بدر ناصح عبدالعزيز
كانت اوروبا في العصور الوسطى تعتقد ان اللؤلؤ قطرات دمع تذرفها الملائكة في البحر، فاذا نفذت تلك القطرات الى الاصداف تنعقد بداخلها على هيئة حبات اللؤلؤ.
وقد كتب المؤرخ (سوطو نيوس) بان الجنرال الروماني (فيتيلوس) قام بتمويل حملة عسكرية من عائد بيع احد اقراط اللؤلؤ التي كانت تقتينها امه.
وفي روما وصل الافتتان باللؤلؤ اوجه خلال القرن الاول قبل الميلاد، عندما كانت المرأة الرومانية تزين اثوابها باللآلئ، وقد قام الامبراطور (كاليجولا) بتزيين فرسه بعقد من اللآلئ.
ومن اكبر لآلئ التاريخ لؤلؤة (التائهة) او (لابيريجرينا) وقد بلغ وزنها ما يساوي حجم بيضة الحمامة، وكتب عنها (جون دكسون) في كتابه (اللآلئ الشهيرة) ان عبدا زنجيا قد وجدها في خليج بنما في القرن السادس عشر، فقدمها هدية لسيده الذي اطلق سراحه من الرق مكافأة له بالاضافة الى بيت وحديقة.
واللؤلؤة لها في اللغة العربية اسماء عديدة منها الجُمانة بضم الجيم، والتومة بالتاء، واذا ما كانت كبيرة ورائعة سميت درّة.
واللؤلؤ هو الحجر الكريم الوحيد الذي يتم استخراجه من البحر، وليس كل اللؤلؤ الطبيعي ذا منشأ بحري، فهو يمكن ان ينتج في رخويات الماء العذب او الانهار، وغالبا ما يعطي المحار النهري انواعا ممتازة من اللؤلؤ الطبيعي.
كيف يتكون اللؤلؤ؟
يتكون اللؤلؤ نتيجة لدخول جسم غريب الى داخل جسم المحارة التي تنتجه، وعادة ما يكون الجسم الغريب عبارة عن ذرة رمل او كائن دقيق اذا ما دخل يقوم على تهييجها، ولان المحارة لا تستطيع ان تطرد ذلك الجسم، فانها تبدأ برد فعل يساعد على التقليل من ذلك التهيج، فتقوم لتكسو ذلك الجسم بمادة لؤلؤية تفرزها طبقة فوق طبقة، والمادة اللؤلؤية هذه هي عبارة عن شبكة من مادة عضوية تسمى (الكونكيولين) تترسب فيها وحولها بلورات من كربونات الكالسيوم التي تكوّن اكثر من 90% من مادة اللؤلؤ.
وتواصل المحارة بفرز تلك المادة على الجسم الغريب الى ان يصبح ناعما وأملس ومستدير تقريبا حتى لا يؤذيها وبذلك تكون اللؤلؤة قد تكونت.
ويتناسب ثمن اللؤلؤ مع لونه وحجمه وشكله ومدى مناسبته لصنع الحُلى، فاللؤلؤة الجيدة لا بد من لمعانها، وكلما كبر حجمها زادت قيمتها، واذا ما تمت استدارتها ارتفع سعرها اكثر واكثر.
وافضل الالوان الابيض ثم الوردي وبعده البنفسجي ثم الاسود، واللؤلؤة النادرة هي التي اذا ما نظرت اليها وجدت كل الوان الطيف فيها.
فاذا ما وجدت لؤلؤة شكلها غير منتظم فمعنى ذلك ان جسما غريبا قد تسلل اليها اثناء التكوين.
ومثل أي شيء له ثمن يكمن له الاعداء، فاقصى اعداء قواقع اللؤلؤ هو ثعبان البحر الذي يمتص الحيوان نفسه، وهناك عدو اخر هو التيار البارد فالقواقع تموت اذا ما بقيت لحظة واحدة في درجة حرارة اقل من سبع درجات سلسيوسية، وتتهالك من التعب في درجة حرارة اكثر من (26) درجة، وهناك العدو الكبير والخطير وهو التيار الاحمر، وسمي كذلك لانه يتكون من كميات ضخمة من الطفيليات التي تعيش عليها القواقع، ولكنها من الكثرة بحيث تغطي سطح الماء فتحول بين القواقع والتنفس فتلفظ انفاسها.
ويُراعى في تصنيف اللؤلؤ وتثمينه الى جانب الحجم والوزن، مجموعة من الخصائص كالنوع والشكل واللون والاشراق ودرجة الاستدارة ونعومة الملمس، فهناك نوع يتمتع بالصفاء والنقاء والاستدارة المكتملة واللون الابيض المشرب بحمرة خفيفة، وهناك نوع غير كامل الاستدارة، وهناك نوع يسهل فصله من جدار المحارة ونوع يكون ملتصقا بجدار المحارة ويتطلب مهارة لتخليصها منها.
زراعة اللؤلؤ
لما كانت عملية دخول جسم غريب داخل الصدفة قد تحصل مصادفة وقد لا تحصل، فإن اللؤلؤ الطبيعي نادر وغالي الثمن، لكن الانسان استطاع ان يكتشف طريقة لصنع اللؤلؤ الطبيعي، حيث يقوم الغطاسون بجمع المحار الذي بلغ سنتين من العمر او اكثر ويحملونه خارج البحر الى اماكن خاصة، حيث يتم تحضيره لانتاج اللؤلؤ، وهذه المرحلة هي الاخطر، لانها يمكن ان تقتل المحار اذا لم تتم بدقة وانتباه، حيث يقوم العمال بفتح الاصداف وبادخال جسم صغير داخل المحار في مكان محدد ووضعه قريبا من كبد الحيوان ثم يتم غلق الاصداف لتوضع بعدها في اقفاص مصنوعة من شباك حديدية وتُعاد الى قاع البحر حيث يمكنها ان تتابع حياتها، ويقوم الغطاسون برعاية هذه المزرعة والاهتمام بها وتأمين الغذاء للمحار لمدة ثلاث سنوات او اربع حتى يحين موعد جمع الاصداف من جديد والحصول على اللؤلؤ الموجود فيها.
ويعود الفضل الى ذلك للمستكشف الياباني (كوكيشي مكيموتو) الذي امضى اكثر من خمسة عشر عاما في تجاربه المضنية بمساعدة زوجته في محاولة لزرع اللؤلؤ، فقاما بزرع الاجسام الغريبة في خمسة الاف محارة، واخذا ينتظران النتائج وفي ايلول عام 1859 تم الكشف عن اول لؤلؤة مزروعة في التاريخ.
الفرق بين الطبيعي والصناعي
يُعد التفريق بين اللؤلؤ الطبيعي واللؤلؤ الصناعي غاية في الصعوبة، ويعتمد على اجهزة وتقنيات معقدة منها فحص الكثافة النوعية التي تزيد في الصناعي عن (73ر2) وفحص الاشعة فوق البنفسجية والاشعة السينية، وفحص الطبقات الداخلية بالاشعة، ثم دراسة حجم النواة بالنسبة لحجم اللؤلؤة، وايضا ايجاد الفارق من ناحية اللون حيث يميل اللؤلؤ الطبيعي الى الصفرة بينما المزروع يميل للون الترابي، واللؤلؤ الطبيعي اكثر صلابة لا تتقشر فيه القشرة الخارجية، وعادة ما تكون استدارة الصناعي كاملة بفعل الانسان، عكس اللؤلؤ الطبيعي الذي يكون غير منتظم الشكل وغير دائري.
كما ان الانواع الصناعية من اللآلئ تتفحم فورا اذا اشعلنا فيها النار، اما الطبيعية فهي تقاوم النار ولا تحترق ابداً.