يحتفل الأردن هذا العام بمرور أربعين سنة على توحيد الاحتفال بالعيدين الكبيرين لدى المسيحيين: عيد الميلاد وعيد الفصح المجيدين. أما بالنسبة للآلية التي انتهجها الأردن، فقد أقرّ رؤساء الكنائس منذ عام 1975 بأن يعيّد المؤمنون السائرون على التوقيت الغربي المسمّى بالتقويم «الغريغوري»، بعيد الفصح مع اخوتهم في الكنائس السائرة على التوقيت الشرقي أو المسمى «التوقيت اليولياني».
وتحتفل الكنائس كلها معا بعيد الميلاد في 25/12 من كل عام.
في الواقع، وبعد أربعين سنة على ذلك الاجراء، فإن الأردن يفخر بأنه الدولة الوحيدة في العالم التي أقرت هذا الاحتفال الموحد، في الوقت الذي تبنت فيه بعض الدول الشقيقة والمجاورة التوحيد الجزئي، تماماً مثل فلسطين، نقول «جزئي» لأن هنالك نظام «الستاتيكو» أو الوضع الراهن، وبخاصة في الأماكن المقدسة وحقوق كل كنيسة على حدة بشكل تقليدي منذ مئات السنوات ولم يتغير إلى اليوم.
ونحن في الأردن، وبموازاة مبادرات الحوار الاسلامية المسيحية التي خطا فيها بلدنا خطوات رائدة، لا على الصعيد المحلي والاقليمي فقط، بل على مستوى العالم أجمع، من خلال افتتاح الحوارات المنظمة والمؤتمرات الراقية منذ ثمانينات القرن الماضي، يحتفل الأردنيون هذا العام بعيد الميلاد المجيد معا، بعد أربعين سنة على توحيد الاحتفال بالعيد وبدون انقطاع.
ويبقى السؤال: ما أهمية توحيد الأعياد؟ والجواب جليّ وحيوي في آن واحد. إذ يوحد القلوب في نبض واحد. وهذا ما ترتئيه الكنيسة وتسعى لتحقيقه، لما لذلك من دور رئيس في التخلص من شتات الفرقة. ولأنه كما يقول القديس بولس: «هنالك مسيح واحد ومعمودية واحدة ورب واحد»، فلماذا لا يكون العيد محتفلا به بتاريخ واحد؟
بلا شك إن العيد هو واحد، بمعنى الاحتفال بذات القيم وذات العقائد المسيحية التي يؤمن بها كل طرفٍ. ولكن ما نرجوه فعلاً هو ديمومة هذه «الحالة الأردنية» إلى الأمام وبدون انقطاع، وبالرغم من بعض محاولات شهدتها سنوات سابقة، للتوقف عن هذا التقليد. أضف إلى ذلك أنّ عيد الميلاد أصبح عيدا وطنيا، منذ بلوغ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم سدّة العرش عام 1999، فأقرّ يوم العيد عطلة رسمية لجميع المواطنين.
وقد أعرب البابا فرنسيس، في منتصف العام الحالي، عن أمنية صادقة واستعدادٍ كبير لدى الكنيسة الكاثوليكية، بأن تقبل بأي خيار يأخذه الأشقاء المسيحيون في مختلف الكنائس، فإن كان هنالك استغناء عن «مجمع نيقيا» وما صدر عنه عام 325م من تحديد لكيفية تحديد عيد الفصح، فالكنيسة على أتم الاستعداد للتغيير. إنما يبقى أن يوافق الأخوة الأرثوذكس على ذلك. وكما يعلم القراء بأن الكنائس الأرثوذكسية ليس لديها رئيس واحد كما في الكنيسة الكاثوليكية، بل هنالك كنائس مستقلة ذات سيادة تسمى « Autocephalous» بمعنى أن لكل كنيسة رأسا، لذلك لن يكون الأمر ممكناً اقراره دون موافقة جميع الأعضاء بلا استثناء.
العام المقبل هو عام الاجتماع الكبير أو السينودس الكبير للكنائس الأرثوذكسية، وقد سمعت من أحد البطاركة الأجلاء بأنّ هذا الامر قد أدرج على جدول الأعمال، إلا أنه، بحسب قوله، ليس رئيسياً ولا يظن بأن ذلك سيكون ممكناً. نأمل من اليوم في العام المقبل، وهو «عام يوبيل الرحمة»، أن يكون علامة للمحبة والوحدة، سيرا نحو وحدة القلوب المشتركة، ابتداءً بعمل بسيط وهو توحيد تاريخ الاحتفال بالأعياد المجيدة.
[email protected]
*يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بأذن خطي مسبق من المؤسسة الصحفية الاردنية - الرأي.