يمكن تفهم خلفيات قرار وقف استقدام العمالة الوافدة، بهدف ضبط فوضى سوق العمال ، لكن الغريب ان القطاع الزراعي وهو معني مباشرة بالقرار ، لم يتم التشاور مع المعنيين فيه وخاصة اتحاد المزارعين.
والمزارع المنهك بالديون وارتفاع كلف الانتاج، والمعاناة الناجمة عن أزمات التسويق المتكررة ،لا يستطيع دفع عشرين دينار يوميا لعامل وافد ، لكن مثل هذا الأجر متوفر في قطاع الانشاءات، ولذلك فهو يغري العامل الوافد للتسرب اليه ، حتى لو كان تصريحه عامل زراعي.
أما ثمن ذلك التسرب فعلمه عند أصحاب الشأن، وربما يوجد سماسرة ومقاولو ن يمارسون هذه اللعبة! لكنني لا أظن ان مزارعا حقيقيا له مصلحة في ذلك، فهو الخاسر في كل الاحوال، لانه بحاجة الى أيدي عاملة للقيام بالاعمال الزراعية، فحتى لو فكر البعض جدلا ممارسة هذا السلوك ، وقبض مبلغ الف دينار من عامل وافد تم استقدامه للعمل بالزراعة ، مقابل ترحيله خلسة للعمل في قطاع الانشاءات، فان ذلك المزارع «المفترض» سيكون هو الخاسر ، لأنه سيحتاج الى عمال في مزرعته ، وفي كل الاحوال فان الرقابة والتفتيش من قبل وزارة العمل تستطيع ضبط العملية.
وعليه فإن غضب المزارعين واحتجاجهم على عدم التشاور معهم مبرر، فالقرار يلحق بهم ضررا كبيرا ،خاصة وانه تزامن مع بدء التحضير للموسم الزراعي المقبل، وبصراحة فان وقف استقدام العمالة المصرية للعمل في الزراعة، يضع المزارعين أمام خيار وحيد، وهو استخدام العمال السوريين الذين أصبح وجودهم مرا واقعا، وربما يقبلون بأجر أقل بحكم انهم لا يدفعون رسوم تصاريح عمل، كما هو حال الاخوة المصريين، لكن المشكلة ان العمال المصريين أكثر قدرة على العمل الزراعي، بحكم الخبرة الطويلة التي اكتسبوها في العمل بهذا القطاع خاصة في وادي الأردن، مع الاشارة الى أن العمالة السورية ذات سمعة طيبة في العديد من
الحرف اليدوية، والمهن الخدمية والتجارية وفي قطاع المطاعم والحلويات، ومن يفضلون العمل بالزراعة منهم يفضلون تشغيل بعض أفراد عائلاتهم معهم.
ويسجل للعمال المصريين قدرتهم وجلدهم على العمل في ظروف صعبة، مثل الحر الشديد وبذل جهد جسدي كبير ،في بناء البيوت البلاستيكية والاعتناء بها، ورش المبيدات وتحميل المحصول في وسائل النقل وتنزيله منها !
بيت القصيد في المسألة، توفير فرص عمل للأردنيين العاطلين وعدم مزاحمتهم من قبل العمالة الوافدة، هذا هدف لا يختلف عليه اثنان ،لكن في الفحص المخبري فإن القرار يعطي نتائج سالبة ، ذلك ان الأيدي العاملة المحلية التي يمكن الاستعانة بها في العمل الزراعي، تكاد تقتصر على فتيات يعملن بشكل موسمي بجني الثمار وتعبئتها في العبوات وإزالة الأعشاب.
وفيما يتعلق بالشباب فان من يعملون في الزراعة هم قلة ، والعديد ممن كانوا يعملون في القطاع أصبح عندهم مزارع خاصة بهم وغرقوا بالديون ! والسبب الجوهري الذي يجعل الشباب الأردني يعزفون عن العمل في الزراعة، انه عمل موسمي لا يحقق دخلا ثابتا، ولا يوجد ضمان اجتماعي أو تامين صحي ،فضلا عن كون المزارع يفضل العامل الوافد، الذي يقبل بأجر أقل وبساعات عمل اكثر ويبذل جهدا أكبر ، وبظني انه يمكن تحفيز الشباب الاردني للعمل في الزراعة ، من خلال توفير تأمين صحي وضمان اجتماعي ، وضمانات لاستمرارية الدخل على مدار العام ، وليس خلال موسم الزراعي فقط، كحال المدرسين في بعض المدارس الخاصة التي تبتزهم و تستغل حاجتهم للعمل ، بحرمانهم من رواتب العطلة الصيفية والتلاعب برقم الراتب الخاضع لاشتراك الضمان الاجتماعي ،واعتقد انه ليس باستطاعة غالبية المزارعين توفير هذه الضمانات، فحالهم يشبه الى حد كبير حال الدولة ، من حيث تراكم المديونية وتناسلها ، وكلاهما يبحث عن المزيد من
القروض والمساعدات ،دون أفق واضح الى أين سيقود ذلك !
واقترح أن تعمل الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص، بتوفير دعم للقطاع الزراعي بهذا الاتجاه، كأن يتم تشكيل صندوق لهذه الغاية ، ويمكن توسيع أجندة صندوق الاستثمار الأردني السعودي لتشمل القطاع الزراعي !
Theban100@gmil.com
مواضيع ذات صلة