أمينة منصور الحطاب - المدرسة الحديثة لا تركز على الجانب المعرفي للمتعلم فقط ، بل تهتم بجميع جوانب النمو،من منطلق التكامل والتوازن في شخصية المتعلم،ولعل شيوع هذه العبارات على ألسنة التربويين في المدرسة التقليدية يدل على الشعور الكامن بأهمية الأهداف الإنفعالية والحركية أيضاً،وهناك الكثير من الأهداف في هذين المجالين لا تقاس بالاختبارات بالمعنى التقليدي.
ولعل أبرز قضية مثيرة للجدل في التقويم بالاختبارات (الإمتحانات) التقليدية تركيزها على قياس المعرفة أكثر من تركيزها على الأداء الواقعي ، أو التقويم في مواقف تصورية أو افتراضية،مما يجعلنا غير قادرين على التحقق من توظيف المعرفة والاداء في المواقف الحقيقية،فهو تقويم ناقص أو قاصر.
التقويم الواقعي
يعرّف التقويم الواقعي إجرائياً بأنه ذلك التقويم الذي يستخدم أدوات غير الاختبارات، ولذلك يقصد بالتقويم التنقليدي بأنه التقويم الذي يستخدم الامتحانات بشكل مكثف وأساسي، وغالباً ما تتهم هذه الامتحانات التي يجريها المعلمون في المدارس بالقصور،لأنها تركز على المجال المعرفي أولاً،وتهمل المجالات الأخرى للأهداف، وليس هذا فحسب،بل أنها تركز على المستويات الأولى من المجال المعرفي،و تهمل العمليات العقلية العليا،والتفكير بأنواعه،وهي بالتالي تكرس ممارسات الحفظ على حساب المعاني، مع أن الهدف الأساسي من التعليم هو تدريب المتعلم كيف يفكر، وكيف يوظفه في حل المشكلات، واستخراج المعلومات، لا أن تقدم له المعلومات جاهزة، والتقويم بالامتحانات يركز على النواتج، ويتجاهل العمليات أو الطرائق التي يعمل بها المتعلم،ناهيك عن أن الأسئلة التي توضع في الامتحانات لا تمثل مواقف حقيقية،و تنطلق من افتراض مفاده أن حصول المتعلم على علامات عالية في مثل هذه الامتحانات سيكون ناجحاً في حياته العملية وفي الموقع الذي يوضع فيه، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا مجرد افتراض، وأن هذا الواقع يؤكد على ضرورة تأهيل العاملين في ميادين مختلفة؛ فغالباً ما يعاني المجتمع من ضعف المهارات والكفايات المطلوبة للنجاح في العمل على أرض الواقع، فقد يعاني المجتمع كثيراً من الأخطاء الطبية، وهندسة البناء والميكانيك، وفي كل المجالات بما في ذلك مهارات المعلمين أنفسهم الذين يعدّون الامتحانات وغيرها من متطلبات العملية التعليمية.
الانتقال في التفكير
إن الانتقال في التفكير من التقويم التقليدي إلى التقويم الواقعي، قد يحمل في طياته ردة فعل غير واقعية تجاه التقويم بالامتحانات، وكأن مسؤولية القصور المشار إليها بكاملها تلقى على الامتحانات نفسها،وليس على نوعية الامتحانات ومواصفاتها، ومهارات القائمين على إعدادها، وإذا كان القصور أو العجز في القدرات والمهارات وارداً في الامتحانات، فمن الطبيعي أن يستمر هذا القصور في إعداد وتنفيذ أساليب و أدوات التقويم بغير الاختبارات؛ولذلك فالمطلوب هو إتقان الدور المتكامل لتقويم اداء الطلبة , الذي يتطلب تعدد اساليب وادوات التقويم بما في ذلك القدرة على صناعة الاسئلة في الامتحانات , فالأسئلة الجيدة ,وبالتالي الامتحانات الجيدة هي التي تكون فيها صفة أو جرعة التقويم الواقعي أكثر وضوحا .
يتطلب التقويم الواقعي بالدرجة الاولى من المعلم (المدرس)،أن يحدد وظيفة الهدف التعليمي ، فقد يكون حفظ المعلومة هدفا واقعيا ومطلوبا في مرحلة معينة ، ولكن حفظ الكثير من المعارف والمعلومات والتركيز عليها بشكل كبير قد يعكس عدم وضوح الاهداف التربوية الحقيقية أو الهامة ، وقد يكون لهذا التركيز غير المجدي أو المبرر انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع ، لأن فيه تعطيل للطاقات الفكرية ، وكبح الفرص التي تكسب المتعلم طرائق التفكير،وخاصة التفكير الابداعي .
إن أهمية التطوير والتحسين للعملية التربوية ومن ضمنها تجويد الامتحانات وتوظيف أساليب وأدوات التقويم الأخرى المعدة إعدادا جيدا ، حتى لا تتكرر الصورة نفسها في التقويم بالامتحانات ، يعني أهمية تحديد أدوات وأساليب التقويم المناسبة للغرض ،فالتنويع في الادوات ليس هدفا بحد ذاته ، لأنه قد يكون شكليا ، وليس أكثر من ردة فعل غير متوازنة ، فهي ادوات وأساليب غالبا ما تتطلب استخدام الملاحظة أو المقابلة ، وقد تختلف في درجة التفضيل لما يمكن ملاحظته ، وعدد فئات التدريج لتقدير مستوى الأداء .
ومن الأمور التي لا بد من مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار عند إجراء عملية التقويم بشقيه الواقعي والتقليدي:
1- فلسفة التعليم والتقويم في المؤسسة , ونظم العلامات لها دور فاعل في توجيه اساليب التقويم وإجراءاته فقد تعطي الانطباع بأن الهدف الأساسي من التقويم هو رصد العلامات .
2- زيادة جرعة التقويم الواقعي لا يعني نقصان أعباء المدرس، بل على العكس، حيث يتطلب ذلك جهدا إضافيا ونوعيا من المدرس. ولذلك ينصح المعلم بتطوير أدوات التقويم الواقعي ومتابعة تحسينها و وضعها في ملفات خاصة يمكن أن يطلق عليها ملف أو بنك أدوات التقويم، ويتوقع من المعلم أن يكون لديه ثلاث ملفات أو حقيبة ملفات تشمل ملف الأهداف وملف الأسئلة وملف الأدوات.
3- أغلب المباحث أو المواد -إن لم تكن جميعها- تتطلب الاهتمام بالنوعين من التقويم ولكن بدرجات متفاوتة وهو تقويم خليط.
4-إن الانتقال إلى التقويم الواقعي لا يعني الاستغناء كلياً عن التقويم التقليدي أو إهماله، فهنالك ممارسات جزئية للتقويم الواقعي بأدوات التقويم التقليدي.
5- أساليب التقويم التقليدي ليست بنفس الدرجة في ابتعادها عن الواقعية، فهي تحمل شحنة واقعية حتى لو وصفت بأنها تقليدية.
6-التقويم الواقعي يعني استكمال حلقة التقويم لتشمل جميع نواتج التعلم النظرية والعملية، وتغطية أوسع المستويات والمجالات.
7- يعززالتقويم الواقعي الثقة بين المدرس والطالب، حيث يعتمد معايير تصحيح مكشوفة لأداء الطالب.
8-التقويم الواقعي يعطي مؤشراً جيداً على إمكانية أو قدرة الطالب على توظيف معرفته في الحياة العملية، وهو هدف جوهري ويعطي مؤشراً على ما يمكن أن يطلق عليه الصدق الواقعي.
9- يركز التقويم الواقعي على التعلم ذي المعنى، أو القدرة على بناء المعاني من خلال توظيف المعرفة في مواقف ونماذج حياتية.
10- يتيح التقويم الواقعي الفرصة لتكامل التعلم والتقييم، فهي تعمل في آن واحد بدلاً من النظر الى التقييم كحلقة نهائية، فهو (اي التقويم) يوجه العملية التدريسية، ويتفاعل معها بشكل مستمر، فهو عملية تفاعلية مستمرة متنوعة الأهداف والأساليب والأدوات، ويتوقع من المعلم أن تكون هذه العملية موجّهة وخاضعة للتقويم،يعرف فيها المعلم ماذا يقوّم؟ ولماذا يقوّم؟ ومتى يقوّم؟ وكيف يقوّم؟ وكيف يقوّم تقويمه؟
11- يتيح التقويم الذاتي الفرصة لتعدد قنوات الاتصال والتعبيرعن الأداء بأساليب مختلفة، وتصاميم متنوعة،وبالتالي تصبح المقارنة ممكنة على مساطر متعددة بدلاً من مسطرة واحدة وهي مسطرة التحصيل بالرغم من مزاياها التقليدية.
[email protected]