاثة اشهر وأنا أشعر برغبة قوية في الكتابة عنها والاحتجاج على مصادرة حريتها وسط استنكار واسع النطاق على المستوى الاكاديمي العالمي، تلكم هي عالمة الانسانيات الايرانية الكندية الاستاذة الدكتورة هوما هودفار (67 سنة) Homa Hoodfar المولودة في ايران وتقيم في كندا منذ ثلاثين عاماً والتي تحظى باحترام زميلاتها وزملائها وطلبتها في جامعة كونكوردا في مونتريال بفضل ابحاثها الرصينة عن حقوق المرأة المسلمة في العديد من دول العالم، وقد تقاعدت قبل عامين لكنها مازالت تنشط رغم مرض اصابها في الجهاز العصبي غير قابل للشفاء يدعى باللاتينية Myasthenia Gravis وبالعربية الوهن العضلي الوبيل ، ومحنتها الراهنة أنها كانت في زيارة لاهلها في طهران عندما ألقى القبضَ عليها رجالُ الحرس الثوري الإيراني في السادس من حزيران الماضي للاشتباه بضلوعها في نشاط يهدد أمن الدولة وبسبب تماديها في المطالبة بحقوق المرأة (!) وقد اودعت في الحبس الانفرادي في سجن إيفن Evin سيء السمعة الذي عرف باساليبه الرهيبة في التحقيق مع نزلائه، وفي الثالث من آب الماضي اصدرت عائلتها الممنوعة من الاتصال بها بيانا صحفياً أعربت فيه عن قلقها البالغ على صحتها وحياتها بعد الانباء التي وصلتها وتفيد بانها نقلت الى المستشفى في حالة من الضعف الشديد في المشي والكلام كما ان العائلة لا تعرف شيئا عن توفر اي عناية طبية لحالتها المرضية الخطيرة التي قد تفضى بها الى الموت كما ان محاميها لم يتمكن من زيارتها قط.. وقالت العائلة في بيانها ان ذلك بالاضافة لاعتقالها كل هذه المدة دون تقديمها للمحاكمة مخالف للقوانين الايرانية.
في 2 أيلول الجاري نشرت صحيفة الوول ستريت جورنال The Wall Street Journal مقالا بقلم هالة اصفندياري الايرانية الاميركية المديرة الفخرية لبرنامج الشرق الاوسط في مركز ودرو ويلسون الدولي للدراسات بعنوان (ايران تواصل سجن ذوي الجنسية المزدوجة) روت فيه حالتها المشابهة لهوما هودفار وكيف جرى اعتقالها في نفس هذا السجن الرهيب Evin قبل تسع سنوات حيث قضت ثمانية اشهر، منها مائة وخمسة ايام في الحبس الانفرادي خضعت خلالها لجلسات تحقيق لا نهاية لها (( وعندما لم تجد المخابرات شيئا ضدي يبرر حبسي قانونياً سوى الادعاء باني اهدد أمن الوطن وأسعى لاشعال ثورة مخملية(!) في ايران من خلال عملي في مركز ودرو ويلسون للدراسات أفرجت عني، وعندما غادرت بلدي بالطائرة نظرت من نافذتها وقلت وداعاً طهران يا مدينتي الاثيرة التي ولدت فيها ويا وطني الذي احببته كثيراً لن أعود لكما قط طالما بقي هذا النظام في الحكم مصاباً بهاجس الخوف والاشتباه بخيانة كل من يحمل جنسية مزدوجة أو ينشط في منظمات حقوق الانسان الدولية او كان اكاديمياً يتعامل مع مراكز البحث في الخارج.
وفي 13 أيلول الجاري وبمناسبة انعقاد الدورة ال 71 للهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك أصدر المقررون السابقون لحقوق الانسان في المنظمة الدولية ( وعددهم 21 ) بيانا يستنكرون فيه اعتقال الدكتورة هوما وفي حبس انفرادي في سجن ايفن.
ترى لماذا تأخرتُ في الكتابة عن الدكتوره هوما حتى الآن ؟ اولاً لأني كنت آمل ان يتم التحقيق معها خلال ايام فاذا ثبت ما يوجب تحويلها للمحكمة فان العدالة تأخذ مجراها ضمن القوانين التي من المفترض ان تكفل النزاهة وحقوق المتهم، واذا لم يثبت شيْء ضدها فسيفرج عنها ما يكفيني مؤونة الخوض في شأنٍ أمني داخلي لدولة كايران لها حق الحفاظ على نفسها وهي المستهدفة من قبل اميركا واسرائيل !
وثانيا لأني خشيت أن يفسر استنكاري لاعتقالها على انه تشهير بأيران واصطفاف الى جانب الذين يهاجمون سياستها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، خلافاً لموقفي غير العاطفي في هذا الشأن والذي اوضحته اكثر من مرة خلال السنوات الماضية وبذلت جهداً كبيراً لكي اكون موضوعيا وواقعياً، كما أني لم أُخفِ قبل ذلك قط عدم اقتناعي بنظام الحكم الديني من حيث المبدأ وكنت ولا ازال أفضل عليه حكما مدنيا كان ينبغي ان يضم في ايران منذ البدء كل الذين ناضلوا ضد الشاه قبل وأثناء الثورة في 1979 !
وبعد.. أما وأن اعتقال هوما هودفار قد استمر لاكثر من ثلاثة اشهر معزولة عن العالم وعن اهلها وعن محاميها الذي اختاروه ووافقت عليه وزارة العدل وفي نبأ لاحق ان قاضي التحقيق عزله وعيّن محاميا من عنده مخالفا بذلك حقا قانونيا للمتهمة ، وهي امرأة تعاني من مرض عضال اعرفه كطبيب وأعرف آلامه واخطاره ومضاعفاته وضرورة توفر رعاية طبية متخصصة له، فان الأمر هنا يدعو فعلاً الى القلق ويقتضي من المدافعين عن حقوق الانسان في كل مكان الوقوف الى جانبها..