كنا نصعد من الخلف , والسائق في الغالب اسمه عطية , وأول كلمة يقولها لنا في لجة الحر :- ( يا أخوان ممنوع انركب مدنيين بس مشانكو ابشروا) ونحن نقول:- تسلم يا عطيه ..ونمضي .
أول شيء كنت أفعله , هو مسك (شادر الروفر) بحكم أن الهواء حين يضربه يبدأ بالإهتزاز , وبالتالي يؤثر صوته على الحديث مع عطيه , ولا بد من التركيز أثناء تبادل الحديث معه ..وأيضا لابد من مناولة عطية (مطرة) ماء مخبأة في الخلف اثناء قيادته , كي يشرب .
وحين نصل مثلث الثنية , لا بد من دورية للشرطة العسكرية تقوم بإيقافنا ..والتدقيق في هوية السائق . الشرطة العسكرية وظيفتها هي الرقابة على العسكريين وأنا كنت اتجاوز تلك القصة , عبر تبريرات عطية فهو غالبا ما يخبرهم بأني طاهي الكتيبة وموجود معه لاستلام الأرزاق ..ونعبر النقطة دون مشاكل .
عشرون عاما وأكثر , وأنا طاهي الكتيبة , ونحن في مهمة استلام (الأرزاق) ونعبر بكل حب الدنيا وشوقها , لقد كنت في طفولتي أدخل الكرك ..حاملا كل شوق العمر لها وفي صباي دخلتها كأحد طهاة القوات المسلحة هكذا عرفني عطيه ..وها أنا اليوم أدخلها بكل مستلزمات الشيب , والعمر وتعب الحياة .
ذاك المشوار ما زال في ذهني , واهتزازات الروفر ما زالت , والهواء الذي يلعب بالشادر ويشعرك أنك في بحر وليس على الطريق ما زال , وحبات العرق التي ظهرت على وجه عطية ما زالت في المخيلة ...
في العمر ثمة طرق يمشيها الفرد , بعضهم يمشي طريق التجارة , والبعض طريق السياسة , والبعض يمشي في طرق الإغتراب بحثا عن لقمة العيش ..وأنا خط عطية لي الطريق عبر الروفر العسكرية ..وصارت الروفر مقالا والطريق كلمات وعطية كل ذاك الوجد المخبأ بين ثنايا الحروف ....
عطية اكثر من سائق , عطيه وطن ...
