كتابة وتصوير: مفلح العدوان - أحيانا هناك قصص وحكايات تبقى تنتظر مئات السنين لتجد من يكتبها، ولا تملّ الانتظار، كأن تلك الأحداث المرتبطة ببعض القرى، مجبولة بطينة الصبر، والعز، وعمق معنى مقولة «اللي عند أهله..قريب»..
ها هي حكاية بوح، وحديث، مؤثر، وعميق، تدعوني للكتابة.. تومئ لي كي أتتبع دروب حادثة كانت قبل حوالي خمس وثمانين سنة، كان هذا في عام 1928م، وأنا الآن في شهر شباط من عام 2013م، ولا بد من إعادة تدوين حادثة مجزرة، بداية تفاصيلها قصة بدأت في قرية جِلول، شرق مادبا، بحوالي خمسة كيلومترات، وتبعد عن عمان 28 كيلومترا.. للحديث عن تلك الحادثة نبض، ووجع، وقلق هو أبعد من حدود اللحظة العابرة، يا لتلك اللحظة التي كان تذكرها هو السبب في فتح مخطوط كتاب هذه القرية، جِلُول، وما ارتبط بها من أحداث.. وتلك اللحظة/المجزرة، كان فاتحة العودة إليها هاتف جاءني بعد أن كتبت عن قرية القسطل، وتتبعت في ربوع تاريخها بعض تفاصيل الغزو الوهابي إلى هذه المنطقة في حملتين شهيرتين، الأولى عام 1922م والثانية عام 1924م، ثم كان بعد ذلك استكمال حول الوهابيين، من خلال ما كتبه الدكتور رؤوف أبو جابر، حول اليادودة والوهابيين.
الهاتف: أين قصة جدي؟
كعادة الطيبين كان بداية الحديث على الهاتف سلام دافىء، وكلام حميمي، ابتدأه من الطرف الآخر السيد حتمل هويمل حتمل الزبن (ابو مناور)، وكان هذا أول حديث بيننا، وكان مفعم بالتلقائية، وسلاسة التواصل، ثم بدأت، بعدئذ، كلمات عتاب بود تصلني من «أبو مناور» في أنني لم أتطرق إلى حملة الوهابيين الثالثة، والتي قتل فيها جده الشيخ حتمل الزبن، ومعه ابنه، ومجموعة كبيرة كانت برفقته، في منطقة غرايس في البادية غربا، بعد ارتحالهم شتاء من جلول إلى تلك المناطق، وكان هذا عام 1928م.
أثارتني تفاصيل قصة مقتل الاب والابن، وتركت أثرا في قلبي، تلك الكلمات حول مجزرة راح ضحيتها أكثر من ثمانين روحا، ولها تفاصيل يشيب لها الطفل الرضيع.. وأكمل حتمل الزبن (أبو مناور) بقية حديثه، وكان وعدا بيننا أن يكون لقاء للإطلاع على بعض الوثائق المرتبطة بالحادث، ومن ثم بعد ذلك زيارة إلى قرية جِلول، ليكون بدء البوح عن تفاصيل المكان هناك في القرية، قبل أن يتم تتبع الحكاية، والتحرك الذي كان باتجاه الشرق، لتحدث المجزرة في منطقة بعيدة مئات الكيلومترات عن هذه الديار.
الأميرة جوليا
ها أنا في الطريق إلى جِلُول، يرافقني صديق فاضل هو السيد عبد الرؤوف أبو سويلم (أبو عفاش)، حيث كان الانطلاق من عمان باتجاه طريق المطار، إلى أن وصلنا جسر مادبا، واتجهنا غربا، في الدرب الذي كان في مرحلة يشكل حدا يكون على جانبه الشرقي يبدأ حد بني صخر، وسرنا في هذا الاتجاه، وتجاوزنا أم العمد، ولم ندخل إلى قرية جلول من خلال قرية أم رمانة، بل تجاوزنا غربا في الطريق لنصل إلى منجا، وندخل من هناك إلى قرية جلول حتى يتسنى معرفة أكثر بجغرافية الطريق إلى قرية جلول التي يمكن الوصول إليها من عدة طرق منها أيضا شارع جهة القسطل والجيزة في طريق رئيس من هناك.
أصل جِلول، وأسير لألتقي بالسيد حتمل الزبن (أبو مناور)، في ديوان أبيه المرحوم الشيح هويمل حتمل الزبن، حيث كان حديثا، شائقا، قبل البدء بجولتنا في تفاصيل قرية جِلول التي تشير الذاكرة الشعبية في القرية إلى أن سبب تسميتها يمكن أن يكون «نسبة إلى أميرة اسمها جوليا كانت معتكفة في التل في هذه المنطقة، وتسمّى التل باسمها، جوليا، بعدين صار الاسم جلول، وصارت التسمية لكل المنطقة حول التل».
ولكن في سياق البحث حول تسمية جلول، يمكن الرجوع إلى ما كتبه الباحث محمود سالم رحال في كتابه «المشترك ا لسامي في أسماء ومعاني المدن والقرى الأردن، حول جلول، حيث بيّن بأنها «تقع ضمن لواء الجيزة»، وقام بتفصل معنى الاسم عند حديثه عن خربة جلول بقوله أن الجلول في المشترك السامي بمعنى مكان الصنم الوثن، وهناك مقاربة في الاسم والمعنى مع قرية جلول الموجودة في الكرك. كما استعرض الباحث ركاد نصير في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» معنى كلمة جلول بقوله «الجَلّ من الأرض: القطعة ذات جدار وحدّ معلوم، والجَلّ: الورد أبيضه وأحمره وأصفره، جلَ يَجُلّ جلاً وجُلولاً الرجل خرج من بلد إلى بلد، بمعنى جلا».
تسعة أحواض
أما عن حدود قرية جلول، وبحسب حديث أهل القرية، فيمكن تتبعها على نحو أن حدود جِلُول «من وادي الحبيس غربا، إلى قرية زويزيا شرقا، ومن الجنوب تحدها حوارة، ومن الشمال أم رمانة ومنجا. ومساحة جلول أكثر من عشرين ألف دونم.. ويوجد فيها آثار كثيرة، وآبار رومانية قديمة.. واحواضها هي تسعة احواض: حوض 1 أم الحيايا، حوض 2 التل الأخضر، حوض 3 الزباير، حوض 4 الحدب الشرقي، حوض 5 الظهرة، حوض 6 بير البيت، حوض 7 البلد، حوض 8 الجور، حوض 9 المحرقات».
وحول تلك الأحواض التي تتكون منها قرية جلول، يضيف الباحث ركاد نصير، ساردا الأسماء، ومدونا تفاصيل معانيها، في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية»، حيث يقول: «حوض الزباير: زبر البناء: رفع بعضه على بعض، وزبر البئر: طواها بالحجارة، والزُبرة: القطعة من الحديد. حوض الحدب: ما ارتفع وغلظ، والحدب: حدور في صبب كحدب الريح والرمل والموج: أو هو نبت قيل هو النَّصِيّ. حوض الظُهرة: السلحفاة، والظَهَرة في البيت: متعه وأثاثه، والظهرة من المال: كثرته، والظهر: ما غلظ من الأرض. حوض أم الحيايا: جمع الحية وهي الأفعى. حوض التل الأخضر: التل: قطعة أرض أعلى قليلا مما حولها. حوض بئر البيت: البئر: حفرة في الأرض عميقة يستقى منها الماء، والبيت: المسكن سواء كان من شعر أو مدر، والبيت أيضا: الشرف. حوض جدار البيت: ما يحيط بها من أرض. حوض الجور: جمع الجورة وهي الحفرة، من تجوّر البناء إذ تهدم وانخفض. حوض المحروقات: المحروق: الذي اضرمت فيه النار، والمُحرقة: الذبيحة التي تحرق وتفنى تعبدا لله واعترافا بمطلق سلطته».
التل الأثري
إن التجوال في جلول يفضي إلى عوالم تمتزج فيها عراقة الآثار القديمة، مع بساطة جماليات الريف، يضاف إليها لمسات الحداثة المنتشرة في البيوت والطرقات، ومزارع الزيتون، وشلايا الأغنام، واصطبلات الخيل، وتربية النوق، وغير ذلك مما يجعل المتأمل أمام لوحة متعددة الألوان، والكتل، والفراغات. سرت مع (أبو مناور) حتمل الزبن، و(أبو عفاش) عبد الرؤوف أبو سويلم، في دروب القرية، حيث مررنا على أطلال أقدم مساجد القرية، وحجارة الخربة القديمة، وأسوار المدارس، وصعدنا باتجاه تل جلول، حيث الحفريات والتنقيبات هناك، والإطلالة على المناطق المحيطة بالمكان، وقطع كسر الفخار في كل مكان، وتفاصيل تنقيبات كثيرة على التل الذي هو روماني بيزنطي بحسب أقوال أهل القرية، وعلى التل هناك مقبرة أيضا، قديمة في جانب منها، حيث القبور بعضها يعلو أكثر من متر ونصف المتر، وأخرى بمستوى سطح الأرض، هذه على قمة التل، ولكن على سفحه، هناك بقية المقبرة، يمتد حولها سور، تبرعت به الحاجة فوزية ناصر نايل الزبن، حيث يقال بأنها باعت قطعة أرض ب16 ألف دينار، وبنت سور هذه المقبرة.
ذاكرة التعليم
لا يكتمل استعراض ذاكرة القرية، ان لم يكن هناك وقفة عند سيرة التعليم فيها، وقد كان هناك مرور قرب مدارس جلول، حيث كانت مفتاح لاستعادة ذاكرة التعليم في القرية، فيما يفيد بأنه كانت قد افتتحت أول مدرسة في جلول في الستينات من القرن الماضي، وكانت آنذاك مدرسة ابتدائية مختلطة، بينما اليوم هناك في جلول مدرسة ثانوية للذكور، ومدرسة ثانوية للاناث. كما أنه قبل ان تفتتح تلك المدرسة في الستينات، كانت سيرة التعليم قد مرت بمرحلة التعليم بواسطة الكُتّاب، حيث كان يقوم بهذه المهمة معلمون (شيوخ) من خارج القرية، وكانت جلول مركزا للقرى المجاورة في التدريس في مرحلة سابقة. ويذكر الشيخ منور عبيد النوفل الزبن، أنه وهو صغير، كان يتذكر قدوم المرحوم حتمل بن مناور الزين إلى الكُتّاب، يتفقد الخطيب وطلبة العلم عنده. وقبل أن يتم افتتاح مدرسة في جلول كانت تتم الدراسة في القرى المجاورة في منجا ونتل وحوارة.
سيرة قرية جِلُول
تقع قرية جِلُول على بعد حوالي 28 كيلومتر من عمان باتجاه مادبا. وهي على مسافة 5 كيلومترات شرق مادبا، وتتبع لواء الجيزة، من محافظة العاصمة. وكانت من ضمن حدود أمانة عمان الكبرى، حتى وقت قريب، وهي الآن غير محددة مرجعيتها الإدارية بالنسبة لبقائها ضمن مناطق لأمانة أو انفصالها ضمن بلدية أخرى.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان جلول 583 نسمة (344 ذكورا و239 اناثا) يشكلون 121 أسرة تقطن في 242 مسكنا.
التربية والتعليم:
توجد في جلول مدرستان هما: مدرسة جلول الثانوية للبنين (هذا مبنى مستأجر، وغير صالح، ويعاني من مشاكل عديدة، بحسب أهل القرية)، ومدرسة جلول الثانوية للبنات.
الصحة:
يوجد في القرية مركز صحي أولي.
المجتمع المدني:
لا يوجد في جلول أي جمعية تعاونية أو خيرية، أو نادي، أو هيئات تطوعية خاصة بالشباب والطفولة.
* يوجد في القرية مسجدان ومقبرة.
* تعتمد جلول في الخدمات على القرى المجاورة، ومدينة مادبا.