مثلما كان عندليب مصر الأسمر ظاهرة فنية لها مدرسة ولون وطابع خاص، فقد كان أيضا مطرب الثورات العربية، وشاعر الرومانسية الأول، وكان أحد عمالقة تاريخ الغناء العربي، كان فتى أحلام الفتيات قبل الفتيان، عرفناه جميعا اسطورةً للغناء ولحنا للوفاء ووسادة ناعمة نخبئ في طياتها اسرارنا في العشق وارتباكنا في الغرام، كان يخفي في اعماقه خفة ظل لا حدود لها، وروحا مرحة لا تكف عن التعليق، ومصنعا للبهجة لا تنطفئ محركاته أبدا.
في مثل هذه الأيام، وتحديدا في الثلاثين من أذار عام 1977 رحل العندليب عبدالحليم حافظ، صاحب الصوت الماسي الحالم الذي داعب مشاعر الملايين وأحاسيسهم في التغني لكل شيء جميل، تاركاً وراءه تراثا فنيا تتوارثه الاجيال جيلا بعد جيل.
من منا لم يتأثر بصوته الدافئ العذب الشجي؟! من منا لم تدمع عيناه عندما يعود الى ماضيه في شريط تسجيل على وقع لكلمات اغنيته الشهيرة «لو كان بإيدي كنت أفضل جنبك، وأجيب لعمري ألف عمر وأحبك»؟! من منا لم يرقص فرحا عندما يسمع «وحياة قلبي وأفراحه»؟ من منا لم تحمل له اغنية حليم «يا خلي القلب يا حبيبي، لو في قلبك قد قلبي حب يا حبيبي» أعذب الذكريات التي مرت به؟!.. ومن منا لم يخفق قلبه حبا وسموا إلى حبيبته وهو يقول «حاول تفتكرني»؟!
37 عاما على وفاته
أحلامنا الحلوة لا تزال مستمرة مع عبدالحليم حافظ، رغم مرور 37 عاما على وفاته، مكانته متربعة على القلوب حتى الآن، فكلما رأيناه على الشاشة زاد تقديرنا واحترامه لفنه الراقي، وحرفيته العالية واحساسه الصادق الذي تغلغل الى نفوس جماهيره المحبة عبر كلمات الحب التي غناها بإحساس مرهف تدق على اوتار حساسه في القلوب، بداية من فيلم «معبودة الجماهير»، المشهد الذي يذهب فيه ابراهيم (عبدالحليم حافظ) الى منزل حبيبته سهير (شادية) للاحتفال بخطوبتها، لكنه يفاجأ بفسخ الخطوبة، فيقول لها بحزن عميق، «وحياتك يا سهير، وحياة الحب اللي حبتهولك، وحياة كل كلمة حب حلوة قولتهالك.. حاتندمي يا سهير».
وعندما اشتد بها الشوق، وذهبت اليه مؤكدة انها افتقدته، غنى لها: «بلاش عتاب يا حبيبي».
العندليب عبدالحليم حافظ هو صوت مصر الصادق المرتبط بالثورات والمعارك التي تمر بها البلاد، فقد غنى حليم لمصر، كما لو كان يغني لحبيبته، كما اثرى حياتنا ابداعا وفكرا بكلمات بسيطة عاشت سنوات طويلة يرددها الناس ويتحدث عنها النقاد كجزء من تاريخ البلاد، الذي شهد عصر مطرب ثوري، لقد أحب حليم مصر حبا يفوق كل حب لدرجة أنه قام بدور بارز في قيادة جماهير الشعب المصري اثناء ثورة 23يوليو، وكانت اغنياته بمنزلة الوقود الذي يشعل حماسة الجنود على الجبهة اثناء المعارك التي خاضتها مصر خلال فترات الخمسينات والستينات والسبعينات، كما كان له دور كبير في مساندة الثورات العربية، حيث غنى تقريبا لكل شعوب العالم العربي، ناهيك عن انه شارك في تثوير الشارع المصري عبر أغانيه الوطنية، التي استطاعت ان تتخطى حاجز الزمن لتمنحه الريادة من جديد وتعيده الى التجربة نفسها في حدث، لا يقل اهمية عن سابقه مع ثورة شباب 25 يناير، كلماته واغنياته وصوته الذي تجلى وأشعل حماسة الثوار الذين لم يجدوا أغاني أقرب لهم لمثل هذا الحدث الوطني الكبير، للتعبير عن لسان حالهم سوى أغاني حليم، التي كانت كأنها صيغت لهذه الثورة المجيدة، خاصة «بالأحضان»، «إحنا الشعب»، «أحلف بسماها وبترابها»، «ذكريات»، «عاش اللي قال»، «لفِّي البلاد يا صبية»، «خلي السلاح صاحي»، «النجمة مالت على القمر»، «صورة»، و«يا أهلا بالمعارك».
ميرفت أمين تتذكر
عبدالحليم حافظ 2014 لا يزال موجودا في وجدان الجماهير بشكل دائم، فقد سرق الأضواء من كل الأسماء التي عملت في الغناء حيا وميتا، وخير برهان انه لم يحدث قط على الأقل في العالم العربى ان عاش فنان في وجدان الناس 37 عاما بعد رحيله بكل هذا الوجود وهذا التألق، وهذه النجومية، مؤكدة أنها لا تزال حتى الآن تعيش في زمان العندليب .
عبدالرحمن
الابنودي الشاعر الحزين
ابرز ما كان يميز حليم دون غيره من المطربين الذين قدموا الأغنية العاطفية، وجعلت الناس يرددونها ببساطة انه كان يغنيها والدموع تنهمر من عينيه حزنا وتأثرا بكلماتها النابعة من القلب وبصدق تام في المشاعر والاحاسيس، لقد اثبتت الايام أن اغانيه لا تزال الاكثر مبيعا على مستوى مصر والوطن العربي .
الفنانة نادية
لطفي ولوعة الغياب
حليم لم يكن شخصية عادية، وإنما كان ظاهرة جديدة لم تعرف لها دنيا الغناء العربي نظيرا على امتداد السنين والايام، وكلما سمعت أغنياته، اترحم عليه وفي الوقت نفسه ادعو بالهداية لمن يتجرأون ويعيدون اغانيه بأصواتهم، فهو ما زال وسيظل الى الابد حيّاً، وموجوداً اكثر من الأحياء انفسهم، الذين ما زالوا يتعلقون بأغانيه. ليس سرّاً، كان حليم يقول إن العمر لحظة حب، والفن كان أهم وأكبر لحظة حب عاشها طوال عمره.