خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

العزائم ... ما لها وما عليها !

العزائم ... ما لها وما عليها !

-
-
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

إبراهيم كشت- تُرى ، لماذا نستخدم في لغتنا العامية الدارجة المحكيّة لفظ (عزيمة) للدلالة على معنى الدعوة إلى الطعام ، رغم أنه ليس في أصول العربية ، ولا في معاجم اللغة القديمة ، أي إشارة إلى أن لفظ (عزم – يعزم – عزيمة) يحمل معنى الوليمة أو الدعوة إلى الطعام ، سواء أكانت تلك الدعوة بمناسبة أو دون مناسبة ، فالفعل (عزم) وما اشتق منه في اللغة العربية ، ينطوي على دلالات ذات معانٍ مهمة وكبيرة ، حيث نقول مثلاً : (عَزَمَ فلان على كذا) ونعني بذلك : عقد نيته ووجّه إرادته للقيام بعمل ما بجدٍّ وصبر، ونقول : (عزم على فلان) بمعنى أقسم وشدد عليه ، والعزائم هي الفرائض ، والعُزمة أسرة المرء وقبيلته .
ولعل في البحث عن مصادر الكلمات المستخدمة في الحياة اليومية ، ما يدلنا على الجذور النفسية التي ترتبط بها مدلولات تلك الكلمات ، أقصد أن في استعمال لفظ (عزيمة) للإشارة إلى معنى الوليمة والدعوة إلى الطعام ، ما قد يومئ إلى عظم القيمة التي تحتلها الدعوات إلى الطعام في مشاعرنا وأفكارنا وثقافتنا ، وذلك حين نأخذ بالاعتبار الأصول اللغوية للفعل (عزم) وتصريفاته كما تقدم .

 أبعاد ثقافية واجتماعية للعزايم
يبدو أن الدعوة إلى الطعام ، ولا سيّما في المناسبات الاجتماعية ، عادة تسود لدى مختلف المجتمعات البشرية ، إلا أنها متباينة من حيث مدى إلزاميتها ، وطبيعة القيم التي ترتبط بها ، والأعراف التي تحكمها ، كما أن هذه الدعوات تأخذ غالباً صفة (التبادلية) ، أي أن المدعوَّ ملزمٌ بردِّ الدعوة بمثلها بعد حين ، وقد يكون هذا الردُّ ، أو ذلك التبادل ، منطلقاً من شعور طبيعي عند الإنسان ، يفسَّرُ من خلال ما يطلِقُ عليه علماء الانثروبولوجيا (نظرية الهبة) ، حيث وجد هؤلاء العلماء أن أفراد المجتمعات البدائية الموغلة في القدم ، كانوا يملكون دائماً ذلك الشعور الفطري بضرورة ردِّ الفضل بمثله لصاحبه ، وكان عدم ردِّ الهدية أو الفضل يقترن عادة بالشعور بالذنب ، كما كانت تُنْسَج حوله أساطير متعددة تعزز ذلك الشعور .
وقد ارتبطت الولائم – وإن شئت العزايم – بثقافة المجتمع العربي منذ القدم ، وتعددت الأسماء التي تطلق على الدعوة للطعام وفقاً للمناسبة (الوليمة ، العقيقة ، النقيعة ، الوضيمة ، المأدبة ) ، وتعددت الطرائف والنوادر التي تروى في التراث عن الطُفيليين ، الذين يرتادون الولائم دون دعوة ، ويُكثِرون عادة من التغزل بالطعام ،  كما ارتبطت الولائم بقيم ذات اعتبار اجتماعي : كالكرم ، والجاه ، والتقيّد بالعادات ، وأداء الواجب ، إضافة إلى بُعدها الديني كسُنَّة نبوية في بعض المناسبات (أوِلمْ ولو بشاةٍ) ولنيل الأجر (من فطّر صائماً ) أو غير ذلك .


 بعض العزائم مودة وتآلف
للولائم ايجابيات متعددة ، إذا كانت بواعثها حميدة ، وطرائق إقامتها والإنفاق عليها سليمة سويّة متوازنة ، وتتجلى هذه الايجابيات فيما تتيحه وتحققه الدعوات إلى الطعام على صعيد تحسين الصلات الاجتماعية ، وتعزيز المودة والمحبة ، والارتقاء بمستوى الاتصال الإنساني، وإزالة العوائق والحواجز النفسية ، وزيادة التآلف والأنس والتشارك الوجداني ، أما حين يكون الباعث على إقامة الولائم مجرد المصلحة الخاصة والنفع القريب ، أو الاستعراض، أو الرضوخ الأعمى لبعض العادات الاجتماعية السلبية ، أو تقليد أنماط السلوك الاستهلاكي والتنافس فيه ، فإن مثل هذه الولائم تكون ذات آثار اقتصادية واجتماعية سلبية ، بما تنطوي عليه من تبذير ، وتكلّف ، وتسابق في الاستهلاك ، وسعيٍ خلف المظاهر ، وتحميل الفئات الأقل دخلاً ما لا يطيقون .

 مظاهر ومصالح
ولكم شهدنا من ولائم يُقدَّرُ حجم الهدر والفائض والفاقد فيها بأكثر من حجم ما يؤكل ويشرب ، وكم عرفنا من أناس يستدينون ليقيموا موائد ممتدة ينبهر المدعوون بأصناف الطعام والشراب فيها .  وآخرون تستحق عليهم فواتير الماء والكهرباء والهاتف ، بل وأقساط مدارس الأبناء ، لكنهم يرون أن الإنفاق على الولائم أولى ،  وآخرون سواهم يتكلفون الغالي والنفيس ليقال إنهم قد (عزموا) أبا فلان من أصحاب الجاه أو المال أو النفوذ ، وغيرهم ممن قد يدعوك اليوم لوليمة ، ليأتيك في الغد طالباً توظيف ابنه أو الحصول على منفعة أو كسب مباشر ، فقد أطعمكَ وأسقاك حتى صرت مديناً له ، ملزماً بخدمته ولو على حساب الحق والعدل والقانون .  ناهيك بمن لا يملكون أيّة قيمة ذاتية ناجمة عن الإنجاز أو الإبداع أو التميّز ، وبالتالي لا يستطيعون الإحساس بمثل هذه القيمة إلا من خلال وسائل اصطناعية ، مثل كثرة إقامة الولائم الاستعراضية .

«بس هاللقمة مشاني»
درجت العادة في (العزايم) على أن نتفنن  في ضروب الالحاح التي نمارسها عند الضيافة ، وعند تقديم الطعام .  فها هو المدعوّ إلى طعامنا يُعلن شبعَهُ ويعبر عن شكره . لكننا نلح عليه بأن يملأ صحنه من جديد، أو يتناول حبة أخرى من فاكهة أو حلوى أو سواها.  أو يذوق من هذا ويجرِّب ذاك ، فيُعلمنا بعدم رغبته ، وربما عدم قدرته على أن يستزيد ، لكننا نلح ، وربما نقسم عليه ، (بس هالنتفة) و(هاي مشاني) و(اللهِ بزعل) . وقد يكون هذا السلوك معبِّراً عن الكرم أو الاهتمام أو الحفاوة بالضيف . لكني أعتقد أن لسان حال من يلحُّ على أحد في طعام أو دعوة كأنما يقول للطرف الآخر : أنت لستَ صادقاً في رفضك ، فإنك ترغب بهذا الطعام أو الشراب ، ولكنك تتمنع لخجل أو عزة نفس أو رغبة بالمزيد من الإلحاح.  ولو كانت الثقة والصدقية والوضوح قائمة ومتوافرة ، إذن لاكتفى المضيف بالعرض ، واكتفى الضيف بالرد بالقبول أو الرفض .
ثم إن سلوك الإلحاح في الدعوة للولائم ، أو الإلحاح على تناول المزيد من الطعام والشراب ، ربما كان متناسباً مع أفكار وقناعات سادت ثمَّ تبين خطؤها . فقد كنا نطلق على الشخص ظاهر البدانة تعبير (صحته كويسة) ، وكنا نخشى عليه من الحسد ، وكانت أمه تسعى في زيادة سُمنته إن كان طفلاً أو فتى ، كما كان يعتبر حجم الأفعال متناسباً طردياً مع كمية الطعام ،  فكان يقال مثلاً : (أكل رجالها قد فعالها) .  أما وقد بيّن العلم أخطار زيادة الوزن ، وأثر السُمنة في المرض والتسبب بالموت ، وبات كثير من الناس يتبعون حِميةً أو نظاماً غذائياً لأسباب متعددة ، فإن الإلحاح في الطعام صار يشكل في بعض الأحيان إحراجاً ، أو سبباً في إضعاف عزيمة الشخص المقابل على الالتزام ببرنامجه الغذائي .

إعادة النظر
ولا بد أن السلبيات التي تحيط ببعض الولائم - بل بالكثير منها - يمكن أن تقلَّ على نحو ملموس ، إذا سألنا أنفسنا عن الباعث عليها ، وإذا غيّرنا أسلوب تفكيرنا ، ونظرنا ايجابياً لمن يتحرى البساطة في دعواته ، ويتجنب الاستعراض ، بل وإذا أعدنا النظر بوسائل تقديمنا للطعام ، وأساليب تناوله ، بما يحفظ الفاقد المهدور في عالَمٍ خُمسُ سكانه جياع ، وفي مجتمع تقبع نسبة غير قليلة من أبنائه (اختلف العلماء في تحديد رقمٍ لهذه النسبة) تحت خط الفقر .

[email protected]
www.facebook.com/ibrahim.kasht

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF