خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

البساطةُ ..أجملُ ، وأسهلُ ، وأفضلُ

البساطةُ ..أجملُ ، وأسهلُ ، وأفضلُ

-
-
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

ابراهيم كشت
كثيراً ما ترتبط كلمة البساطة في الأذهان بالجمال ، أو بالنَّمط المرغوب ، فمن باب المدح والثناء ، أنّ يقال عن كاتبٍ إن أسلوبه بسيط ، أو أنْ توصف مؤسسة ببساطة إجراءاتها ، أو أن يُنعتَ سلوك رجل بالبساطـة ، أو يذكر أن لباس إمرأة أو أثاث منزلها بسيط .
لكن رغم هذا الارتباط الإيجابي لكلمة البساطة بالأذهان ، إلا أن كثيراً وكثيراً جداً من أحاديثنا وسلوكاتنا وعلاقاتنا بالآخرين وعاداتنا ومظاهرنا وأنماط استهلاكنا ، أبعد ما تكون عن البساطة ، وأقرب ما تكون إلى التعقيد والتركيب والتداخل والتشابك .

البساطة على المستوى النفسي
إن تعبيرات العُقدة والتّعقيد والمعقّد ـ وهي نقيض البساطة ـ مصطلحات لها دلالاتها في الاستخدام العامي المتداول بين الناس ، كما أن لها دلالتها الاصطلاحية في علم النفس ، ففي الحديث المتبادل المتداول بين الناس يستخدم لفظ (المعقّد) للإشارة إلى المسألة أو المشكلة أو الظروف إذا كانت فيها معوقـــات تجعل حلها غير بسط . أو تجعلها مركبة ومتداخلة ومتشابكة . كما يستخدم لفظ (العقدة) في الحديث اليومي الدارج بين العامة ؛ للإشارة إلى معنى أكثر عمقاً من مجرد المعوقات ، فربما وُصِفَ شخص ما بأنه (معقّد) إذا كان غير سوي في بعض تصرفاته ، بحيث تصدر عنه ردات فعل في بعض المواقف ، تتسم بعدم النضج ، أو تتصف بالمبالغة ومجافاة التلقائية والعفوية والبساطة ، أو البعد عن السلوك الطبيعي العادي المتعارف عليه ؛ لأسباب غير واضحة أو غير مفسرة ومبررة .
أما الدلالة العملية لـ (العقدة ) فهي تشير إلى أفكار وانفعالات مترابطة مَكبوتَةٍ كُلياً أو جزئياً ، تصبِغُها شحنات عاطفيّة شديدة ، وتكون تلك الأفكار في صراع مع الأفكار المقبولة لدى الفرد ، وتؤثر لا شعورياً في تفكيره وسلوكه والواضح أنه كلما كان مَبعثُ سلوك الفرد وتفكيره ناجماً عن العُقَد ، كانت تصرفاته أبعد عن البساطة ، بينما يكون الأسوياء من الناس ، والأشخاص الأكثر نُضجاً ، هم الأقرب عادةً إلى البساطة في تفكيرهم ، وردود أفعالهم ، وعلاقاتهم ، وتقبّلهم للأمور ، وسلوكهم بوجه عام .
ويرى « روجيه موكيالي « في كتابه (العقد النفسية) أن للسلوك المعقد ـ وفقاً لما تحدده الملاحظة ـ ميزتين أساسيتين : أولاهما أنه سلوك مفرط ، فعّال ، ومتجاوز للحد ، فيه تهويل ، ينطلق من العدم ، أو من شيء قليل ، أو من تفصيل بسيط ، وثانيهما أنه سلوك تافه وممل ومكرر ، فالمصاب بعقدة (الاستعلاء) مثلاً لا يمل من إظهار قيمـة نفسه ، ومحاولـة جذب الانتباه ، مكرراً فعله هذا باستمرار .

البساطة على مستوى اللغة
على مستوى اللغة ، وقياساً على مدلول كلمة (البسيط) الذي يشير إلى ما يتألف من أجزاء قليلة متوافقة ، تستبعد العناصر غير الضروريـة ، فإن البساطة ــ وفقاً لما أرى ــ لا تعني استخدام اللغة العامية في التعليم والإعلام والكتابة والمراسلات ، كما قد يظن البعض ، ولا تعني تجنب الألفاظ الجزلة التي تمنح النَّصَ عمقاً وجمالاً كما إنها لا تعني النزول إلى لغة الشارع وسَطحيّة الخطاب ، ولكنها تعني الاختصار ، بأن تكون الكلمات بقدر المعاني ما أمكن ، أو كما يقال عند أهـل البيان : (أن تكون دون إطناب مُملٍ ، أو إيجاز مُخِلٍّ) ، وهذا ما يحقق فعلاً معنى قلة الأجزاء وتجانسها ، وعدم قبولها عناصر أخرى خارجية مضافة إليها ، أي أن هذا هو ما يحقق معنى البساطة في اللغة والكتابة والحديث .
ومثلما أن البلاغة في اللغة تشير إلى معنى الوضوح وإصابة المعنى ، فهي تحمل أيضاً مفهوم البساطة ، بمعنى ما يتكون من أجزاء قليلة تخلو من الإضافات التي لا داعي لها ، وفي ذلك يقول الأمدي مثلاً ، إن البلاغة هي : (( إصابة المعنى ، وإدراك الغرض بألفاظ سهلة مستعملة ، سليمة من التكلّف ، لا تبلغ الهذر الزائد على قدر الحاجة ، ولا تنقص نقصاناً يقف دون الغاية .. ))

البساطة على المستوى الإجتماعي
على المستوى الاجتماعي ، يبدو أنه كلما كان المجتمع أقربَ إلى التّخلف ، وأكثر انغماساً في النّمط الاستهلاكي مـن الحياة ، كان أكثر تعقيداً في عاداته وتقاليده ومتطلباته ، فإذا تَتبّعتَ الإجراءات والشروط والشّكليات العسيرة المطوّلة المتداخلة التي ترتبط بمسألة الزواج مثلاً في المجتمعات النامية ، ستدرك حجم التعقيد الداخل في صُلبها والمحيط بها ، ومقدار الابتعاد عـن البساطة في التعامل معها ، على نحو يجعل منها متطلباً صعباً يستهلك شطراً مـن العمر ، وكثيراً من الجهد ، ومزيداً من المال ، يُرهق الشباب وأَهليهم ، ويَرفع من معدل عُمر الزواج في المجتمع ، كما يزيد من نسبة العُنوسة ، بما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية ، أشدُّ وأنكى من أية آثار إيجابية قد تنجم عن تعقيد اجراءات الزواج ، واحاطتها بهالة من الشكليات والمظاهر .

البساطة على صعيد أسلوب الحياة
أما على صعيد شكل المعيشة وأسلوب الحياة ، فإن البساطة منهجٌ في التفكير ، يحتاج تَبنِّيه إلى قَدْرٍ من النضوج ، وربما احتاجَ إلى نوع من التّحدي للمألوف والمتعارف عليه والمُستقر المقبول لدى المجتمع ، بحيث يتمكَّن المرء من أن يُؤْثِرَ حريّتهُ على رأي الناس فيه ، وأن يرجِّحَ راحته النفسية وهدأةَ بالهِ على القيم الاستهلاكية ، وعلى نظرة مـن حوله إليه ، فيختار اللباس المريح ، وحجم المنزل الكافي ، ونوع الأثاث البسيط ، ويُؤْثِرُها على الضخامـة والفخامة والزخرف والبهرجة ، ويوجّه مواردهُ من طاقةٍ ووقت ومال إلى قيمٍ أرقى ، ومعانٍ أجمل ، أو إلى إشباع حاجات أهم .

البساطة في الإدارة
عند الحديث عن البساطة ، يجدر التطرُّقُ إلى أهميتها في مجال الإدارة ، لأن لها على هذا الصعيد مدلولها ، وأهميتها ، وتطبيقاتها ، حيث تتسم الإدارة المُتّخلفة بالتعقيد ، لكثرة إجراءاتها وتداخلها ، بينما تسعى الإدارة العلمية المتقدمة إلى البساطة ، عن طريق تقليل الإجراءات التي يتطلبها أي إنجاز إلى أدنى حد ممكن ، بحيث تُحذَفُ كل الإجراءات التي لا تُسهِمُ فـي إصابة الهدف ، أو لا تعطي قيمة مضافة ، حتى نصل إلى درجة لا يمكن معها الحذف 0 ويدرك كل الذين يراجعون المؤسسات العامة لإنجاز معاملاتهم ، مقدار حاجتنا لمثل هذا النمط من التبسيط ، وهذا النــــوع من البساطة ، ولاسيما أن البساطة في الإدارة لا تعني مجرد السهولة ، بل تنعكس على تقليل كلفة الخدمات والمنتجات وتحسين جودتها .

خلاصة القول
زبدة هذا الحديث في موضوع البساطة ، هو أن السعي إليها يعني التركيز على العناصر المتجانسة التي تؤدي الغرض ، واستبعاد الأفكار والسلوكات والعادات والإجراءات ، وأنوع التَّزيُّد التي لا تخدم الهدف ، ولا تعطي قيمة حقيقية للإنجاز ، ولا يترتب عليها سوى المزيد مـن العسر والإرهـاق النفسي والعقلي والجسدي والمالي .

Facebook.com/Ibrahim.kasht

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF