في معنى الوطن: فذلكة فيزيوقراطية

في معنى الوطن: فذلكة فيزيوقراطية

من لطائف ما تشتمل عليه الفيزيوقراطية ان الملكية العقارية هي الشكل الصحيح للملكية، وان الزراعة «هي المولدة الوحيدة للثروات». بل قد يراها بعضهم الاساس الشرعي الاول لها، على حين يرى ان التجار والمتمولين «غرباء عن المدينة» ومهيئين على الدوام لانتهاز ارتباكات الاوطان حتى يزدادوا غنى فوق غنى وتتعاظم ثرواتهم.

والفيزيوقراطية فيما يبسط لنا من مفهومها هي مزيج من الليبرالية الاقتصادية والاستبداد المستنير اذا صح ان ثمة في الوجود استبدادا مستنيرا. وهي تقوم على اربعة اقانيم هي الطبيعة والحرية والارض والاستبداد القانوني، وتتخذ لها شعارا ظاهره بريء هو قولهم: دعه يعمل، دعه يمر، او اتركوا له حرية العمل وحرية المرور والانتقال، على حين كانت ترجمته في الواقع: «دعه ينهب، دعه يقتل، دعه يحتل، دعه يدمر الحضارة».

ونحن اذ نجادل في مفهوم الاستبداد المستنير او نقف رافضين مبدأ الاستبداد القانوني، فاننا قد نقف موقف المتدبر من قول الفيزيوقراطيين: «ان على الدولة ان يحكمها الملاكون العقاريون لانهم وحدهم من يملكون وطنا»، ذلك ان واقع الحال، فيما نسمع ونرى، ان المتمولين الذين تراهم الفيزيوقراطية «غرباء عن المدينة» هم وحدهم القادرون على امتلاك العقارات فيها. اما مالكو العقارات التقليديون فقد دفعهم ايقاع التغير السريع الى التخلي عنها لمن يدفع لهم تكلفة اللحاق الظاهري بهذا التغير. وبهذا فقد تبين ان لا بائع العقار ولا مشتريه قد راعيا معنى الوطن فيما قاما به من نشدان منفعتهما الخاصة. وان للوطن بما هو قيمة، دلالة مختلفة اشد الاختلاف عما يتداوله البائعون والمشترون واننا نلتمس هذه الدلالة عند الجندي الذي يضحي بنفسه في سبيل الوطن، وعند العامل الذي قد لا يجد مأوى، وعند رجل العلم الذي لا يكاد يجد قوت يومه، وعند رجل الاخلاق الذي لا يعول في كثير او قليل على ما يملك المالكون.

ليس من ملاك العقارات اذن هم الوطنيين بامتياز او بغير امتياز، ولا هم اصحاب الاموال او الذين يملكون شراء هذه العقارات، فالوطن واقعا وقيمة اكبر من كل هؤلاء، وهو اعمق رسوخا في الغالب عند اولئك الذين لا يملكون ارضا ولا اموالا.

وعلى أن في ما نقول دفعا لرؤية تأتينا من بيئة مختلفة لا منطق في التزامنا الحرفي بها. الا ان فيه بعض تحذير من مضاهاة المبادىء المنقولة دون تحليل وتقدير، وان ذلك حسبنا في مثل هذا المقام من تدبر الكلام.