خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

أوغست كونت .. محاولة للدخول بالعالم إلى المرحلة الوضعية

أوغست كونت .. محاولة للدخول بالعالم إلى المرحلة الوضعية

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

تعد ريادة علم الاجتماع موضوعا للتجاذب بين الشرق والغرب، فبينما ولأسباب عاطفية نميل إلى نسبة علم الاجتماع للمؤرخ التونسي الحضرمي عبد الرحمن بن خلدون فإن الأوساط الثقافية الغربية تضع الدراسات الاجتماعية كحقل معرفي يمتلك الشروط الأساسية للاستقلال عن الحقل العام للدراسات الإنسانية يعود أساسا إلى الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت، ليس ذلك تقليلا لما قدمه ابن خلدون من دراسة للظواهر الاجتماعية في إطار اسهامه في فهم التاريخ وحركته أو فلسفة التاريخ، وإنما تأصيلا لقناعة كونت بدراسة الظاهرة الاجتماعية في سياقها كأرقى درجات المعرفة التي تمتد من الرياضيات والفلك وتزيد تعقيدا بدراسة علم الأحياء الذي يقف على ذروته الإنسان كجسد وروح ليندمج في علاقة مع مجتمعه البشري تقوم على نظرة سكونية تتبع العلاقات بين مكونات المجتمع وترى أن أي ازاحة في أحدها أو تأثير كبير عليه تنعكس على جميع المكونات الأخرى، بناء على وجود وفاق بين مكونات المجتمع، وتقوم كذلك على نظرة حركية تتبع تطور المجتمع وترى أن العقل هو المحرك الأساسي للمجتمع في انتقاله من الطور اللاهوتي إلى الطور الميتافيزيقي وصولا إلى المرحلة العلمية.
ولد كونت في مدينة مونبلييه بجنوب فرنسا سنة 1798 وفي الخامسة عشر من عمره تمكن من اجتياز اختبارات تؤهله للالاحاق بكلية الفنون التطبيقية في باريس ولكنه لم يتمكن من الالتحاق بالدراسة فعليا إلا في العالم التالي وذلك لحداثة سنه، أيامه في الكلية لم تستمر طويلا ليفصل بعد تزعمه لحركة احتجاج طلابية سنة 1816، التقى بعدها بفترة وجيزة المنظر الاشتراكي سان سيمون، ويعتقد أن لكونت الذي عمل بجانب سيمون كمرافق وسكرتير أثرا كبيرا في صياغة أفكار سيمون بشكل قوي ومتسق، ويصل البعض للقول بأن كونت هو المؤلف الحقيقي للعديد من كتب سان سيمون، وأيا يكن، فإن العلاقة بين الطرفين لم تستمر طويلا وانتهت بهجر كونت للحلقات المقربة من سيمون، وإن أفادته هذه التجربة في العناية بالعامل الاجتماعي في نظرته للعالم، ولكنه كان يرى أن المدخل لتطوير المجتمع يكمن أساسا في العلم، وذلك بحسب ما يتبدى من مؤلفه المبكر «خطة للمؤلفات العلمية اللازمة لإعادة تنظيم المجتمع».
الانجاز المهم لكونت بجانب ما قدمه من لحظة افتتاحية لعلم الاجتماع الحديث، كان في وضعه الأسس للفلسفة الوضعية وذلك من خلال سلسلة من المحاضرات التي ألقاها على مجموعة من المهتمين بفلسفة العلوم، إلا أن اصطدامه بالمرض العقلي للمرة الأولى جعله ينسحب من القاء هذه المحاضرات، ليعود من جديد وبصورة أكثر نضجا واصرارا ليلقي بمحاضراته لأكثر من عقد من الزمن، وفي إطار هذه المحاضرات بدت تتوضح ملامح نظرته لعلم الاجتماع الذي أطلق عليه في البداية «الطبيعة الاجتماعية»، وأتت مقولات كونت الوضعية لتقول بأن البحث في علل تقف وراء العالم لا يعد سوى لغو وكلام خالي من المعني، وأن نقطة الانطلاق لفهم العالم يجب أن تبدأ من منهج علمي يستطيع أن يربط الظواهر التي يلاحظها الكائن الإنساني بعضها ببعض.
لم يتمكن كونت من الحصول على وظيفة عالية في سلك التعليم الجامعي، وبقيت مهامه منحصرة تدريس بعض المناهج الأولية، كما أنه خضع لظروف اقتصادية صعبة جعلته في أحد المراحل يتلقى المعونة المالية من الفيلسوف الانجليزي جون ستيورات ميل، وأتت واحدة من التجارب العاطفية لتقلب حياة كونت خاصة بعد رحيل صديقته كلوتيلد دي فو، ليبدأ كونت وهو يقترب من الخمسين في تعديل جوهري لأفكاره، حيث لم يعد العلم بالنسبة له وحده كافيا لدفع المجتمع، وإنما يجب أن تقف بجانبه قوة روحية، لم يرها كونت في الأديان القائمة، وإنما أخذ يضع ملامح دينا إنسانيا، وضعيا، وبدأت تهويمات كونت تأخذه في هذه المرحلة التي تختلف كلية عن حياته الماضية، فهو يتصور وجود كائن أعلى ويصوره في أنثى، ويبدأ في تصنيف الشخصيات التاريخية ويضع تقويما يسمي شهوره بأسماء شخصيات مؤثرة في التاريخ الإنساني، ويصمم الطقوس وما إلى ذلك من تصورات تقترب من الهذيان وإن أبقت أحيانا على بعض التصورات القوية التي تميز أعمال كونت، وخاصة فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي، بحيث لم يعد المجتمع محكوما بتطور العلم وعلاقاته، وإنما أيضا وجدت لديه الغايات الأخلاقية التي يمكن أن تحد من أنانية الإنسان ويعترف كونت ضمنا بأن العامل الإنساني الذاتي يمكن أن يؤثر في حركة المجتمع التي تصورها دائما موضوعية ومستقلة.
توفي كونت سنة 1857 متأثرا بسرطان في المعدة وحولت الحكومة الفرنسية منزله إلى متحف، إلا أن تأثيره بقي واسعا على الفكر العالمي وذلك لأكثر من قرن بعد رحيله حيث أخذت الفلسفة الوضعية تكتسب مكانة واسعة في أوروبا والولايات المتحدة حتى منتصف القرن العشرين.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF