عمان- طارق الحميدي - بين الاتهام بالتقصير والتعذر بالقضاء والقدر رحل معاذ أبو عمريه طالب السنة الخامسة في كلية الطب عن الدنيا تاركا وراءه أحلامه الوردية ،حتى قبل أن يودع أمه أو باقي أفراد أسرته الذين يقطنون في جنين ولم يرهم منذ (9) شهور.
وكان مقدرا لمعاذ أن تكون محمية وادي الموجب هي آخر مكان تراه عيناه عندما وافته المنية غرقا هناك في ظروف يقول أصدقاؤه الذين كانوا معه وقتها أنها تقصير واضح من موظفي المحمية بينما يقول مديرها أن ما حدث كان قضاء وقدرا وأنه كان ليحدث حتى ولو تبدلت الظروف.
و بقي أصدقاء معاذ الذي يدرس في جامعة العلوم والتكنولوجيا المكلومين على صديقهم الذي توفي أمام أعينهم عاجزين عن وصف الطريقة التي مات بها خاصة وأنهم كانوا موجودين إلا أنهم لم يستطيعوا فعل أي شئ سوى طلب المساعدة والتي لم تفد بإنقاذه.
ويقول حمزة عويضة أحد أصدقاء معاذ والذي يزامله السكن في ذات الغرفة أن القصة بدأت حين قرر الأصدقاء قضاء عطلة مميزة للعام الحالي خاصة وأنهم مقبلون على عام جديد يحتوي الكثير من الدراسة.
ويكمل :ذهبنا إلى المحمية يوم الجمعة الموافق 3/7/2009 وكان عددنا (19) شابا كلنا ندرس الطب وفي ذات السنة وبعد أداء صلاة الظهر دخلنا المحمية جميعا بعد أن دفعنا عن الشخص مبلغ (5ر7) ديناربدل (10) دنانير لأننا مجموعة كبيرة.
ويضيف وعند دخولنا لم يرافقنا أي شخص من المحمية و لم يقوموا بإعطائنا سوى (5) سترات واقية للسباحة كما أنهم لم يقوموا بعرض خوذ الرأس علينا في حال احتجناها .
ويقول حمزة :على الرغم من وعورة بعض مناطق المحمية وهي عبارة عن نهر صغير يجري بين جبلين عاليين وتفاوت ارتفاع منسوب المياه من مكان لآخر بالإضافة لوجود بعض المناطق التي يصعب المسير عليها إلا أنه لم ير أي شاخصة تحذيريه طول منطقة الطريق إلا واحدة ولم تكن مثبته بالشكل الصحيح.
ويضيف حمزة أنه وعند بداية المسير تعثر صديق لهم على صخرة صغيرة بالقرب من شلال صغير هو نفسة الشلال الذي وقع من عليه الطالب معاذ في طريق العودة وأصيب برض بسيط في قدمه ما منعه من إكمال مسيره وبقي معه ثلاثة من أصدقاه للاعتناء به وأكمل الـ(15) الباقون مسيرهم في المحمية.
وعن كيفية سقوط المتوفى معاذ يقول حمزة بحرقة أنه وفي الطريق العودة وقف أمام الشلال الصغير ينظر إلى الأسفل فانزلقت قدمه وسقط لتعلق منطقة الحوض بين صخرة كبيرة والشلال وبقي وجهه داخل المياه ويضيف :عندها حاولنا جميعا سحبه من المياه وتحريره منها إلا أننا لم نستطع كما أنه لا تتوفر أي اسطوانة أكسجين قريبه كي نساعده على التنفس.
وفي هذه الأثناء بينما كان أصحاب معاذ يحاولون إبقاءه على قيد الحياة يصارعون الوقت بالرغم من ضعف الإمكانيات وذلك لعدم توفر الأدوات المطلوبة معهم ركض احمد زطام وهو أحد الشباب المتواجدين في الرحلة بطريقة هستيرية لطلب النجدة من غرفة إدارة المحمية التي لا تبعد عن منطقة الحادث سوى (200) متر فقط بسبب عدم وجود منقذين أو مرشدين على طول الطريق.
وقال أحمد :عندما وصلت غرفة الإدارة وجدت شخصا مستلقيا ويشرب الشاي لم يكن يرتدي زيا يعرف من خلاله المراجع أنه منقذ ولكن جلوسه في الغرفة دفعني لأخبره ما حدث وأطلب منه المساعدة ، نهض ببطء وسار حتى وصلنا المنطقة وبعدما ألقى نظرة عاد إلى غرفته من جديد وأحضر معه عدته واسطوانة الأكسجين لأنه لم يكن قد أحضر معه أي شيء في المرة الأولى.
وأضاف : عندما عاد لم تكن الأدوات التي يحملها تفي بالغرض لإنقاذ معاذ وعندها جاءت كوادر الدفاع المدني والتي أيضا وجدت صعوبة في إخراج معاذ أو تحريره ليتمكنوا من ذلك بعد ما يقارب الساعتين حين كان فارق الحياة وقتها.
ومن جانبه قال مدير الجمعية الملكية لحماية الطبيعة والتي تتبع المحمية لها يحيى خالد أن السياحة الموجودة في محمية الموجب هي أصلا تدخل في إطار سياحة مغامرة وبالتالي تنطوي على نوع من المغامرة ويوجد فيها هامش خطورة ولو بسيط لأنها منطقة وعرة وهذه الخطورة هي ما تجعل منها منطقة جذب بالنسبة للزوار.
وعن ظروف وفاة معاذ قال أنه حتى لو كان المنقذ متواجدا لما استطاع أن يخرج المتوفى وذلك لصعوبة الموقف وأشار أن كوادر الدفاع المدني التي تتلقى تدريبات مكثفة وتمتلك الإمكانيات الفنية و اللوجستية استطاعت تحريره بصعوبة بالغة وبعد وقت طويل مؤكدا أن موظفيه على سوية عالية وإعداد نفسي وبدني جيد جدا.
أما عن تواجد منقذين قال مدير السياحة في محمية الموجب عامر العقبي أن وجودهم على طول الطريق هو طلب مثالي ومن الصعب تطبيقه بالإضافة إلى أن الممر يصنف سهل نسبيا وحادثة الغرق التي حصلت حادثة فردية لا يمكن القياس عليها .
وقال أن المحمية التي يقصدها الزوار للمسير خلال الممر المائي الصغير يبلغ طولها (2) كم يتم إغلاقها أمام الزوار من شهر تشرين الثاني وحتى شهر آذار وذلك لارتفاع منسوب المياه وتعرض مجرى المياه للفيضانات وهو ما قد يشكل خطورة على سلامة الزوار.
وبين أن العمق يتفاوت داخل المحمية من منطقة لأخرى إلا أنه لا يتجاوز المترين في أقصى حالاته وفي أماكن قليلة جدا حيث يكون في معظم مناطق السيل أقل بكثير كما أن إدارة الجمعية تقوم بعمل صيانة سنويا للمحمية قبل أن تفتح أبوابها للزوار من أجل تفقد أماكن الخطورة.
ونفى العقبي عدم وجود اليافطات التي تحذر من المناطق الخطرة وأشار إلى أن الجمعية شكلت لجنه للتحقيق في ظروف وفاة الطالب وأن المقصرين سيتم محاسبتهم إن وجدوا.
وكانت المحمية أعلنت عن سلسلة من الإجراءات التي ستتبعها بعد حادثة الوفاة بأيام قليلة منها إعطاء سترة سباحة وخوذة واقيه للرأس لكل زائر وتخصيص اثنين من الأدلاء ليبقيا على رأس عملهما في أيام العطل وخاصة عند المناطق الأكثر خطورة بالإضافة لتحديد عدد الأشخاص المتواجدين داخل الممر في الفترة نفسها بـ(60) شخصا كحد أعلى.
وضمن التعليمات الجديدة التي يعتبرها أصدقاء معاذ دليلا على عدم وجودها في السابق ستوجب المحمية الزوار إلى توقيع وثيقة إخلاء مسؤولية ومن التعليمات الجديدة أن المحمية ستطالب بوجود فرق من الدفاع المدني والشرطة السياحية داخل المحمية بالإضافة لتوزيع المزيد من اليافطات الإرشادية في ألاماكن الخطرة في المجمعية .
وبعد رحيل معاذ بقي أصدقاؤه يتساءلون عن دور المحمية التي تتقاضى على الشخص الواحد (10) دنانير في تأمين المكان وتوفير وسائل اتصال في الحالات الطارئه أو على الأقل موظفين يجوبون المنطقة للحفاظ على سلامة الزوار مطالبين في الوقت ذاته بمحاسبة المسؤول حتى لا يكون هناك معاذ آخر في المستقبل .