تترافق ولادة كل عمل فني مع انتقاداتٍ وتحليلاتٍ وآراء متفاوتة بين معجبٍ وناقد، وهذا أمر طبيعي. وقصة «أحمد وكريستينا» هي بنت الواقع اللبناني وتجد لها مرادفاً في مجتمعاته.
إلا أن تهمة هذا العمل الرئيسة هي المغالاة بتصوير الواقع الطائفي وطرح هذه المسألة التي نوقشت مسبقاً وإخبار المشاهد اللبناني بما يعرفه أصلاً، علماً أن البعض أخذ على العمل بأنه بالغ بتقديم صورة التزمت الديني في المجتمعين المسلم والمسيحي على عكس الواقع.
وإذ نتوقف عند مضمون هذا النقد نسأل مع الكاتبة: إن كانت هذه المسألة الإجتماعية قد طُرِحَت سابقاً، فهل وجدوا لها حلاً؟! وماذا سيناقش الكاتب اللبناني إن لم يتطرق لقضايا بلده الشائكة؟ أوليست الطائفية هي علة العلل في لبنان؟ أليست مسألة الزواج المدني معضلة مستمرة بسبب تدخلات رجال الدين والتقوقع الطائفي والمذهبي؟ وأليست الأزمة اللبنانية مبنية أصلاً على أساس هذا التمييز الديني من فجرها؟! في طبيعة الحال يحق للكاتب أن يطلق العنان لمخيلته بسرد ما يريد نقاشه، وله الحق بأن يطرح كل مسألة يراها حساسة.
ويبقى للمشاهد الحكم من جهته، فإما أن يجذبه العمل أو ينفصل عن متابعته! من هنا لا بد من تهنئة الكاتبة كلوديا مارشيليان على اندفاعها الإنساني في محاولة منها لحث المجتمع اللبناني على التعاطف مع قصة الحبيبين من ديانتين مختلفتين، إلا أن المأخذ عليها هو ضعف السبك لهذه الفكرة على الورق.
فالسيناريو الذي ناقش هذه المسألة الحساسة كان يجب أن يكون أكثر إقناعاً وتأثيراً في المُشاهد الذي لم يجد في نصها عبرةً ما ولم يخرج بنتيجة تؤكد أهمية الزواج المختلط وضرورة إقرار الزواج المدني! لقد أخفقت كلوديا مارشيليان بإقناع المواطن اللبناني برسالتها، وذلك لأن هذه المسائل الحساسة تحتاج لصرخة ومواقف فذّة وعباراتٍ تبعث القشعريرة في النفوس! وبطولة هذا العمل كان يفترض أن يؤديها ممثلون قديرون لا مبتدئون.
وربما يكون الحق على منتج العمل مروان حداد الذي أراد إطلاق نجمين من خلال عمل توقع له أن يكون مؤثراً فجاء بارداً رغم سخونة الفكرة بعد كل التوقعات بنجاحه ودعايته المكثفة! فالفرق كبير جداً بين القدرات التمثيلية للفنان القدير غسان صليبا والد «أحمد» وسام صليبا الذي لعب دور البطولة في هذا العمل!
فكيف يكون العمل مقنعاً بضرورة كسر المحرمات أمام الحب إن كان السيناريو لم يُمكِّن البطلين من إقناع والديهما بحضور زفافهما؟! هل كانت رسالة العمل هروب البطلين من طوع الأهل وزواجهما دون احتضان العائلة؟ ألم يكن التمرّد ليكون صائباً أكثر لو ترك بصمته بتغيير رأي الأهل؟ ألم يكن يفترض أن يكون زواج البطلين قد فتح فجوة نور في الحائط الفاصل بين البيئتين المتزمتتين بعنصرية لا تمت للإيمان بصلة؟! صليبا: من جهةٍ أخرى، كان لافتاً تصريح وسام صليبا أن والده انتظر ردة فعل الجمهور ليهنئه! والسؤال يطرح نفسه تلقائياً هل يحتاج نجم قدير بحجم غسان صليبا لرأي الجمهور ليتأكد من أداء نجله؟ ألم يكن ليعبّر عن إعجابه الكبير به لو أنه أقنعه فعلاً؟ ألم يبدُ الأب النجم وكأنه يحفظ ماء الوجه مع نجله حتى لا يُحبطه من خلال تقييمه وتصريحاته الصحافية والتلفزيونية، حين حاول جاهداً أن يكون متصالحاً مع خبرته بعدم الإشادة بأدائه وفضل الإستعانة برأي الجمهور دون أن يعطيه شهادة تؤكد رضاه الفعلي عن أدائه هذا لدور؟! سابين: أما سابين، فربما يصح القول إنها أجادت بأداء تتر المسلسل أكثر من دورها كممثلة، حيث إن العمل كان يحتاج لبطلة تكون حديث الشارع في أدائها وتطرح معاناة تتفاعل معها الشابات في لبنان كما شبابها.
وهنا نقطة الضعف الرئيسة في رسالة هذا العمل التي لم تصل، فكان سهماً عابراً لم يصب هدف الكاتبة، ولم تنقذه القدرات التمثيلية لـ»جورج شلهوب، إلسي فرنيني، مي صايغ، يوسف حداد، نيكولا دانيال وجان قسيس» إلى جانب تميّز كل من حسان مراد وطوني نصير بدورهما كضحيتين في مجتمعٍ لا يرحم.
ورغم الأداء الجيد لـ»أنطوانيت عقيقي إلا أن دورها كان هامشياً. فهذه الممثلة الكوميدية المعروفة بنكاتها الصارخة قد عزلها الحجاب عن إبراز قدراتها التمثيلية المعتادة.
أما دارين حمزة فقد لعبت دوراً يكبرها سناً، ولم تبدُ فيه مقنعة! مع الإشارة بأداء سينتيا خليفة الجيد، غير أن الكاتبة قد وضعتها في قالبٍ نافر وفقاً لمفاهيم المجتمع ولم يحمل دورها مضموناً يبنى عليه، لأن المجتمع اللبناني يحتاج لمن يتفاعل مع نسيجه الإجتماعي ليحدث فيه تغييراً ولا يتقبل الشخصيات النافرة. تناقضات عبر الزمن: وعليه يمكن القول إن المخرج سمير حبشي قد حاول ترميم العمل بصورة ومشاهد صادقة.
بحيث نقل للمشاهد واقع القرية بتلاوينها وطقوسها وبيئتها. ولقد أحسن بتقديم الممثلين بكادرات تقرأ المَشاهد بصورةٍ ذكية، إلا أن السؤال يطرح نفسه: هل تشبه هذه الصورة واقع القرية اللبنانية اليوم؟ وهل تنقل بيئة المجتمع اللبناني المعاصر؟ وما هو التحديد الزمني لقصة أحمد وكريستينا؟ هل هي قصة معاصرة نعيشها في الزمن الحالي أم أنها تنبش واقعة حدثت في الزمن الغابر؟! هنا يتوه المسلسل على سكة الزمن في سرد الأحداث ليخاطب عقل المشاهد بتناقضات تحتاج تفسيراً.
لا شك أن الموضوعية تفرض الثناء على جرأة الموضوع وعلى الإنتاج الذي بدا كريماً في ظل الواقع اللبناني وإمكانياته، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في سبك السيناريو الذي حمل «التنظير» وقدِّم العمل للناس وكأنه «تلقين» في مدرسة لم تقدم دروساً مجدية، فتوقف عند بصر المشاهد ولم يخاطب بصيرته لا بنصه ولا بأداء بطليه، وعلى الرغم من الجهود الواضحة، لقد فشل هذا المسلسل بإيصال رسالته. (ايلاف)