محمود الزواوي - يزخر الفيلم الديني 'آلام المسيح' (2004) بالمفارقات التي رافقت جميع مراحل إنتاجه وعرضه، وبما أثاره من الجدل، حتى أن مجلة إنترتينمينت ويكلي الفنية الأميركية اختارته في المركز الأول في قائمة أكثر 25 فيلما مثيرا للجدل في تاريخ السينما.
وقد لا يكون هناك فيلم يرتبط بشخصية معينة كما هو الحال بالنسبة لفيلم 'آلام المسيح' الذي يقترن بالفنان ميل جيبسون، الأميركي المولد والأسترالي النشأة والشهرة قبل أن يصل إلى هوليوود في العام 1984 ويصبح من كبار نجومها.
فالفنان ميل جيبسون هو صاحب الفكرة وراء مشروع فيلم 'آلام المسيح'، وهو مخرج الفيلم والكاتب المشارك لسيناريو الفيلم، ومنتج الفيلم ومموله، والمشرف على ترويجه وتسويقه وجني أرباحه. كما أنه الشخص الذي تحمل مسؤولية الفيلم والجدل الذي أثاره والهجمات التي تعرض لها.
تعرض فيلم 'آلام المسيح'، الذي يتعلق بالاثنتي عشرة ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح في مدينة القدس، لحملة شعواء حتى قبل إنتاجه، من بعض المنظمات والشخصيات اليهودية الأميركية التي رأت أن قصة الفيلم ستثير مشاعر معاداة اليهود لأن الفيلم سيربط موت السيد المسيح باليهود.
ومن المفارقات أن الفيلم لم ينج من معارضة بعض رجال الدين والعلماء المسيحيين، ممن قالوا إن الفيلم لا ينسجم مع ما ورد في الأناجيل. إلا أن معظم رجال الدين المسيحيين، وعلى رأسهم قداسة البابا بولص الثاني، رأوا أن الفيلم يقدم تصويرا واقعيا لصلب المسيح، كما ورد في العهد الجديد.
يصور فيلم 'آلام المسيح' الآلام المبرحة التي عانى منها السيد المسيح أثناء إلقاء القبض عليه ومحاكمته وتعذيبه وصلبه، بما في ذلك جلده بالسلاسل الحديدية. وعلق ميل جيبسون على العنف المفرط في الفيلم بقوله إنه حاول أن يجعل الفيلم واقعيا قدر المستطاع، وإنه أراد أن يشعر الجمهور بأنه موجود في موقع الأحداث، وأن يشاهدها كما حدثت بالفعل.
يشار إلى أن سيدة أميركية في مدينة ويتشيتا بولاية كانزاس أصيبت بنوبة قلبية أثناء مشاهدة مشهد صلب المسيح يوم افتتاح الفيلم وفارقت الحياة.
قام الفنان ميل جيبسون بتمويل إنتاج فيلم 'آلام المسيح' الذي بلغت تكاليف إنتاجه 30 مليون دولار من جيبه الخاص بعد أن امتنعت جميع استوديوهات هوليوود الرئيسة عن تمويل إنتاج الفيلم. ولم يقتصر تحفظ الاستوديوهات على موضوع الفيلم الديني المثير للجدل، بل انتقد مدراؤها العنف المفرط في الفيلم وما اشتمل عليه ذلك من مشاهد دموية، ما أثار تخوف بعض مدراء الاستوديوهات الذين يبحثون دائما عن ضمانات لتحقيق أرباح من استثماراتهم المالية.
ومن المفارقات أن فيلم 'آلام المسيح' حقق نجاحا جماهيريا فاق كل التوقعات. فقد بلغت إيراداته العالمية الإجمالية على شباك التذاكر 612 مليون دولار، وزادت تلك الإيرادات على المليار دولار بعد إضافة مبيعات أشرطة الفيديو والـ دي في دي والهدايا التذكارية المرتبطة بالفيلم.
وعاد الفيلم على ميل جيبسون بأرباح قدرت بخمسمائة مليون دولار، تبرع بمائة مليون منها للحركة الكاثوليكية التقليدية.
ومن الأرقام القياسية العديدة التي سجلها فيلم 'آلام المسيح' أنه يحتل المركز الأول في مبيعات التذاكر مقدما في تاريخ السينما، وهو صاحب أعلى إيرادات يحققها فيلم ديني في تاريخ السينما، وأعلى إيرادات يحققها فيلم ناطق بلغة أجنبية (اللاتينية والآرامية) يعرض في دور السينما الأميركية. وقد اقترن النجاح التجاري للفيلم بنجاحه الفني. فقد رشح الفيلم لما مجموعه 33 جائزة سينمائية، وفاز بسبع عشرة منها. وشملت الترشيحات ثلاثا من جوائز الأوسكار، كما فاز الفيلم بلقب خيار الشعب للعام 2005 في استطلاع شعبي أجري في الولايات المتحدة.
ومن المفارقات العديدة الأخرى المرتبطة بفيلم 'آلام المسيح' أن الممثلة التي قامت بدور السيدة مريم العذراء ممثلة يهودية هي الممثلة الرومانية مايا مورجينستيرن، بل إنها كانت حاملا أثناء تصوير مشاهد الفيلم دون أن تفصح عن ذلك. كما أنها تكبر بطل الفيلم الممثل الأميركي جيمس كافيزيل الذي قام بدور السيد المسيح بست سنوات فقط، مع أنها قامت بدور والدته.
أما بطل الفيلم جيمس كافيزيل فقد تعرض لعدد كبير من الإصابات أثناء تجسيده للسيد المسيح، ومنها إصابته بخلع في كتفه إثر سقوط الصليب الذي يزن 75 كيلوغراما عليه، كما تعرض أثناء ضربه بالسوط لضربتين فعليتين دون قصد، تركت إحداهما ندبا دائما على ظهره طوله 35 سنتمترا. كما تعرض لصاعقة برقية مرتين، وأصيب بمرض هبوط الحرارة بسبب برودة الطقس الشديدة في إيطاليا أثناء تصوير مشاهد الفيلم.
وأخيرا وليس آخرا، فقد استغرقت عملية الماكياج التي تعرض لها الممثل جيمس كافيزيل قبل التقاط مشاهد السيد المسيح أثناء التعذيب لعشر ساعات في كل يوم. وكان يضطر أحيانا للنوم قبل إزالة الماكياج في الأيام التي تعذر فيها تصوير مشاهد الفيلم بسبب سوء الأحوال الجوية.
