وليد سليمان - بعد حديث في الجزءين الأولين، عن الجامع القِبلي وهو الجامع المسقوف الذي تعلوه قبة رصاصية، والواقع جنوبي المسجد اﻷقصى المبارك من جهة القبلة، وعن مصلى اﻷقصى القديم تحت الجامع القِبلي ، يدخل إليه عبر درج حجري يقع قرب الرواق اﻷوسط في الجهة الشمالية للجامع القبلي، والحديث أيضاً عن المصلى المرواني الذي يعتبر أوسع منطقة مسقوفة في المسجد اﻷقصى المبارك، نستكمل الحديث عن مسجد قبة الصخرة ومسجد البراق ومسجد المغاربة وجامع النساء.
مسجد «قبة الصخرة»
تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحد أهم معالم المعمارية الاسلامية في العالم، فهي أقدم بناء في العهد الاسلامي بقي محافظا على شكله الهندسي اﻷصلي وعناصره المعمارية والزخرفية في اﻷغلب دون تغيير، كما أن العناصر المعمارية في القبة وغناها الكبير تضيف إلى هذا المبنى رونقا ﻻ يضاهى، حتى إن نظريات كثيرة قد بحثت فيه ونشرت حول تفسير شكلها وسبب بنائها على هذا اﻷساس المميز والمختلف عن جميع اﻷبنية ذات الصبغة الدينية في عصور المسلمين كلها.
بنى هذه القبة الخليفة اﻷموي عبد الملك بن مروان(86-65هجري/705-684م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هجري /685م، وتم الفراغ منها سنة 72هجري/691م. وأشرف على بنائها المهندسان رجاء بن حيوة الكندي وهو من التابعين المعروفين وأصله من مدينة بيسان في فلسطين ، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو مهندس من القدس.
وقبة الصخرة المشرفة بناء مثمن الإضلاع، ويتوسط البناء الصخرة المشرفة. وترتفع هذه الصخرة نحو متر ونصف المتر عن أرضية البناء وهي غير منتظمة الشكل يتراوح قطرها بين 13وحوالي 18متر، وتعلو الصخرة في وسط المبنى قبة دائرية قطرها حوالي 20 مترا.
والشكل العام المثمن لمبنى قبة الصخرة يقوم على صفين من اﻷعمدة يتكون كل صف من مجموعة من اﻷعمدة الكبيرة المستطيلة التي تسمى (المدامك) ومجموعة من اﻷعمدة الرخامية الصغيرة اﻷسطوانية، ويبلغ عدد المدامك في الصف الخارجي (التثمينة الخارجية) ثمانية مدامك، يقوم عليها المبنى الرئيس، ويكون بالتالي مجموع هذه اﻷعمدة الصغيرة في التثمينة 16 عمودا. أما الصف الداخلي فيحيط بالصخرة نفسها ويحتوي على 4 مدامك كبيرة وبين كل اثنين منها 3 اعمدة صغيرة يكون مجموعها بالتالي 12 عمودا، وهذه المدامك اﻷربعة الداخلية هي اﻷساس الذي تقوم عليه رقبة القبة نفسها.
وفي الجانب القبلي من الصخرة تقع(مغارة اﻷرواح)، وهي مغارة طبيعية صغيرة تقع في جوف الصخرة المشرفة من ناحية القبلة، وتتسع لحوالي 40 شخصا ، وفيها ثقب في جسم الصخرة ينفذ إلى اﻷعلى بقطر حوالي 50-40سم، ويستخدم ﻹضاءة المغارة ، وذكر فيه خزعبلات وأساطير كثيرة أهمها أنه تشكل بفعل(إصبع جبريل عليه السلام)، أو أنه خرق بسبب صعود النبي صلى الله عليه وسلم منه إلى السماء ليلة الإسراء والمعراج، وكل هذه خرافات ﻻ أصل لها، والصواب أن هذا الثقب هو من عمل الصليبيين !! .
ويوجد في قبة الصخرة مجموعة من المحاريب يبلغ عددها 14 محرابا، سبعة متلاصقة منها أمام الباب الشمالي للمبنى، وواحد في الجهة الشمالية الشرقية عند الصف الداخلي لأعمدة المحيطة بالصخرة، وآخر من ناحية القبلة هو المحراب الرئيس للمبنى، وثلاثةمتلاصقة في الجهة الغربية من المبنى، ومحرابان أموي وفاطمي يقعان تحت الصخرة في مغارة اﻷرواح. ويحتوي المبنى على 52 شباكا، وعلى أقواس مغطاة بالفسيفساء تربط اﻷعمدة عددها 24، وعلى 99 بلاطة رخامية سوداء مميزة.
ويحتوي مبنى قبة الصخرة على عناصر معمارية وزخرفية غنية جدا، ﻻ سيما الزخارف اﻷموية، حيث تتميز الفسيفساء اﻷموية فيها بأنها تحتوي على صور أشجار ونباتات ذكرت كلها في القرآن الكريم، كما تتميز الزخارف اﻷموية كلها (سواء الفسيفسائية منها أو تيجان اﻷعمدة) بأنه ﻻ توجد أي وحدة زخرفية فيها تشبه اﻷخرى إطلاقا، وتنتشر فيها كتابات أموية بالفسيفساء تعد من أقدم اﻵثار الباقية للكتابة في العهد اﻷموي، وتدور هذه الكتابات كلها حول التوحيد وحول رسالة وطبيعة المسيح عليه الصلاة والسلام ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما كتبت أجزاء من سورة طه التي تذكر قصة موسى عليه الصلاة والسلام بالفسيفساء على الإطار السفلي لرقبة القبة.
أما القبة الذهبية نفسها، فتتكون في الحقيقة من قبتين، داخلية وخارجية بينهما مسافة تبلغ حوالي متر واحد. والداخلية مصنوعة من الخشب ومكسوة من الداخل بالجص المذهب. أما القبة الخارجية فكانت قديما مصنوعة من الرصاص ومكسوة بالذهب ، ثم تغير الكساء إلى ألواح من الرصاص من القرن الماضي، عندما أعيد كساؤها بألواح اﻷلمنيوم المذهب. وفي عام 1995م تم تغطيتها بألواح من معدن الخارصين المطلي طلاء كيميائيا بطبقة رقيقة جدا من الذهب الخالص، واستعمل في تغطيتها 24 كغم من الذهب. ويعلوها هلال ارتفاعه حوالي 4م، ويبلغ ارتفاع المبنى كله حتى أقصى إرتفاع للهلال حوالي 40م.
وقد كان مبنى القبة في العهد اﻷموي مغطى من الداخل والخارج بالفسيفساء، وذلك حتى الفترة العثمانية ، حيث أمر السلطان العثماني سليمان القانوني بتغطية المبنى من الخارج والبلاط القاشي اﻷزرق بدﻻ من الفسيفساء. والبلاط القاشي يصنع من الفخار ويطلى ثم يغطى بطبقة قاسية وﻻمعة تسمى المينا، وسمي بذلك نسبة ﻷصله في بلاد فارس. وفي عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني تمت كتابة سورة ياسين على محيط المبنى المثمن من الخارج على يد الخطاط (محمد شفيق).
الاحتلال الصليبي
عندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493هجري/ 1099م ، قاموا بتحويل الصخرة إلى كنسية عرفت بذلك الوقت باسم «معبد الرب « كما ذكر بعض الرحالة الكاثوليك . وذكر بعض الرحالة اﻷرثوذكس إن إسم هذه الكنيسة كان «كنيسة قدس اﻷقداس». وتم تحويل الصخرة إلى مذبح وخرقوا الصخرة وصنعوا فيها الثقب الذي ذكرناه سابقا، وذلك لتصفية دماء القرابين في المغارة . كما قطعوا الصخرة وكانوا يبيعون حجارتها بوزنها ذهبا حتى حاول بعض ملوكهم حمايتها فغطوها بالبلاط .
الأيوبيون
ولم يشأ الله عز وجل أن يطيل معاناة قبة الصخرة المشرفة من ذلك الاحتلال الغاشم، حتى هيأ سبحانه وتعالي القائد الجليل صلاح يوسف بن أيوب ( 564- 589 هجرية / 1169 -1193 ميلادية ) لتحرير فلسطين واستردادها من الصليبيين سنة 583 هجرية / 1187 ميلادية.
وبذلك تطهرت قبة الصخرة المشرفة، حيث قام صلاح الدين بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم التي وضعوها عليها، فقد قام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة وترميم لما يحتاجه المبني، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجده اليوم مكتوبا من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي جاء فيه ما نصه : « بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة «.
مسجد البراق
يقع هذا المسجد في الناحية الجنوبية الغربية من المسجد الاقصى المبارك أسفل باب المغاربة، وسمي نسبة إلى المكان الذي ربط فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق في رحلة الإسراء والمعراج، وفيه حلقة عثمانية يقال إن مكانها كانت توجد الحلقة التي ربط فيها النبي صلي الله عليه وسلم البراق قي تلك الليلة المباركة. كما يحتوي على محراب أموي، وفي ناحيته الغربية كان باب قديم يسمى ( باب البراق ) أغلق بعيد العهد الأموي، وكان يصل مباشرة الى ساحة البراق خارج الأقصى المبارك. وينزل إلى مصلى البراق حاليا من خلال الرواق الغربي للأقصى بدرجات حجرية بلغ عددها 38 درجة. ويفتح المصلي البراق كل يوم جمعة للزيارة.
مسجد المغاربة
يقع هذا المسجد في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الاقصى المبارك جنوبي حائط البراق.
ولهذا المسجد بابان: مغلق في الشمالية، ومفتوح في الشرقية. ويستعمل اليوم، كقاعة عرض لأغراض المتحف الاسلامي، الذي نقل من الرباط المنصوري، الى هذا المسجد، وذلك في سنه 348هـ الموافق 1929م , وقيل ان بانيه القائد الفاتح صلاح الدين الايوبي، سنه 590هـ الموافق 1193م، وكانت تقام صلاة المالكية في هذا المسجد.
جامع النساء
يقع داخل المسجد الأقصى المبارك، ويمتد بمحاذاة حائطه الجنوبي بدءا من الجدار الغربي للجامع القبلي، وحتى الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، فهو يمثل أقصى الجزء الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى المبارك.
وجامع النساء مقسم اليوم إلى ثلاثة أقسام :أولها غربي ملحق بالمتحف الإسلامي، ويمثل امتدادا للمتحف، وثانيها في الوسط، وبه توجد مكتبة الأقصى الرئيسية، وثالثها شرقي ملاصق للجامع القبلي وملحق به، ويستعمل الآن كمستودع.
وهو بناء كبير واسع ومرتفع على مستوى الجامع القبلي، يقوم مبناه على عشرة عقود من الغرب الى الشرق وعرضه باتجاه الشمال عقدان. ويعود بناؤه الى العهد الصليبي على الأرجح، حيث بني ككنيسة داخل المسجد الأقصى المبارك، ثم طهره صلاح الدين، وأعاده موضعا للصلاة وخصص في العصر الأيوبي لصلاة النساء، وحمل اسمه هذا.