وليد سليمان- قبل شهور قليلة صدر كتاب ضخم وهام لمؤلفه الرائد المتقاعد جريس يوسف الشعيني بعنوان «الجيش العربي الاردني» وهذا الكتاب هو عبارة عن مجلد كبير احتوى على (803) صفحات وعلى مئات الصور والخرائط والوثائق والجداول وذلك باللونين الابيض والاسود.
وفي هذا الكتاب نلاحظ الجهد الخارق حيث لا يتصور احد ان من قام به هو فرد واحد فقط!! وهو جريس الشعيني.. فقد انجز هذا العمل الوثائقي المميز والذي سيخدم الاخرين كمرجع لا بد منه للباحثين في تاريخ الاردن وكذلك المبدعين من ادباء وفنانين وغيرهم.
والمؤلف جريس انتسب للجيش الاردني عام 1953 برتبة مرشح ثم انه شغل وظيفة ضابط اشارة وقائد سرية مشاة.
البداية.. الحنين الى الصور
وعن بداية انطلاق فكرة اعداد وتأليف هذا الكتاب يقول الباحث جريس الشعيني: لا ادري لماذا تستدعي الصورة بالابيض والاسود كثيرا من مشاعري.. فتجعلني اسير رائحة قديمة.. وناس انقياء لم تدخل عليهم الوان مصطنعة او تزوقهم الايام.. فقد كانت الصور تبعث في نفسي الذكرى وتجعل عيني تسرح في ذلك الزمان.
ففي جريدة «الرأي» كنت على موعد مع صور قديمة تشدني الى التاريخ, كانت الصور التي تطلع علينا كل صباح تحت عنوان «ذاكرة الوطن» تحفزني للتفتيش في خزانتي.. وعادت بي الذكرى الى بداية الخمسينات يوم التحقت بالجيش العربي.. ياه!! كم كانت الذكرى!! وكم كان شريط الايام يُعاد امام عيني.. صور اعادتي الى ايام خدمتي في الجيش وصور يوم تقاعدي عام 1969.. فقد امدتني بعزم على التفتيش عن صور.. وصور.. وصور.
قال لي ولدي فراس بعد ان رأى صورا في ارشيفي تحملها «الرأي» الى ملايين من القراء: لم لا تضمن كل هذا الارشيف الدال في كتاب ؟ّ.. والحقيقة ان الفكرة اعجبتني, وبدأت العمل الذي لا ارجو به الا التوثيق وحفظ الماضي.
ويكمل الشعيني قائلا: وبدأت بالبحث عن الكتب والمراجع التي تتحدث عن الجيش العربي الاردني وعن كل ما يتعلق به ويدور حوله انطلاقا من مكتبة الجامعة الاردنية والمكتبة الوطنية ومكتبة شومان ومديرية التوجيه المعنوي ومؤسسات اخرى.. وقد حددت التاريخ الذي اقف عنده وهو تاريخ احالتي على التقاعد عام 1969 ولكنني ومن خلال قراءاتي للكتب والمراجع التي كانت تعيدني سنة قبل سنة وشهرا قبل شهر ويوما قبل يوم الى ان وصلت الى العام 1517 الذي اعتبرته عام البداية لترابط الاحداث التي كان لها التأثير ليس في تاريخ الاردن فحسب بل ربما في الوطن العربي, والتي تركت آثارها المباشرة وغير المباشرة على المؤسسة العسكرية الاردنية.
ومن المعروف ان عددا من الباحثين قد تناولوا موضوع الجيش العربي الاردني تاريخا وتطورا.. كما تناولوه من حيث التنظيم والتسليح والمواقف والمعارك والحروب بشكل مفصل.. حيث عبروا عن ذلك للقاريء عن مكانة هذا الجيش الذي كان وما زال وسيبقى موضع اعجاب القاصي والداني, والذين كانوا الرافد لي في هذه الكتابة, وهذا ما جعلني لا اخوض بالتفاصيل, بل اعتمدت تسلسل الاحداث وتواريخ مدعمة بما امكن من الصور سواء من عندي, او من عند اصحابها, او من المراجع التي اطلعت عليها.. مما دفعني لتسمية الكتاب بـ»الجيش العربي الاردني ? تسلسل احداث وتاريخ».
المعاناة واختيار الشخص
ويوضح الباحث والرائد المتقاعد جريس الشعيني معاناته الجميلة في البحث اثناء اعداده مادة هذا الكتاب حيث يقول: لم يكن من السهل الحصول على معلومة او صورة او توثيق صورة.. فذلك كان يتطلب اختيار الشخص الذي تريد منه ذلك بالسؤال مثلا عن رقم هاتفه من البريد.. فتكون الاجابات متعددة منها: لا هاتف لاسم من مقطعين.. واذا وجد الاسم كاملا ربما يكون الجواب, لا يوجد رقم هاتف لهذا الاسم.. واذا وجد رقم الهاتف يكون الجواب: الهاتف غير مستعمل.. واذا حصلت على الجواب المطلوب تواجه بالاجوبة من ذويه: تعيش انت.. او مريض ولا يستطيع التحدث.. فاقد البصر.. فاقد الذاكرة.. المطلوب مسافر.
واذا وجدت المطلوب ربما تكون الاجابة سلبية: لا توجد عندي صورة.. او كان عندي صورة مزقها الاولاد.. او عندي كثير من الصور لا اعرف مكانها.. او الصور في صندوق موجود في المستودع.. او الصورة راحت في الضفة الغربية في حرب 1967.. او اخذها واحد ولم يرجعها.. يوجد عنده وسيبحث لك عنها ويتصل بك, وعند الاتصال به يقول لك: ما عندي, وعندما يكون الجواب (عنده) نذهب لاخذها نجد ان الصورة شخصية فقط او صورة بعد عام 1969.. واذا وجدنا الصورة المطلوبة فهي مهترئة.. واذا اردنا اخذها يكون السؤال: متى تعيدها؟! وارجو ان تحافظ عليها كثيرا جدا.. واعطني رقم هاتفك.. واين تسكن.. او يكون الجواب لا نستطيع اعطاءك الصورة او الصور لاننا نريد عمل كتاب عن الجيش الاردني.. والى غير ذلك من الاجابات السلبية.
لكن الشعيبي يستدرك موضحا: وهذا لا يعني ان الاجابات وردود الفعل قد تميزت جميعها بالسلبية بل كان الاكثر منها ايجابيا.. وكان من الكثير ايضا ان رحبوا بي وبالفكرة وبالزيارات المتبادلة والتي نتج عنها العلاقات العائلية والصداقة اللطيفة.
الكتاب كمرجع هام
قام المؤلف بتقسيم كتابه هذا الى ثمانية فصول.. حيث يبدأ الفصل الاول بوضع مشجرات مع صور ملونة للهاشميين اولها العائلة المالكة ثم عائلة الملك الحسين بن طلال, ثم عائلة الملك طلال بن عبدالله, ثم عائلة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين, ثم عائلة الملك حسين بن علي. ويبدأ تسلسل الاحداث التاريخية الزمنية منذ انتصار العثمانيين على المماليك عام 1517 حيث سيطروا على بلاد الشام ومصر وشبه الجزيرة العربية.. ثم ظهور اول تنظيم لليهود في تركيا.. ثم احتلال نابليون بونابرت لمصر وعلاقته مع اليهود.. ثم الحديث عن الحرب العالمية الاولى وما رافقها من احداث وتطورات ومعاهدة سايكس بيكو, وقيام الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين وانجاله الاربعة.
وفي هذا الفصل حديث عن بدايات تأسيس الجيش العربي بمساعدة من الضباط العرب منهم فؤاد سليم وعبدالقادر الجندي ومحمد علي العجلوني الذين شكلوا اربع قوى: قوة الدرك (راجلين) وكتيبة الدرك الاحتياطي (فرسان) والكتيبة النظامية وقوة الهجانة ثم اسماء الضباط الاوائل في الجيش واسماء البلدان التي ينتمون اليها, كما يستعرض المصاعب التي واجهت الجيش في مرحلة التأسيس.. ويوضح ايضا سبب تسمية الجيش بالجيش العربي.
وفي نفس الفصل يتطرق المؤلف والباحث جريس الى المعارك التي خاضها الجيش العربي الاردني والجيوش الاخرى في فلسطين في كل المعارك والثورات منذ عام 1936 وحتى عام 1967. ثم عن الاحداث والتداعيات في الاردن وفي الاقطار العربية المجاورة السياسية والحربية من اتحادات وانقلابات وصراعات.. الخ.
وفي الفصل الثاني حديث عن التشكيلات العسكرية جميعها من قوة الحدود, وقوة البادية, وسرايا المشاة المستقلة (الحاميات), ووحدات المشاة, وسلاح المدفعية الملكي, وسلاح الدروع الملكي, وسلاح الجو الملكي, وسلاح البحرية (خفر السواحل), وسلاح الهندسة الملكي, وسلاح اللاسلكي , وسلاح الحرس الوطني, والمظليون.
وفي الفصل الثالث استعراض للتشكيلات الادارية من دائرة الجوازات وموسيقات القوات المسلحة, وهندسة الكهرباء والميكانيك, والخدمات الطبية, والتموين والنقل الملكي, والشرطة العسكرية, ومطبعة الجيش.
وفي الفصل الرابع حديث عن معسكرات ومدارس ومراكز التدريب التابعة للجيش العربي.
وفي الفصل الخامس حديث عن الضباط في الجيش وعن مدارسهم وكلياتهم. اما الفصل السادس فقد كان عن المراسم والرياضة وليلة النادي.
الفصل السابع خصص للشهداء في المعارك المختلفة منذ 1915 ? 1969 وهم شهداء الاردن على ثرى الاردن وفلسطين.. ثم شهداء الجيش العراقي في حرب 1948 على ارض فلسطين وارض الاردن, وشهداء الجيش المصري عام 1948, وشهداء الجيش السوري وشهداء الجيش السعودي وشهداء الجيش اللبناني.
وفي خاتمة الفصول الثامن كانت هناك ملاحق لصور متفرقة, وزيارة كلية الاركان العراقية, والمراجع والاتصالات الشخصية للمؤلف بعدد كبير من العسكريين والضباط, ثم الفهرس واخيرا الخاتمة.