محمود الزواوي
فيلم «حديث الملك» (The King?s Speech) هو ثاني الأفلام الروائية الطويلة للمخرج البريطاني توم هوبر بعد فيلم «فريق يونايتد الملعون» (2009). ويستند فيلم «حديث الملك» إلى سيناريو للكاتب السينمائي والتلفزيوني الأميركي ديفيد سايدلر مبني على أحداث حقيقية تتعلق بحياة الملك جورج السادس (الممثل البريطاني كولين فيرث) ملك بريطانيا، وتتركز على تغلبه على مشكلة «التأتأة» أو التلعثم التي عانى منها منذ طفولته وعلى العلاقة بينه وبين معالج النطق (الممثل الأسترالي جيفري راش) الذي ساعده على التغلب على تلك المشكلة.
نشأ الملك جورج السادس، الذي ولد باسم الأمير ألبيرت دوق يورك، كالابن الثاني للملك جورج الخامس (الممثل مايكل جابون) والملكة ماري (الممثلة كلير بلوم)، في ظل شقيقه الأكبر ديفيد الذي اكتسب سمعة عالمية كشاب لعوب منغمس في الملذات واللهو وأصبح الملك إدوارد الثامن (الممثل جاي بيرس) على أثر وفاة والده الملك جورج الخامس في العام 1936. إلا أنه قرر التنازل عن العرش بعد أقل من11 شهرا في الحكم، عندما قرر الزواج من امرأة أميركية مطلقة مرتين هي واليس سمبسون (الممثلة إيف بيست)، مخالفا بذلك التقاليد البريطانية، ومضحيا بالعرش في سبيل الحب.
ووجد الأمير ألبيرت نفسه فجأة خلفا لشقيقه الأكبر كملك لبريطانيا وإمبراطور الهند وزعيم دول الكومونويلث الممتدة حول العالم، باسم الملك جورج السادس، وذلك دون أن يكون مؤهلا أو مستعدا لتحمل تلك المسؤولية أو راغبا فيها، إلا أنه لم يجد خيارا في الأمر وارتقى العرش على مضض.
لم يتحمل الملك جورج السادس مسؤوليات كثيرة بصفته الأمير ألبيرت والابن الثاني في الأسرة البريطانية المالكة، حيث لم يكن أحد يتوقع أن يصبح ملكا. وكان يعاني من حالة شديدة من التأتأة أو التلعثم التي حولته إلى فتى انعزالي وخجول، إضافة إلى حالته الصحية الضعيفة. إلا أنه وجد نفسه ملزما أحيانا بإلقاء أحاديث عامة بصعوبة كبيرة والكثير من الإحراج. وبلغ ذلك ذروته حين ألقى حديثا في ختام معرض الإمبراطورية البريطانية في العام 1925 في قاعة ضخمة مكتظة بالناس وعلى مسمع جمهور كبير عبر الإذاعة، حيث واجه صعوبة في إخراج الكلمات وتحولت المناسبة إلى تجربة قاسية ومحرجة بالنسبة له ولجمهور المستمعين.
وعلى أثر ذلك قامت زوجته الدوقة إليزابيث/ الملكة إليزابيث لاحقا (الممثلة هيلينا بونهام كارتر) والتي شعرت بالأسى وهي تشاهده وهو يلقي حديثه، بالاستعانة بعدد من المتخصصين بعلاج النطق لمساعدة زوجها، إلا أن الجميع فشلوا في مهماتهم إلى أن عثرت على معالج النطق الأسترالي ليونيل لوج الذي نجح في علاجه في نهاية المطاف.
ويقدّم فيلم «حديث الملك» معالج النطق ليونيل لوج كشخص غريب الأطوار من وسط فقير، وهو ممثل شكسبيري فاشل يعيش في منزل متواضع. ويفرض ليونيل لوج عدة شروط على علاج الأمير البيرت، ومنها أن يتلقى الأمير دروسه في منزله المتواضع وأن يتم التخاطب بينهما بالاسم الأول ليونيل وألبيرت، أي بشكل خال من الرسميات. ويدرك ليونيل لوج أن نجاح علاج الأمير ألبيرت رهن بإقامة علاقة ودية بينهما. ولكن العلاقة بينهما تتخللها بعض التقلبات ولا تخلو من المشاجرات المرحة أحيانا. ويبرز الفيلم من خلال هذه الأحداث تدريجيا مشكلة الأمير ألبيرت الذي كان يعاني من طفولة معذبة، بصرف النظر عن الثراء والأمجاد التي أحاطت بتلك الطفولة في نظر الغرباء.
ويتدرب ليونيل لوج والأمير ألبيرت معا على التنفس البطني، أي التنفس من طريق حركات الحجاب الحاجز في المقام الأول. وتساعد الدوقة إليزابيث زوجها الأمير ألبيرت في التدرب على ذلك بصبر وأناة. وينجح ليونيل لوج في نهاية المطاف في علاج الأمير ألبيرت. ونتيجة لذلك تمكن الأمير ألبيرت من إلقاء الحديث الافتتاحي في البرلمان الفيدرالي الأسترالي بمدينة كانبيرا بنجاح في العام 1927، ولم يجد صعوبة تذكر في الأحاديث العامة التي ألقاها بعد ذلك.
يشار إلى أن الملكة إليزابيث توفيت في العام 2002 في سن 101 سنة، وهي والدة الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا الحالية منذ العام 1952.
وعندما يرتقي الأمير ألبيرت العرش ويصبح الملك جورج السادس تصبح الأحاديث جزءا أساسيا من واجباته الملكية، خاصة خلال الفترة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية والتي توجب عليه خلالها أن يلقي الكثير من الأحاديث. وقد عمد المخرج توم هوبر إلى بناء الأحداث السينمائية للوصول إلى ذروتها في أول حديث إذاعي ألقاه الملك جورج السادس بعد اندلاع الحرب أمام الميكروفون، قبل ظهور التلفزيون، بوجود مدرب خاص متخصص في فن الخطابة، مع أن الحديث لم يستغرق سوى ثلاث دقائق فقط، بمرافقة السيمفونية السابعة لبيتهوفن.
وقد تعامل المخرج مع هذا المشهد المشحون بالعواطف ببراعة فائقة. ونرى الممثل كولين فيرث وهو يجسد شخصية الملك جورج السادس، محاولا السيطرة على حالة التوتر التي تنتابه والمحافظة على رباطة جأشه في وجه تلك الحالة الصعبة التي يساور فيها القلق مساعديه وأفراد أسرته فيما هو يتوجه نحو الميكروفون. وينجح المخرج توم هوبر إلى أقصى الحدود في تقديم ذلك المشهد المؤثر. وقد نجح المخرج في تمهيد السبيل لتلك اللحظة بسلاسة من خلال جلسات ودروس معالجة النطق بين ليونيل روج والأمير ألبيرت والأحاديث والمشاجرات المسلية بينهما.
يتميز فيلم «حديث الملك» بالتفاصيل التي تصور بواقعية الفترة الزمنية التي وقعت فيها أحداث القصة، وبالدقة في عرض التقاليد الاجتماعية الطبقية التي سادت المجتمع البريطاني، إلا أن قصة الفيلم لا تركز على الحدث الذي هيمن على أخبار العالم وشغل الرأي العام لعدة سنوات، ألا وهو القرار المذهل الذي اتخذه الملك إدوارد الثامن بالتنازل عن العرش في سبيل المرأة «التي أحببتها» والتي طلقت من زوجها الثاني للزواج منه. كما يتميز الفيلم بقوة أداء ممثليه الرئيسين الثلاثة كولين فيرث وجيفري راش وهيلينا بونهام كارتر، والذي انعكس بفوزهم بعدد من الجوائز السينمائية، وخاصة بطل الفيلم الممثل كولين فيرث.
رشح فيلم «حديث الملك» لما مجموعه 101 جائزة سينمائية وفاز بخمس وعشرين منها. وشملت هذه الجوائز أربعا من جوائز الأوسكار لأفضل فيلم ومخرج للمخرج توم هوبر وممثل في دور رئيس للممثل كولين فيرث وأفضل سيناريو، وجائزة الكرات الذهبية لأفضل ممثل للممثل كولين فيرث، الذي فاز بسبع جوائز أخرى من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون وجوائز الأفلام البريطانية المستقلة وروابط نقاد السينما في واشنطن وشيكاغو ولوس أنجيليس وكانساس سيتي وفينيكس وفلوريدا ووسط أوهايو، بالإضافة إلى جمعية نقاد السينما الإلكترونية الأميركية. وفاز الممثل جيفري راش والممثلة هيلينا بونهام كارتر بجائزتي أفضل ممثل وممثلة في دور مساعد من كل من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون وجوائز الأفلام البريطانية المستقلة، كما فاز الممثل جيفري راش بجائزة أفضل ممثل في دور مساعد من رابطة نقاد وسط أوهايو. وفاز الفيلم أيضا بجوائز أفضل فيلم من كل من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون ومن جوائز الأفلام البريطانية المستقلة ومن رابطة نقاد السينما في فينيكس. وبلغت الإيرادات العالمية الإجمالية لهذا الفيلم 310 مليون دولار فيما اقتصرت تكاليف إنتاجه على 15 مليون دولار.