د. عميش يوسف عميش - يقول الدكتور محمد صلاح ابو شعر في مجلة « عالم الصحة « عدد 63 ،نيسان 2009 : عرف العرب الكمأ منذ وجدوا في البادية، حيث يطلق عليها (الفقع) في الخليج، كما تسمى نبات الرعد والماس الأسود، والكافيار النباتي وغيرها، أما معناها فهو(الشيء المستتر). كما جاء ذكرها في الأحاديث النبوية. فقد جاء في الحديث الشريف: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين». وقال الأزهري :»المن كل ما يمن الله تعالى به بما لا تعب فيه ولا نصب». أما الغافقي فقال عنها:»ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين، إذا عجن به الأثمد ( حجر يكتحل به ) وتم الإكتحال به «.
الكمأ فطر لا ورق له ولا جذر، ينمو بصورة مخفية في شقوق الأرض وقرب الأشجار الضخمة كشجر البلوط والسنديان على عمق نصف متر، وتتجمع على شكل درنات، كل عشرين منها معاً .. تكثر في السنين الممطرة، حجمها ما بين حجم البندقة وحجم البرتقالة. ومن المحتمل أن يكون سبب عشق الكمأ للرعد عائداً للدور الرئيسي الذي يلعبه الرعد في إرسال بعض الموجات الصوتية، التي من شأنها أن تخترق أغلفة بعض أنواع الكمأ بوجود الماء والتربة الرخوة.
هناك عدة أنواع للكمأ منها السوداء وهي أفضل أنواعها، ومنها اللون الأحمر وهي نادرة ومرتفعة الثمن، كما أن منها البيضاء وهناك نوع سام. والكمأ الممتازة تكون ذات ملمس صلب، مستديرة مثل بيضة دجاجة صغيرة، وتتخللها عروق بيضاء ... وأفضلها السوداء ... تغوص سريعاً الى قاع وعاء مليء بالماء ( الكمأ التالفة تطفو دائما ً).
تخزين الكمأ: إن تخزين الكمأ مسألة يدور حولها الجدل، فالكمأ الموضوعة في جرة تم تعقيمها ستدوم إلى ما يصل سنة...ولكن الكمأ الطازجة ستدوم نحو أسبوع فقط في الثلاجة. الايطاليون يحتفظون بفطرهم المتميز على الدوام في جرة زجاجية ذات غطاء مع بضع بيضات غير مطبوخة بقشورها للحفاظ على الرطوبة المثالية، بعدما تكون قد أكلت الكمأ، فإنك تحضر عجة بواسطة البيضات وتحصل على أطيب مذاق. وإن الكمأ الإيطالي هو من بين أطعمته المفضلة.
تاريخياً فلقد أشتهر الفرنسيون بأكلها وإنتاجها حتى أنهم دربوا كلابهم لمعرفة أماكن توضعها عن طريق الرائحة والشم. وعلى مر القرون ظلت الكمأ مطمع الذواقة، فمجدها الكتاب، ومنهم بلوتارخ، كما حكى عن الأديب الفرنسي موليير، والملك لويس التاسع الرابع عشر حبهما للكمأ، حتى ليقال أنهما كثيراً ما كانا يجلسان معاً في منتصف الليل، لتناول الدجاج المطبوخ بالكمأ. واعتقد كثيرون ومنهم الذواقة الفرنسي الشهير « أنتيلم برياسافاران « أن الكمأ مثيرة جنسياً ويقال أن مدام بومبادور كانت تطعم الكمأ لعشيقها لويس الخامس عشر، ويروى أيضاً أن نابليون بونابرت أنجب ابنه الشرعي الوحيد بعد تناوله ديكاً رومياً مطعماً بالكمأ. والله أعلم.
القيمة الغذائية للكمأ: تعد الكمأ طعاما معروفاً ومألوفاً، بل إنها طعام شهي مرغوب في معظم دول الشرق والغرب، ويبدو أن الإنسان قد استشعر قيمتها الغذائية العالية في قديم الزمان، مما لا يتفق مع النظرة العلمية الغذائية التي تعتمد التحاليل المخبرية. والتي تؤكد أن ثلاثة أرباعها 75% من الماء، تحتوي 13% نشويات و 3% الى 4% فقط بروتين، أضف إلى هذا شيئاً قليلاً من الدهن لا يتجاوز 1% منه... ولا يذكر العلماء أن فيها من الأملاح والفيتامينات ما يستحق الذكر أو الإشارة.. ولكن لو كان لنا أن نقارن الكمأ لكانت أشبه بعيش الغراب ( من فصيلة الفطريات أيضاً)، يرتبطان بصلة التقارب النباتي، سنجد أن الكمأ أفضل من عيش الغراب، وتعلوها قيمة غذائية قدرت بالضعف.. أضف إلى هذا رائحة الكمأ المحببة وطعمها الأشهى، مما يغري الكثيرين بالإقبال عليها مهما غلا الثمن وارتفع... ينبغي غسل الكمأ جيداً قبل أكلها مع مسحها بفرشاة، ثم تركها حتى تجف طبيعيا من غير تقشيرها، ثم طهيها... عندها تصبح غذاء مستساغاً سهل الهضم، إلا إذا كان هناك سبب مرضي في المعدة أو الأمعاء.
المعروف لدينا بأن الكمأ غالي الثمن في بعض الدول العربية وبعض دول الخليج خاصة الكويت. الجدير بالذكر أن الكمأ هو النبات الوحيد الذي يعتمد في نموه على الرعد. أليس ذلك من الغرائب.
