وليد سليمان
الحاج صبري توفيق الطّباع «أبو حسن» من شخصيات عمان المؤثرة جداً في الحياة الاقتصادية الاردنية .. والاجتماعية .. جاء من الشام الى عمان وافتتح محلاً لتجارة الحبوب في شارع الهاشمي ..ويتحول متجره الى أشبه بالملتقى السياسي والاجتماعي لبعض رجالات عمان وغيرها مثل : الشيوخ ماجد العدوان وحديثة الخريشة ومثقال الفايز وسعود النابلسي ... الخ .
صديق الأمير
وفي محله وديوانه كان يستقبل المتخاصمين لحل قضاياهم بعد ان تعجز المحكمة عن حلها مثلاً ..وكان يذهب لصديقه الأمير عبدالله ليتوسط للتجار أيضاً في حل قضاياهم وهمومهم التجارية .
و كان يستقبل في ديوانه بعمان كذلك كل المواطنين والمسافرين والأحرار وضيوف الأمير عبدالله الاول ، والتي عُقدت بينهما صداقة وطيدة جداً منذ بداية تأسيس إمارة شرقي الاردن .. وقد حصل صبري باشا الطباع على الجواز الأردني رقم (1) بتاريخ 2/1/1930، وكان رقم تلفونه (20) وأصبح بحق علماً من أعلام التجارة في الأردن .
أول مطحنة حديثة
وأول مطحنة آلية حديثة أنشئت في عمان والاردن كان صبري الطباع وراء الفكرة ، فقد أحضرت من بريطانيا .. وقد تم ارسال أول إنتاج من الطحين الى مدينة يافا في فلسطين قبل نكبة 1948 ، ترأس صبري الطباع والذي تميز بلبس الطربوش الأحمر على رأسه والثوب العربي القمباز او الدماية مع الجاكيت .
نجاح متواصل
وظل رجل الاقتصاد الكبير و عميد تجار عمان محافظاً على نشاطه وعطائه طوال عمره، وكانت له يد خيرة في كثير الأعمال الخيرية والتطوعية، وكان تقياً ملتزماً، لا يرد صاحب حاجة، ولم يتخل عن واجبه في دعم الدولة الأردنية إبان مرحلة التأسيس. اعترض طريقه عارض صحي، فأدخل مستشفى السلط، حيث أجريت له عملية جراحية، لكنه توفي على إثرها في السابع عشر من شهر كانون الأول عام 1955، وتم تشييع جثمانه من الجامع الحسيني الكبير في وسط عمان التجاري، إلى مقبرة العائلة في منطقة المصدار، وشارك في موكب الجنازة الكبير، مندوب جلالة الملك رئيس الديوان الملكي العامر، ووفود شعبية وفدت من دمشق ونابلس واربد والسلط، ومن كافة مناطق المملكة، لتشارك في وداع أحد رموز الاقتصاد الوطني، وكبير تجار عمان، الذي ترك فيها من المؤسسات، ما يؤكد نجاحه المتوال، من خلال أنجاله وأحفاده الطيبين الخيرين.
وعن الناحية التجارية فقد اعتمدنا فيما يلي على مرجع هام وهو كتاب- تارخ شرقي الاردن واقتصاده خلال القرن 19 وحتى منتصف القرن 20 للصديق الدكتور والباحث المعروف « رؤوف ابو جابر» .
فقد ذكر ان صبري الطباع ترأس الغرفة التجارية عدة مرات, كما كان له الدور الأكبر في إنشاء صناعة الاسمنت في الأردن عام 1951 عندما كان من أوائل المؤسسين.
رأسمال بألف دينار
كان كذلك من أوائل الذين انضموا إلى غرفة التجارة, فقد وجد اسمه في سجلات الغرفة بتاريخ 1/1/1929 حين قدر رأس ماله على أساس ألف دينار, وفي 20/10/1935 تم تقدير رأسماله بأربعة آلاف جنيه وسجل بالدرجة الثانية, وقد ورد اسمه في قوائم الغرفة للعام 1951/1952 مالية تحت اسم صبري باشا الطباع, بعد أن أنعم عليه جلالة الملك الحسين المعظم بلقب الباشوية وأدرج اسمه بالدرجة الأولى, حيث كان يتعاطى التجارة العامة وأعمال وسطاء المطاحن واستيراد وتصدير ومال قبان وتجارة حبوب.
تجارة الحبوب
كانت تجارته عادية في البداية, 1931, إلا أن النمو الحقيقي في تجارته حصل في عام 1941 عندما تم الاتفاق بينه وبين شريكيه: فرح أبوجابر وسلامة الطوال, على شراء وتجميع الحبوب في كافة نواحي البلاد لحساب شركة ستيل اخوان البريطانية التي كانت تعمل لحساب المجهود الحربي ولتزويد القوات البريطانية بما يلزمها من الحبوب في ميادين الشرق الأوسط, بعد أن تناقصت الكميات الواردة من الولايات المتحدة نتيجة لعمليات الغواصات الألمانية في المحيط الأطلسي والبحر المتوسط ضد سفن شحن الحلفاء الناقلة لهذه المواد التموينية, وكذلك نقص الإمدادات من الإتحاد السوفياتي بسبب الحرب هناك مع مواكبة هذه الانطلاقة في ارتفاع أسعار الحبوب لأرباح تجارة الكوتا في الأردن خلال تلك السنين ارتفع مستوى الدخل وأصبح أبوحسن وعدد لا بأس به من كبار تجار عمان في عداد الأثرياء, إلا أنه كان أكبرهم نفوذاً وأبعدهم أثراً في دوائر القصر والوزارات الحكومية, إذ كان عزيزاً لدى جلالة الملك عبدالله الأول الذي كان يستطيب صحبته ويعجب بطريقته القيادية للقطاع التجاري بما في ذلك رئاسته للجالية الشامية في عمان, وقد ذكرت عنه حكايتان: الأولى عندما بدأت الحكومة بالتفكير في فرض ضريبة الدخل فجمع تجار العاصمة وشرح لهم الأمر فما كان منهم إلا أن فوضوا كبيرهم أبو حسن بالاقتراح على الحكومة حلاً أفضل ألا وهو الاتفاق على مبلغ واحد فيقوم التجار عن طريق غرفهم التجارية بتوزيعه عليهم وإيراده كاملاً للحكومة, أن الحكومة عزمت في وقت ما في الأربعينيات على استحداث ضريبة دخل فاعترض على ذلك بشدة, وباسم هؤلاء التجار ذهب الحاج صبري إلى سمو الأمير عبدالله وأثار الموضوع في وجود رئيس الوزراء إبراهيم هاشم, موضحاً أن التجار يعتبرون أن دفاترهم لا يجب أن يطلع عليها أحد لأنها في منزلة العرض, وسائلاً كم تطمح الحكومة أن تجبي من ضريبة الدخل المقترحة فقال رئيس الوزراء أن الرقم المستهدف هو خمسين ألف جنيه, عندئذ تعهد صبري بتوريد ذلك المبلغ إلى خزينة الدولة, وفعلاً قام بجمعه سنوياً من التجار بنفسه واستمر ذلك طوال عامين.
ما يراه ابو حسن !!
الحكاية الثانية رواها الدكتور عبد الكريم مرعي ومفادها أن مجموعة من التجار الذين شعروا بحيف أصابهم في توزيعات الكوتا في العام 1942, حصلوا بعد إجراء الاتصالات الضرورية على الموعد للمثول بين سمو الأمير عبدالله, وقد فوجئوا عندما شاهدوا صبري باشا جالساً قرب الملك عند دخولهم, وبعد أن عرضوا قضيتهم التي استمع إليها جلالة الملك بكل اهتمام, أخذ علبة السجاير وكتب عليها «أن ما يراه أبو حسن فهو حسن» فلم يكن أمام المجموعة سوى الانسحاب بهدوء بعد قراءتهم لها.
هنا من الضروري الإشارة إلى أن الغرفة التجارية كانت قد انتخبت السيد صبري رئيساً أول لها في الاجتماع العام الذي عقد يوم 14/4/1941, مما كان يعطيه الصفة الرسمية علاوة على الشعبية الوافية في جميع البلاد العربية. وقد خدم الفقيد كعضو منتخب عن منطقة البلقاء في المجلسين التشريعيين الرابع الذي انعقد بين 5/8/1939 و 16/10/1942, والخامس الذي انعقد بين 12/11/1943 حتى 2/10/1947, كما عين في مجلس الأعيان لأربع دورات استمرت بين 2/10/1947 و 31/12/1955.
تاجر شامل
في أواسط الأربعينيات وأوائل الخمسينات قام أبو حسن بشراء أراض كثيرة في ضواحي عمان وخصوصاً منطقة خلدا – الجاردنز وماحص, ووسع تجارته بحث أصبح عنده دوائر للوكالات الأجنبية مثل مولدات كهرباء ليستر وسيارات رينو وبكارد, وخصوصاً بعد أن بلغ أبناؤه توفيق وبندر وحمدي سن الشباب فقام توفيق ببناء العمارة على شارع الأمير محمد للتعهدات وأعمال التأمين وتولى بندر المسؤولية مع سعيد بوبس في المطحنة على طريق المحطة ووكالة سيارات فولكس واجون وهنشل, بينما قام حمدي بالإشراف على تعهد نقليات الفوسفات إلى لبنان وبإدارة شركة التوفيق للسيارات وكيلة سيارات رينو الفرنسية. وفي وقت لاحق انضم إلى الفريق الابن عبد الإله في إدارة الأعمال إلا أن المرحوم توفيق انتقل 1994 إلى رحمة الله .
والتغيرات التي حصلت في الأسواق أدت إلى انتهاء الشركة العائلية الأم, حيث انصرف كل من الأبناء إلى عمله الخاص.
حب الخير
المرحوم صبري الطباع كان مبادراًَ ويحب عمل الخير وكان ديوانه مفتوحاً للجميع, وفي العام 1944 قام بدعوة عدد كبير من الأصدقاء إلى بيته لتناول الغداء وطرح فكرة تأسيس الكلية العلمية الإسلامية, فتبرع الحاضرون بما مجموعة ستين ألف دينار, فيما تبرع بالأرض التي تبلغ مساحتها 38 دونماً كل من صبري الطباع وحمدي وإبراهيم منكو وعبد الحميد دياب وعبد الله أبو قوره.
كان لأبي حسن دوراً رائداً عندما بادر إلى اقناع شركة بوليسيوس الألمانية ومجموعة من الممولين عام 1951, بتأسيس مصنع الاسمنت في الفحيص وقد كان من كبار المساهمين وأول رئيس لمجلس الإدارة للشركة, وقد عانى من الصعوبات التي لاقاها المؤسسون لاستقطاب رأس المال للمشروع, البالغ مليون دينار بحيث أنهم بعد صعوبات أفلحوا في الحصول على بعض المساهمات من البلدان العربية, أما مساهمة الرئيس فقد بلغت عشرة آلاف دينار مما يعطي القارئ فكرة عن توفر السيولة في ذلك الزمن.
أسعد الجميع الافتتاح الرسمي للمصنع عندما تم برعاية وحضور جلالة الملك الحسين وضيفه جلالة الملك فيصل الثاني ملك العراق, حيث اعتبر الانجاز نجاحاً شخصياً لأبي حسن, وليس بمستغرب فقد كان الرجل مثالاً للنخوة العربية والحكمة العاقلة وكان يضرب المثل في أحكامه عندما يلجأ إليه الذين يختلفون على قضية أو مصلحة فيقال «مثل حكم أبو حسن» إذ أنه كان دائماً يقول للمتخاصمين «ايه بقى سيدي ما عاد بدها بنقسمها بالنص» .
النشاط التجاري لأبي حسن لم يكن محلياً وإنما امتد عربياً في سوريا ولبنان, وكانت علاقات خاصة بسبب نشأته في دمشق, وصداقاته في فلسطين حيث كانت له شركات مع حنا سلامة, فكانت لهما شركة طباع وسلامة المحدودة هاتف رقم (158) المسجلة في الدرجة الأولى عام 51/52, لتجارة سيارات ومحركات ديزل وأدوات كهربائية وكاوتشوك, وكان اسمه معروفاً في أوروبا وأمريكا لدرجة أن مجلة التايمز نشرت له الصورة الظاهرة لاحقاً, كتبت تحتها «رجل أعمال عمان صبري باشا الطباع والموالي المخلص للملك عبد الله خلال نفخاته على الأرجيلة».
غرفة التجارة
أما نشاطاته في الغرفة التجارية فقد كانت بلا حدود, وقد ترأس الغرفة عدة مرات, إلا أن الفريق الذي كان معه في انتخابات الغرفة عام 1952, يعطي المرء فكرة عن مقدرته في استقطاب الناس بالكلمة الحسنة والعمل الصادق. فقد انتخب رئيساً وانتخب محمد علي بدير نائباً له وجودت شعشاعة أميناً للسر وسعيد ملحس مساعداً لأمين السر وياسين التلهوني خازناً وعبد الحميد الصفدي مساعداً للخازن, وكلاً من توفيق باشا قطان وشفيق باشا الحايك ومحمد عبد الرحمن ماضي وسامي عصفور وعبد الرحمن أبو حسان وعبد الرحيم النوري أعضاء وكانوا جميعاً من كبار تجار عمان ويمثلون النشاطات التجارية في جميع القطاعات أفضل تمثيل .
يوم حزين
انتقل صبري باشا إلى الرفيق الأعلى يوم 17/12/1955 (كان من مواليد 1892 حسب جواز سفره) وبقيت الشركة العائلية قائمة برئاسة الابن توفيق (1921 – 1994) الذي كان صديقاً مقرباً لدى الملك الحسين بن طلال, وفي تلك الأوقات كان الأردن لايزال يعتمد على شركة الطيران العربية التي كانت تأسست عام 1946, وطيران الأردن الذي تأسس في الخمسينات, وقد تولد شعور في البلاد بأن الحاجة الماسة لشركة طيران حديثة تضاهي ما توفر للدول المجاورة, ففي العام 1964 تمكن توفيق بالتعاون مع السيدين توفيق ونبيه نزال والسيد حسين خزينو. مع الاستفادة من خبرة مهندس الطيران السيد علي غندور من تأسيس شركة «أردنية» التي تحولت إلى اسم «عاليه» بعد وقت قصير وأصبحت فيما بعد الملكية الأردنية.
الإبن الثاني بندر إستلم إدارة قطاع السيارات وكان عضواً في الغرفة التجارية عدة مرات وعضواً في مجلس إدارة شركة التبغ والسجاير الأردنية المساهمة المحدودة. وتولى الابن الثالث حمدي إدارة النقليات ووكالة سيارات رينو, وكان رئيساً لغرفة التجارة وأصبح وزيراً للصناعة والتجارة والتموين بين 10/1/1988 و 24/4/1989 حيث كان رائداً بالنسبة لتخفيف القيود على الاستثمار وتخفيف العبء عن المستثمرين باستحداث النافذة الاستثمارية في وزارة الصناعة والتجارة أما الابن الأصغر عبد الإله فقد باشر أعماله مع العائلة وخصوصاً في حقل التعهدات. وهكذا ظلت قافلة أبو حسن سائرة في طريقها بأسماء مختلفة ومصالح متعددة بعد أن قام بواجبه خير قيام.