د. عميش يوسف عميش - إن الطب الحديث مَدين لعلم الأقرباذين العربي «وهو دستور الصيدلة أو الأدوية التي استطاع العلماء العرب جمعها واكتشافها عبر قرون مضت» . وتمت معرفة أكثر من ألفي عقار لدى علماء الغرب ومعظمها مستحضر من الأعشاب وترجع إلى فترة القرون الوسطى وساهم العرب في معظمها. ومنذ بدأ عصر الحضارة العربية لعبت الأعشاب دوراً هاماً ورئيسياً في علوم الطب العربية التقليدية. وحتى عصرنا الحالي فتستخدم الأعشاب كجزء من الأدوية التقليدية، كما استعملت قبل 5000 عام، ومع ذلك لم يتم للآن فهمها فهماً كلياً. كان الطب الصيني القديم معروفاً بغناه بالمداواة بالأعشاب فهناك حوالي 5800 نوع من الأعشاب التي استخدمت للعلاج كما هو مذكور في «سجل الأقرباذين الصيني» مقارنة بحوالي 2500 في الهند و800 في القارة الأفريقية و300 في ألمانيا. بينما استطاع العرب أن يستنبطوا ويصيغوا «سجل الأقرباذين العربي» الذي يحتوي على أكثر من 3000من الأعشاب التي تستعمل في علاج الكثير من الأمراض. حتى في عصرنا الحاضر فإن إهتمام الناس بالمداواة بالإعشاب لا يزال قوياً لاعتقادهم بعدم وجود مضاعفات لها وانها ارخص مقارنة بالأدوية الحديثة. كما أن البحوث العلمية حول الأعشاب الطبية في العالم العربي قد ازدادت لتحسين تنوعها وجودتها. ولقد بدأت المؤسسات الدوائية بإدخالها في الصناعات الدوائية بعد معرفة تركيبها وتصنيفها بواسطة هندسة الجينات، مما يوفر الكلفة لإحضار الأعشاب من مواطنها. بالإضافة لتحسين جودتها التصنيعية.
إن استعمال الأعشاب كعلاج ينبع من إيمان الناس واعتقادهم بأنها لا تخفي ولا تحجب الأعراض الرئيسية للأمراض، وأنها تعيد التوازن في صحة الإنسان أكثر من أن تعالج أعراض الأمراض الناتجة عن اختلال التوازن الجسدي والنفسي بحد ذاته. كما أن الاعتقاد السائد لا يزال قوياً بأن المداواة بالأعشاب تحافظ على التوازن الفيزيائي والنفسي للجسم، وتؤدي لإطالة العمر.
في تاريخ حضارتنا العربية القديمة، قيل بأن طبيب الأعشاب كان باستطاعته أن يصنع نوعاً من العسل يقوم بتحضيره من عشرة آلاف نوع من الأعشاب في آن واحد، وقد أطلق عليه إسم «ميريوفايتون» أي عشرة آلاف عشبة «MYRIOPHYTON» وكان يستعمل لشفاء امراض كثيرة. ولقد استخدمت الأعشاب كعلاج بأجزائها المختلفة. كما استخدمها العرب بشكل مراهم، أو «سفوف» أو أقراص، أو تضاف للماء والزيت وتمزج مع أعشاب أخرى. أما الأعشاب التي استخدمها العرب:
1- أعشاب استخدمت في الأمراض الباطنية والجراحة: زهرة العُطاس (ARNICA) لمرض الروماتيزم. الزعتر (THYME) لتصلب الشرايين. الكرفس (CELERY) لعلاج مرض النقرس . الياسمين الأصفر(YELLOW JASMINE) لعلاج مرض الشقيقة (الصداع النصفي). الثوم (GARLIC) لعلاج الرشح والأنفلونزا. الزُرفا (أشنات داود)-(HYSSOP) – لعلاج السعال. البَرْسِيّة (CUDWOOD) لعلاج ذات الرئة. الراسُن (القسَط الشامي) (ELECAMPANE) لعلاج التهاب القصبات الهوائية. نبتة الخطاطيف (PILEWORT) لعلاج البواسير. كبش قرنفل (CLOVES) لعلاج اللعيان والمراجعة. الحُلبة (FENUGREEK) لعلاج مرض السكري.
2- أعشاب استعملت لعلاج الأمراض الجلدية: النبتة المتعرشة (LIAN QUIAO) لعلاج الدمامل والتهاب بصيلات الشعر. عشبة المُرّ (MYRRH) – لعلاج تقرحات الفم واللسان. الثوم (GARLIC) لعلاج حب الشباب والثعلبة. الأرْقطْيون (BURDOCK) لعلاج الأكزيما. الصُبّار (ALOA) لعلاج الأمراض الفطرية ومرض البهاق.
أما التداوي بالعسل فقد جاء ذكره في كتب المداواة العربية القديمة كعلاج بديل هام لأمراض كثيرة وسيكون لنا حديث أخر عنه.
لقد استخدم العرب عدة أنواع من الأعشاب لعلاج الأمراض المختلفة، وحتى وقتنا الحالي فإن بعض هذه الأعشاب لا يزال معروفاً وتستخدم بواسطة الأطباء، وما يسمى بالعشابين، ولكن ايضاً بواسطة بعض الدخلاء على الطب (الدجالين). لقد كانت المداواة بالأعشاب من قِبَل العلماء العرب واسعة الشهرة، وهناك كتب كثيرة عنها. أما أشهر الكتب القديمة والتي تتحدث عن المداواة بالأعشاب في «سجل الأقرباذين العربي» فهي:
1- كتاب «الأقرباذين وقوانين التداوي»((The Bimaristan Law in Pharmacopoeia لمؤلفه «إبن أبيل-بيان» الصادر عام 1661 ميلادي في أشبيلية - الأندلس . ويحتوي الكتاب على (607) مستحضر طبي وجميعها موضوعة مع شرح مفصّل .
2- «الكتاب الجامع» (Al-Kitab Al-Jami’) ، ويحتوي على معلومات عن العلاجات التي هي على شكل سوائل ودهون ، وقام بتأليفه العالم «أبو مروان عبد المالك
إبن زهر» (Avenzoar) الذي عاش في أشبيليا – الأندلس في الفترة (1091-1161) ميلادي. ويحتوي الكتاب على 230 مركب دوائي معظمها مصنوع من الأعشاب والقليل منها من مواد حيوانية ومعدنية .
3- كتاب «تحفة الأحباب» (Tuhfat al-Ahbab)، وهو عبارة عن قاموس يحتوي على 462 موضوعاً يتعلق بالمداواة بالأعشاب، والجدير بالذكر أن مؤلف هذا الكتاب غير معروف.
4- قاموس المصطلحات الفنية للعقاقير(Drugs Terminology)وهو عبارة عن مخطوط باليد قام بجمعه وتصنيفه الحاخام العالِم موسى بن ميمون (Rabbi Moses Ben Maimon) الذي عاش في الأندلس في الفترة (1135-1204) ميلادي . ويحتوي (405) فصول ووضع المؤلف مرادفات اللغة العربية للأدوية ، باللغات اليونانية والفارسية والإسبانية.
5- كتاب الأشربة والطعام (The Book on Drinks and Foods) وهو كتاب يجمع أسماء الأشربة والأطعمة قام بجمعها وتصنيفها العالم «إبن البيطار» الذي عاش في دمشق في الفترة (1197-1248) . ويعتبر من أكثر الكتب أهمية بين كتب الأدوية العربية، ويحتوي على300 نوع من الأدوية موضوعة بشكل مبوب من الألف إلى الياء، والجدير بالذكر أن هذه الأدوية لم تذكر مطلقاً في كتب ومراجع الأقرباذين العربية قبل ذلك.
الخلاصة: لا يزال الناس في الأردن يستخدمون الأعشاب في المداواة ، لكن هناك الكثير من المشعوذين والدجالين الذين يستعملون طيبة المريض وهلعه وخوفه من إصابته بأمراض على أمل وجود شفاء لها فيحدث الاستغلال البشع، ناهيك عن المضاعفات الكثيرة للمداواة بالأعشاب، خاصة عندما لا تعرف محتويات الخلطات التي يقومون بتحضيرها .
فمثلاً يقوم بعض العشابين الدخلاء بوضع مواد طبية مثل الكورتيزون وبعض المخدرات التي يبيعونها للمرضى مقابل مبالغ طائلة لأن الحصول عليها وتحضيرها مكلف كما يدعي العشّابون وأنها تشفي كل مرض ، ومع الأسف لا توجد رقابة مستمرة على ذلك ، ومعظمها تكون مصحوبة بالدعاية عبر الجرائد والنشرات والفضائيات .
أود هنا أن ابعث بتحية وتقدير لوزارة الصحة ومؤسسة الدواء والغذاء لجهودهما في منع التجاوزات والشعوذة في مجال الغذاء والمستحضرات المغشوشة في الطب الشعبي.