وليد سليمان - عادة شرب القهوة السريعة (بالأكواب البلاستيكية والكرتونية الخاصة) أصبحت ظاهرة منتشرة وبشكل مذهل في مدينة عمان في أيامنا الحاضرة.. فهناك المئات من المحلات الصغيرة التي تقدم هذه الخدمة على مدار النهار وحتى منتصف الليل في أغلبها!!.
ومن ذلك ربما نستنتج ان الشعب الاردني أصبح (شريب) قهوة من الدرجة الاولى بين دول العالم!! فقد أصبح من المألوف جداً ان يبدأ اكثر المواطنين في عمان يومهم عند الصباح الباكر بشراء كوب من القهوة السريعة وذلك أثناء ذهابه الى عمله أو وظيفته.. ومن أكثر هؤلاء بالطبع سائقو سيارات العمومي.
وفي محاولة لمعرفة نشوء وبداية ظهور هذه القهوة الشعبية التي يتم تناولها في شوارع عمان (على الواقف) كما يقولون كان لأبواب الرأي هذا اللقاء داخل محل لبائع قهوة متجولة وسريعة في عمان من أشهر المحلات ان لم يكن أقدمها وأولها في هذه المهنة والخدمة التي ابتكرها منذ أكثر من (60) عاما.
في محله الصغير بشارع الامير محمد حدثنا القهوجي (سمير محمد عيسى) قائلاً: كان والدي (ابو عيسى) رحمه الله يبيع القهوة المتجولة على عربة خشبية صغيرة في الثلاثينات على شواطىء مدينة حيفا.. حيث كانت قهوته التي يصنعها على الفحم لها رائحة وطعم مميزان.. وكان ينادي على قهوته بمصاحبة قرع أو رنين فناجين الصيني ليتجمع عنده زبائن كثر ينتظرون قدومه الى الاماكن والمحلات ليشربوا من قهوته اللذيذة على الواقف.. وكان من زبائنه أيضاً في حيفا بعض الجنود الانجليز الذين اعجبوا كذلك بمذاق هذه القهوة حتى اطلقوا على أبي بائع القهوة لقب (الاستاذ) لأنه يجيد مهنته هذه.
ثم يذهب أبو عيسى الى مدينة نابلس لفترة بسيطة ثم يهاجر الى مدينة عمان في عام 1948 حيث استقر به المقام في فتح بسطة أو عربة صغيرة عند سوق اليمنية في شارع الملك طلال.. وكان بذلك من أقدم وأول من امتهن هذه المهنة في مدينة عمان يبيع القهوة في بسطته الثابتة من الصباح الباكر وحتى الساعة التاسعة ثم يتجول بدلة (ابريق القهوة النحاسي) بيديه مع فناجين الصيني على محلات شوارع عمان القليلة آنذاك.
وكان المرحوم أبو عيسى الذي توفي عام (2006) رجلاً طيباً وذكياً يتميز بحسن هندامه وحفظه للقرآن الكريم وصدقه ونظافته في عمله الذي اخلص له وأتقنه حتى عرفه وأحبه معظم رجال عمان ومن جميع الفئات: سياسيين وأدباء وموظفين وسائقين وتجار وطلاب.
ويكمل السيد سمير نجل (أبو عيسى) والذي واكب والده في عمل القهوة نحو عشرين عاماً موضحاً مسيرة والده في تطوير وتحديث هذه المهنة (القهوة السريعة) بقوله: وفي العام 1984 يفتتح والدي هذا المحل الثابت للقهوة في شارع الامير محمد حيث كان أول محل متخصص في هذه الخدمة في عمان.. وظل الزبائن القدامى هم نفس الزبائن في أسواق: اليمنية, ومنكو, والذهب, والبلابسة, والبخارية, وشارع طلال, وفيصل, وبسمان.. الخ غير الزبائن الآخرين السائرين على أقدامهم وغير ذلك كما أشرنا سابقاً.
وفي زيارة قديمة للسيد (أبو عيسى) لبيروت هناك يرى محلاً يبيع القهوة بالكاسات أو الأكواب البلاستيكية الصغيرة فتعجبه الفكرة فيتعاقد على شراء كميات منها الى عمان ليبدأ بهذه الظاهرة الجديدة صب القهوة بها للزبائن ثم ذهاب الزبون مع كوب القهوة أينما يشاء.. وبذلك فان هذه الفكرة جعلت الاقبال على شراء وشرب القهوة يزداد كثيراً جداً.. حتى انتشرت الفكرة الى مئات المحلات التي افتتحت فيما بعد بسبب هذه السرعة والحرية في شرب القهوة أينما كان الشخص غير مرتبط بالوقوف للشرب بفناجين الصيني التي لا بد ان يعيدها لصاحب القهوة.
هذا وقد أصبح محل قهوة (ابو عيسى) معلماً بارزاً وهاماً من معالم مدينة عمان السياحية حيث جاء في (دليل سياحي من اليابان) اسم هذا المحل للقهوة للسياح الذين يزورون عمان.. وغير هؤلاء من السياح يأتي آخرون للبحث عن محل وقهوة أبي عيسى السريعة أيضاً لأن معظم المكاتب السياحية تضع ضمن أنشطتها شرب قهوة أبي عيسى.
وفي تطور جديد آخر نشأ حول تعامل سكان عمان مع هذه القهوة السريعة والتي يمكن ان تشرب كقهوة حلوة وقهوة سادة وقهوة وسط وقهوة بحليب وذلك حسب مزاج وطلب الزبون فان البعض صار يطلب من محل أبي عيسى للقهوة خدمة الاشتراك بعمل وتقديم القهوة السادة مثلاً لمئات أو آلاف من الناس وذلك في مناسبات الاعراس أو مآتم العزاء.. أو في الحملات الانتخابية أو عند اقامة بعض المعارض الصناعية أو الفنية .. كذلك بعض المحلات أو المؤسسات قد تطلب يومياً تأمين وايصال ابريق من القهوة لزوارهم أو موظفيهم.. أما في شهر رمضان المبارك فهناك من الزبائن من يطلب بعض زجاجات القهوة الباردة بالهيل الفاخر للبيت لتسخينها بعد الافطار ليلاً والتلذذ بشربها لكل أفراد العائلة والضيوف.
هذا وللعلم أخيراً فان تناول القهوة باعتدال وليس بكثرة يفيد وينشط الجسم والعقل.. وان استهلاك الاردن للقهوة لعام 2006 بلغ اكثر بقليل من (10) ملايين كيلوغرام.