الجمهور ينتظر أفلام احمد حلمي بترقب مصحوب بثقة كبيرة في أنه سوف يقدم عملاً محترما يستحق الاهتمام ،والحقيقة أن احمد حلمي لم يخذل جمهوره طوال السنوات الخمس الماضية، ويبذل جهدا ملحوظا في اختيار أدواره والحفاظ علي مستواه، بل إنه حريص أيضا على أن يدهش جمهوره بحيث لا يمكن أن يتوقع ما يمكن أن يقدمه أحمد حلمي من أداء، بعكس بعض النجوم الذين حفظ الجمهور بعض الحركات والإفيهات التي يصرون على تقديمها مع كل فيلم يشاركون في بطولته.
وفيلم «عسل أسود» ? بحسب صحيفة ايجيبتي - صاحبته من البداية بعض الشائعات التي تؤكد أن الرقابه اعترضت على أن يكون اسمه «مصر هي أوضتي»! ولكن مخرج الفيلم خالد مرعي نفى هذه الشائعة، وأكد أن فريق العمل لا يزال مترددا في اختيار الاسم المناسب، وليس أمامنا سوى أن نصدقه، المهم أن الأمر استقر أخيرا على اسم «عسل أسود»ليكون عنوانا للفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار خالد دياب وسوف تتأكد من أن الفيلم صناعة مصرية خالصة وليس له أي مصدر أجنبي لأن قضيته وموضوعه وأحداثه لا يمكن أن تحدث في أي مكان آخر في العالم سوى في مصر أم العجائب.
أحداث الفيلم لا تحمل أية مفاجآت ويمكن توقعها بسهولة، لأننا نعيشها ونسمع عنها كل يوم وسبق تقديم تنويعات عليها في أكثر من عمل فني ورغم ذلك فالجمهور لن يفقد متعته أثناء المشاهدة، قصة الفيلم تدور حول مواطن مصري اسمه مصري سيد العربي، وهو اسم متعسف والغرض منه التعبير عن ارتباط الشاب بأصوله المصرية رغم أنه هاجر مع اسرته للولايات المتحدة وعاش بها لأكثر من عشرين سنة ، حصل خلالها على الجنسية الامريكية، وعند عودته لم يفكر في اصطحاب جواز السفر الأمريكي واكتفى بالمصري، على أساس أنه لن يحتاج لغيره طالما هو في زيارة لبلده الأم ! ولكنه وبمجرد أن يضع قدمه على أرض مصر الحبيبة، يلقى معاملة سيئة من الجميع ويعتقد أن تلك المعاملة التي تحمل بعض التجاوز والمهانة تحدث له بصفة خاصة، ولكنه بعد أن يمضي عدة أيام في القاهرة يكتشف أن الامر عادي جدا وأن كل المصريين سواء أمام بعض رجال الشرطة الذين يجدون المتعة في إهانة المواطن وإذلاله ! بل يكتشف أن كل واحد في مصر، يستغل غيره، أو يبتزه أو ينصب عليه، طالما يستطيع ذلك، وأول نموذج يلقاه مصري «أحمد حلمي» هو سائق التاكسي «لبيب لطفي» الذي ينصب عليه ويقنعه بأن الدولار الأمريكي يساوي جنيهين، وأن زجاجة المياه المعدنية بثلاثين جنيها، وأن ساندويتش الفول بخمسين جنيها! وبعد أيام صعبة وظروف مريرة يمر بها المواطن المصري العائد من أمريكا، يـتأكد أن جواز سفره المصري لن يحميه من البهدلة، فيرسل في طلب جواز السفر الامريكي فيصل اليه في البريد السريع بعد يومين، فيقوم بالتخلص من جواز السفر المصري، معتقدا أنه اصبح معه ما يحميه ويجعله مواطنا سوبر لا تمتد إليه أيدي المعتدين، ولكن يحدث أن يتورط «أحمد حلمي»في مظاهرة ضد الغزو الأمريكي في العراق، وبمجرد أن يعلم المشاركون في المظاهرة أنه يحمل الجنسية الأمريكية، ينهالون عليه ضرباً وركلاً حتى يفقد وعيه، وعندما يفيق يكتشف ضياع جواز سفره الأمريكي ونقوده وكل ما يثبت شخصيته، ويفشل في تسديد حساب الاوتيل، الذي يقيم فيه، ويجد نفسه مضطرا للجوء للشخص الوحيد الذي يعرفه في مصر وهو سائق التاكسي النصاب «لطفي لبيب» الذي يردد دائما أن مصر عبارة عن «أوضة وصالة» ،يعني الناس ستتقابل مرة اخرى! ويقرر مصري أو أحمد حلمي اللجوء للسفارة الامريكية طلبا لجواز سفر جديد، ولكنه يجد نفسه في حاجة لاستخراج بطاقة الرقم القومي، ويخضع لابتزاز الموظفين الذين يطلبون الرشوة «عيني عينك» وكأنها حق مكتسب! ويفكر أحمد حلمي في البحث عن منزل الأسرة التي عاش فيها سنوات طفولته، ويجد شقته كما هي لم تمد لها يد المعتدين، وتستضيفه أسرة الجيران، ليقضي معهم بعض الوقت حتى يتم تحديد موقفه واسترداد باسبوره الأمريكي ومع تلك الأسرة يعيش مصري وكأنه بين افراد عائلته، ويشعر بالدفء الذي يفتقده،ويتأكد أن الشعب المصري لا يزال يحتفظ ببعض صفاته التي طمستها الظروف القاسية التي مر بها خلال الثلاثين عاما الأخيرة، ولأن مصر هي أمي ونيلها هو دمي فلابد وأن تتوقع ان أحمد حلمي لابد وأن يعود مرة اخرى رغم أن الطائرة قد اقلعت به الى امريكا!
في الحقيقة أن هذا النوع من الأفلام الذي يعتمد على الطريقة الإنشائية في التعبير عن حب الوطن، يفتقد غالبا للخيال البكر،ويقدم معادلات تقليدية محفوظة، وجمل حوار تشبه الاناشيد الوطنية التي كانت تقدم بالآلات النحاسية، فالمصري هو المواطن الوحيد في العالم المضطر إلى أن يثبت ولاءه الدائم لبلاده بالبقاء فيها فالفرنسي والروسي والجزائري واللبناني والصيني يحب بلاده ولكنه يسافر للخارج من أجل العلم أو العمل او كليهما دون أن يعتبره أحد خائنا أو» ماعندوش أصل» لأنه رفض الفقر والبطالة والهوان وقرر أن يبحث عن فرصة افضل للحياة! وسوف تستمع الى محاضرة طويلة من يوسف داود يحاول من خلالها أن يقنع أحمد حلمي بالبقاء في مصر،وسوف تفاجأ من حين لآخر بصوت «شيرين» وهي تغني «ماشربتش من نيلها» , ورغم أن هناك ثغرات كثيرة في سيناريو خالد دياب إلا أن سحر أداء أحمد حلمي يغفر للفيلم هذا الأسلوب المباشر في طرح القضية ،كما قدم لطفي لبيب احد أهم أدواره في السنوات الاخيره، أما إيمي سمير غانم فقد ظهرت في ثلاثة مشاهد فقط ومن خلالها أكدت حضورها الطاغي وخفة ظلها التي تؤهلها لأدوار أكثر أهمية!
فيلم «عسل إسود» .. احمد حلمي يكشف الواقع
12:00 7-6-2010
آخر تعديل :
الاثنين