(بترا) - من رياض ابو زايدة - « خبي قرشك الابيض ليومك الاسود» ؛مأثور شعبي يتداوله الاردنيون منذ زمن بعيد للدلالة على التدبير وأهميته , وحضور عملة نقدية مهمة وضرورية للتعامل اليومي .
القرش المصنوع من الفولاذ المطلي بالنحاس وهو من فئات النقد الاردني المتداولة ما زال حاضرا بقوة في الحياة اليومية للموظف منصور محمد ولا يستطيع الاستغناء عنه في تعاملاته اليومية .
مضيفا انه ضرورة يومية لدفع اجرة (السرفيس) من أجل الذهاب الى مركز عمله حيث يلزمه 27 قرشا لذلك .
ويشير منصور الى ان محاسب أحد المطاعم فاجأه عندما رفض أخذ جزء من ثمن الوجبة الشعبية :الحمص والفول والفلافل، عدة قروش معدنية، ولم يشفع له اللون النحاسي اللامع الدال على حداثة سكها .
وفي جولة على محال تجارية ممن تتطلب طبيعة نشاطها التجاري التعامل بفئة القرش رفض بعض اصحابها قبول القرش ، وحاول اخر من بينهم التخلص من دينارين بفئة القروش فيما لم نجد في صندوق محل اخر قرشا واحدا ما يدل على ان صاحب المحل يتجنب التداول بهذه الفئة من العملة . البنك المركزي الاردني وهو الجهة الوحيدة المسؤولة عن حقوق إصدار أوراق النقد والمسكوكات في المملكة بموجب قانون البنك رقم 23 لسنة 1971 اشار الى حجم الطلب الكبير على فئة القرش من قبل البنوك والجمهور.
وبحسب البنك فان عدد القطع المتداولة من فئة القرش كما هي بتاريخ الحادي عشر من كانون الاول الحالي يبلغ 143 مليونا و617 الفا و890 قطعة , وقيمة القرش هي 10
فلسات منذ تاريخ اول اصدار وحتى الان , وكان أول قرش تم سكه حمل تاريخ 1949، بينما آخر قرش سُك بشكله الحالي حمل تاريخ 2011 .
وفي الاونة الاخيرة برز القرش كعامل جذب انتباه في المحلات الكبرى حيث يجد الزائر لها لافتات كتبت عليها الاسعار بالقرش مثل : 99 قرشا ، و89 قرشا حيث يقول مدير احد هذه المحلات المهندس هاني عاشور ان هذا الاسلوب تسويقي معمول به في اميركا واوروبا، وتم نقله من اجل تقريب الصورة للزبون وتحفيزه على الشراء من خلال استخدام كلمة القرش.
الثقافة الشعبية الاردنية انصفت القرش عندما اهتمت به الى جانب ذكر العملات والنقد الاخرى بما يتواصل مع وظيفتها في البعد الانساني والحضاري كما يقول المختص بالثقافة الشعبية نايف النوايسة. ويبين ان هذه الجذور متمكنة وراسخة لما للقرش من مكانة في هذه الثقافة , ففي (الجزدان) مكان خاص لحفظ القرش الى ان تطور الامر الى تخصيص (جيب خاص) في ( البنطال ) بحكم التعامل اليومي به. ويقول ان من بين العبارات اللطيفة التي تدل على الغنى يحضر القرش من اجل وصف فلان بانه (مِقْرش) وهذه دلالة على ان فلانا أثرى بعد إفلاس وهي من الكنايات الشعبية التي يمكن ان تطلق على الرجال والنساء (مقرشين ومقرشات) وتجمع على قروش .
ويضيف النوايسة: حينما نستعرض مسيرة القرش في الحراك الاقتصادي الشعبي نجد انه كان يضرب به المثل في ارتفاع وانخفاض الاسعار حيث يقول التاجر او المشتري «انه كان يشتري الشيء بقرش «، والغريب انه لم يتعرف على ( الفلس) الا اذا ربطت بكلمة (المِفلس) والمقصود به الشخص الذي وقع بمصيبة الديون .
وكان القرش وفقا لقوله « يكتب (غرش) والليرة التي يقصد بها الدينار تكتب (النيرة) واحيانا يستعاض عن ذكر (القرش) باسم قديم (ملّ) , ويقال في الامثال والكنية الشعبية (ولا ملّ) واستعيض عنها بعد ذلك بـ ( ولا قرش) والحقت بعبارة اخرى ( انا على الحديدة ولا قرش) أي منتهى الفقر.
ويعزو الباحث الشعبي حضور القرش والتعريفة في التعاملات اليومية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لقوة الدينار الاردني على اعتبار ان الزراعة كانت عمود الاقتصاد فضلا عن الاكتفاء الذاتي لدى المواطن ما مكن القرش من التربع على واجهة التعامل النقدي.
كما ظهر القرش بشكل مستمر في سجلات المحاكم الشرعية الاردنية وسجلات الاوقاف , فتجد عبارة مثل :خمسون قرشا، وستون قرشا.
ويستذكر انه في الستينيات من القرن الماضي كان التعامل بالقرش طاغيا على بقية فئات العملات الاخرى المتداولة حيث كنا نستخدمه في المواصلات الى جانب شراء الحاجيات اليومية كعلبة اللبن التي كانت kبقرشين ونصف القرش ، وصحن الحمص بـثلاثة قروش.
مهدي بسيسو شاب اردني مقيم في نيويورك له اهتمام خاص بالقرش الى جانب العملة الاردنية الاخرى , ويسعى جاهدا من خلال هوايته الى جمع وتوثيق هذه العملة.
ويرى ان هناك سببين يدفعان الى الاهتمام بالقرش القديم ، الأول: لغاية البيع بسعر أعلى من القيمة الإسمية كتجار العملة ، والثاني : الجمع كهواية مشيرا الى ان أسباب الجمع كهواية تختلف من هاو الى آخر حيث ان بعض الاشخاص يفضلون جمع عملات تذكرهم بأيام طفولتهم وتاريخ بلدهم وهناك من الهواة يعتبرونها تحديا لجمع مجموعة كاملة من العملات.
ويأسف بسيسو لاحجام بعض المحال عن قبول القرش بحجة انه غير مفيد، ويرى ان ذلك احد الأسباب التي جعلتنا ـ كهواة ـ نخسر القطع صغيرة الفئة مثل نصف القرش (التعريفة) ، والفلس وورقة نصف الدينار .
وإدراكا من البنك المركزي لأهمية النقد الذي تم تداوله في الأردن عبر العصور، فقد بذل جهودا منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي من أجل تأسيس متحف خاص للنقد حيث افتتح عام 1988 في عهد المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال .
وتشتمل معروضات المتحف على مسكوكات قديمة وحديثة تم تداولها في الاردن منذ العهد اليوناني ولغاية آخر إصدار أردني من المسكوكات مع اهتمام خاص بالفترات الاسلامية، إلى جانب إصدارات مجلس النقد الأردني من الأوراق النقدية والمسكوكات وإصدارات البنك المركزي الأردني من أوراق النقد والمسكوكات المتداولة والمسكوكات والميداليات التذكارية. ويحسب لوزارة الثقافة اعادة الألق الى القرش عندما أصدرت من خلال مشروعها مكتبة الاسرة كتبا متنوعة لجميع افراد الاسرة , وكتب على الغلاف الخارجي للكتاب سعر البيع بالقرش - الكتب الكبيرة 35 قرشا، وكتب الاطفال 25 قرشا - لتذكرنا بالغائب الحاضر.