خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

الموضوع التافه هو الذي لا يُضيف الى معرفتنا شيئاً

الموضوع التافه هو الذي لا يُضيف الى معرفتنا شيئاً

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

ابراهيم كشت - تذهب معاجم اللغة العربية الى أن قولنا عن الطعام بأنه (تافه) يعني أنه طعام بلا مذاق ، أي لا حلاوة فيه ولا حموضة ولا ملوحة ولا مرارة . ولا أحسبُ أن هذا المعنى اللغوي يختلف من حيث الجوهر عن المدلول الفكري لكلمة (التافه) التي تشير الى ما يفتقد القيمة والمعنى والنفع ، حيث يقول الفلاسفة في مفهوم (القضية التافهة) إنها القضية التي لا تضيف شيئاً إلى معرفتنا ، ولو أردنا أن نُعبِّر عن ذلك بلغة العصر لقلنا إنها القضية التي تفتقد إلى القيمة المضافة كمعيار نقيّم من خلاله جدوى الأمور وأهميتها وفائدتها . وعلى أي حال ، أن يكون الحديث تافهاً أو تكون المواضيع تافهة فتلك مشكلة ، لكن المشكلة الكبرى هي أن تكون اهتمامات المرء ذاتها تافهة .
وحول موضوع الاهتمامات ، تجدر الإشارة إلى قانون جد مهم رغم بساطته ، شرَحَهُ عدد من الفلاسفة والمهتمين بشؤون التربية وعلم النفس ، ومنهم الفيلسوف الأمريكي الشهير (وليم جيمس) المتوفى سنة 1915 ، ويقول هذا القانون بإيجاز وبلاغة وعمق : (إن الفكرة لا تراودنا إلا إذا كانت متجاوبة مع اهتماماتنا الراهنة) ... فهل تتوقع سنداً لحكم هذا القانون الصادق ، أن تراود أبناء الجيل الذي تنصرف اهتمامات كثير من فئاته إلى تَلقُّط أخبار نجوم الفن الهابط وتداولها ومناقشتها كأنها قضايا فكرية مهمة ، وتتبع ما يقوله المنجمون بالفلك ، وما يفتي به القائلون بأثر الأبراج على شخصية الإنسان ، إضافة إلى البحث عن كل منتج جديد مما يمكن الاستعراض في استهلاكه من سلع وخدمات ، أقول هل تتوقع أن تراود هكذا فئات من هذا الجيل أفكار مبدعة في مجال العلم أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الأدب أو الفكر ، ما دامت هذه هي اهتماماته بما فيها من سخف وتفاهة؟ وما دامت الأفكار لا تتجاوب إلا مع اهتماماتنا الراهنة وفق القانون الذي سبقت الإشارة إليه ؟
الاهتمامات في أصلها اتجاه نفسي يؤدي إلى تركيز الانتباه حول موضوع معين ، والاهتمام كذلك هو ذلك التأثّر الوجداني الذي يصاحب الانتباه لموضوع معين . وقياساً على القانون الذي استهللنا به هذه المقالة ، فإن للاهتمامات أهمية كبيرة في توجيه الحياة الى الأفضل ، ولا سيّما في المجالات النفسية والاجتماعية والإنتاجية والعلمية والثقافية والإبداعية. ولا شك أن جزءاً كبيراً من الاهتمامات يُبنى ويتوجّه من خلال البيئة ، مما يُلقي واجباً كبيراً على الآباء والمعلمين ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع ، لخلق اهتمامات لدى الأطفال والشباب تنصرف نحو ما هو مُجْدٍ ونافع ، كتوجيه الاهتمامات نحو الكون والحياة والجمال والعلم والأدب وشؤون المجتمع والحرية والعدالة والكرامة والتطور ، وما إلى ذلك من قيم جليلة تسمو على السفاسف والصغائر .
ربما نلتمس العذر لفئات كثيرة من الجيل القديم تتجه اهتماماتها دائماً إلى القيل والقال، وتتبع شؤون الناس وحياتهم الخاصة وقصصهم ، وتناقلها وتحريفها ، فقد كان الجهل وكانت قلة الإمكانات وفقدان الحياة لكل ما يُثريها ، سبباً رئيساً في ذلك ، ولا سيّما بالنسبة للنساء في ظل حياة القمع والحصار . لكن ما الذي يبرر هذا التدني في الاهتمامات وتفاهة المنطق والحديث لدى فئات عريضة من الجيل الجديد ، بعد أن زادت سبل العلم والمعرفة والمعلومات، وتزايدت الإمكانات والفرص المتاحة والخيارات في الحياة ؟ وباتت سبل الاطلاع على العلم والفكر والأدب أكثر سهولة ، وأيسر منالاً ، وأكثر قرباً ممن يطلبها ؟
على أية حال ، لا تعني الدعوة إلى الارتقاء بالاهتمامات والترفع عن التفاهات التوجه نحو النظر بجدية مفرطة إلى الحياة ، أو التخلّي عن سبل الترفيه والتسلية واللعب ، أبداً ، إنما هي دعوة إلى ذوق أكثر سمواً ، يميز بين الرفيع والوضيع ، والعميق والضحل ، ودعوة إلى قيم أكثر جلالاً وجدوى ، تساعد على التكيف والتقدم . فالانجاز والإبداع والتطوير في كل المجالات تبدأ بفكرة ، والفكرة لا تراودنا إلا إذا كانت متجاوبة مع اهتماماتنا الراهنة ... فإذا كانت الفكرة تافهة كانت نتائجها تافهة كذلك .
 [email protected]

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF