ناجح حسن - جالت ثلاثة أفلام أردنية روائية وتسجيلية متنوعة المضامين والرؤى الجمالية في العديد من الملتقيات والمهرجانات السينمائية الدولية، وحققت حضورا لافتا على الصعيد النقدي وهو ما جعل صناعها يظفرون بأكثر من جائزة سينمائية رفيعة .
شكل فوز الفيلم التسجيلي الطويل (هذه صورتي وانا ميت) للمخرج محمود المساد بجائزة المهر العربي في دبي اواخر العام الفائت مفاجأة مدوية لبراعة مخرجه في تقديم معالجة بصرية لحادثة اغتيال نفذتها اسرائيل ضد قائد فلسطيني.
اعتبر الفيلم الذي انجز بمساندة من الهيئة الملكية الاردنية للافلام وبدعم من معهد سندانس بالولايات المتحدة الاميركية وتمويل من الامارات العربية وهولندا حيث يقيم المخرج، من بين ابرز افلام المهرجان حيث استقبل بحفاوة وترحاب من النقاد والحضور وهو ما قاده الى عروض في ارجاء العالم حيث احتضنته مهرجانات السينما في لندن واستراليا واميركا .
توثيق الحادثة
يتناول الفيلم قصة شاب يمارس رسم الكاريكاتير وهو يستمع الى شهادات من اسرته واصدقاء عائلته عن والده الذي قضى في اثينا العام 1983 في عملية اغتيال على خلفية الصراع العربي الاسرائيلي، ويدعم الفيلم تلك الشهادات بتوثيق فيلمي من ارشيف اخباري مثلما يعاين تحولات القضية الفلسطينية الى الوقت الراهن.
قدم مساد المولود في مدينة الزرقاء العام 1969 ، وتلقى تعليمه الجامعي في جامعة اليرموك التي انتقل منها الى المانيا ورومانيا وهولندا حيث درس صناعة الافلام قبل سنوات، بكاميرته اماكن ومعالم بمصاحبة شخصيات وهي تنثر الكثير من الاحاسيس والعواطف على غرار ما جسده بفيلميه التسجيليين اللافتين: (الشاطر حسن) و(اعادة تدوير) في حرفية جمالية وفكرية اخاذة.
اعتبر فيلم المساد الجديد اضافة نوعية في مسيرة مخرجه الذي سجل فيه بعين بصرية مشهدية بارعة من التكوينات الجمالية التي تبسط امام المتلقي تحولات اصابت مفاصل في قضية الصراع العربي الاسرائيلي عبر تسليطه الضؤ على حادثة جرت وقائعها في مدينة اثينا باليونان العام 1983 لحظة قيام اسرائيل بعملية اغتيال لناشط فلسطيني وهو برفقة ابنه الصغير الذي غدا اليوم شابا يمارس فعلا ابداعيا يعبر عن دواخله بتخطيطات ورسومات كاريكاتورية حول الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بيئته .رغب المخرج المساد في تصوير هذا العمل باسلوبية الفيلم التسجيلي، كونه يرى فيه حيزا رحبا لسبر اغوار النفس البشرية وقدرة على التعبير بصدق وعفوية .
خاض المساد الحائز على العديد من جوائز المهرجانات السينمائية العالمية في هذا الفيلم تجربة جديدة ومبتكرة من ناحية تقديم صورة شديدة الاعتناء تتوازى مع شريط الصوت وتقنية المونتاج .
اعتبر الفيلم رؤية ناضجة لأحداث تبدأ بمشاهد الغارات الاسرائيلية على مدينة غزة ويصورها في هيئة شجرة ميلاد مزينة بتلك القنابل العنقودية التي تفتك بارواح الابرياء من اهالي مدينة غزة وهي مستمدة من وثائق فيلمية لوكالات الانباء العالمية خلال الاعتداءات الاسرائيلية على مدينة غزة العام 2006 .
تتدرج احداث الفيلم عقب نزول العناوين الى الزمن الراهن في لقاءات وحوارات وشهادات لشخوص العمل وهي تتفاعل في حراكها اليومي المعتاد في مدينة مثل عمان، معاينة لشؤون الذات والاسرة والعائلة والاصدقاء ومحيطها الانساني على خلفية ما تبثه القنوات الفضائية من اخبار واحداث ومناقشة ما الت اليه المسألة الفلسطينية من نزاع داخلي يدور بين غزة والضفة الغربية.
يمتليء العمل بسرد جميل في تببان تلك التغيرات لشخصياته الرئيسية بالفيلم بدت فيه اشتغالات المساد الفطنة على عناصر جمالية في توازن دقيق لحسابات رؤيته الفكرية البديعة في توثيق احداث جسيمة عاشتها الشخصية الرئيسة ضمن التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة.
مدن ترانزيت
وكان الفيلم الروائي الطويل (مدن ترانزيت) للمخرج الشاب محمد الحشكي قد قطف جائزتين بارزتين في مهرجان دبي السينمائي الدولي الاخير : الاولى جائزة لجنة التحكيم الخاصة، والثانية جائزة اتحاد النقاد السينمائيين العالمية (الفيبرسي) التي شارك في عضويتها اسماء لامعة من النقاد والمخرجين في السينما العربية والعالمية، وهو ما اعتبر مفاجأة المهرجان خصوصا وان برنامج المسابقة ضم احدث افلام السينما العربية التي انجزها مخرجون من الامارات ومصر وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق والمغرب والجزائر .
انجز فيلم (مدن ترانزيت) بميزانية بسيطة ضمن مشاريع التدريب في الهيئة الملكية الاردنية للافلام، فقد استحق ذلك التقدير من النقاد لفطنة مخرجه في تقديم عمل روائي طويل بحرفية متمكنة تنهل بسلاسة وشفافية من اسئلة الذاكرة وتحولات الواقع.
يسرد (مدن ترانزيت) حكاية امراة تعود الى مدينة مثل عمان عقب انفصالها عن زوجها بعد اقامتها لسنوات باميركا لتبدا محاولاتها في الاستقرار الى جوار اسرتها التي اخذت احوالها تتبدل نتيجة لتحولات الواقع.
ترصد الشخصية الرئيسية بالفيلم - تؤدي الدور الممثلة صبا مبارك- العديد من المواقف والمحطات التي عاشتها شخصيات الفيلم الاخرى مثل والد المراة الشابة ? محمد قباني- وشقيقتها المتزوجة وخالتها وجيرانها امام متطلبات عصر العولمة الذي يفيض باحداث جسام تنقلها قنوات فضائية تبث طوال اليوم امام اسئلة حرجة.
تبدأ المراة في انجاز اوراق تتعلق بممتلكاتها التي خلفتها باميركا لتكتشف انه نتيجة لحمى التغيير التي اصابت عائلتها واصدقائها لا يتسنى لها العثور على من يقف الى جوارها سوى والدها الصامت دوما امام شاشة التلقزيون متنقلا بين محطات الاخبار وهو عاجز لا يلوي على شيء بعد ان هجره صحبه القدامى جراء سعيهم الى مصالحهم الذاتية.
توظيف اللغة السينمائية
تمكن المخرج الشاب من توظيف الكثير من مفردات اللغة السينمائية والدرامية على نحو بليغ ومؤثر بدءا من الدور اللافت للممثلين الرئيسيين وهي تجول وتعاين بخيبة حجم التغيير في نفوس الناس المحيطين بهم وصمتهم البليغ قبل ان يبدون في حالة من الانكسار والانجراحية في عزلتهم الاختيارية .
تناغمت الموسيقى في الكثير من المواقف بالفيلم مع دواخل الشخصيات وانفعالاتها ازاء تدرج الاحداث وتصعيدها وكانت النتيجة انجاز جديد للفيلم الروائي الاردني.
قدم الحشكي مجموعة من الافلام القصيرة مثل: (العيش مؤقتا) 2004 و(فراشة) العام 2008 وشارك في اكثر من ورشة تدريبية لصناعة الافلام القصيرة نظمتها الهيئة الملكية الاردنية للافلام قبل ان تتاح له فرصة انجاز فيلمه الروائي الاول (مدن ترانزيت) الذي ادى ادواره الرئيسية كل من صبا مبارك ومحمد القباني في دوريهما اللافتين اضافة الى باقي الادوار الاخرى التي اضطلع بها كل من :شفيقة الطل وشريف المجالي وعلي ماهر ومنال سحيمات وانيطت بمهمة انتاجه رولا ناصر وقام بكتابة النص والحوار احمد امين .
بهية ومحمود
وتناول الفيلم الروائي الاردني القصير (بهية ومحمود) باميركا قصة الفيلم الاردني (بهية ومحمود ) لزيد ابو حمدان يظفر بجائزة عالمية .
نال الفيلم الروائي الاردني القصير(بهية ومحمود) للمخرج الشاب زيد ابو حمدان الذي ما زال يتابع دراسته في فنون السينما والحائز على جائزة مهرجان بالم سبيرنغ السينمائي الدولي باميركا لافضل فيلم قصير، وهو ما يؤهله في نهاية هذا العام لخوض غمار ترشيحات الاوسكار الى جانب 26 فيلما قصيرا من ارجاء العالم بحسب ما يقول صناع الفيلم.
تبدو في الفيلم تلك الاسلوبية التي ميزت صناعته كفيلم اشتغل على مواقف الكوميديا السوداء التي تتعلق بزوجين عجوزين وحيدين يقطنان في شقة تخيم عليها اجواء العزلة والوحدة .
وكان الفيلم الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي الدولي ظفر قبل اسبوعين بجائزة افضل فيلم روائي اردني قصير ضمن مسابقة الافلام الاردنية القصيرة التي نظمت بمناسبة الدورة السابعة عشر لمهرجان الفيلم العربي الفرنسي بعمان .
اصداء ايحابية اعقبت عرض الافلام الاردنية الثلاثة تفاعل معها حضور المهرجانات المكون من جنسيات متعددة فهناك من راى فيه تسجيل درامي لرحلة رجوع وعودة الى الذاكرة والمكان والوطن بابعاد انسانية تضافرت فيه جهود مجموعة من العاملين معه في الفيلم الذي جاء يسرد قصة من واقع الحياة اليومية في فضاءات مدينة عمان المعاصرة وفيه يمهد مخرجه الشاب طريقه الى المشهد السينمائي العربية والعالمي.
يؤشر فيلم (مدن وترانزيت) على ارادة الشباب في محاولة صناعة سينما اردنية عبر حكاية مفعمة بالاشارات والاحالات البليغة التي تعيشها قطاعات عريضة من المجتمعات العربية حين يكتشف الانسان العائد لوطنه بعد رحلة في المهجر حجم التحولات التي عصفت ببيئته .
اثبتت تلك الافلام ان بمقدور هؤلاء الشباب الجدد تقديم مجموعة من الافلام المتنوعة المضامين والاشكال وهي تروي احوالا اجتماعية وسياسية وثقافية وذاتية بجرأة الخوض بمواضيع الهجرة والمنفى والتقلبات في العلاقات الانسانية التي تعيد رسم بهجة الحياة رغم كل المحن والتحديات .