ديدان الأرض أنفع الحيوانات

ديدان الأرض أنفع الحيوانات

عـادل محمد علي الحجــاج - سؤال يتبادر إلى أذهان كل منا، لماذا تعد ديدان الأرض انفع الحيوانات كلها؟ ذلك لأنها كانت السبب في وجود معظم الأراضي الخصبة على سطح الأرض. فلديدان الأرض أهمية زراعية أساسية، كما أدرك جلبرت وايت قبل سنين طويلة وأثبته داروين وذلك للأسباب الآتية: فهي حين تحفر الأرض، تحدث ثقوباً تفتح الطريق أمام جذور النباتات وقطرات الماء، وتساعد على تهوية التربة.
وهي تسحق التربة داخل حويصلاتها الشبيهة بالطاحونة، فتنتج سطوحاً جديدة تحدث عليها عملية الإذابة وغيرها.
وهي تغطي سطح التربة بنفاياتها، وتدفن أوراق الشجر، وتساعد هذه النفايات والأوراق عند تحللها على تكوّن الفطريات.
هناك أنواع مختلفة من الديدان الأرضية، توجد في اغلب بقاع العالم، فيما عدا الأماكن الشديدة الجفاف أو الرطوبة، والتربة الملحية، والمناطق الجليدية. ولقد وجد العلماء ان عدد الديدان في الفدان الواحد من الأراضي الصالحة للزراعة هو (000,250 دودة)، وان القناة الهضمية لهذه الديدان تمر من خلالها عشرة أطنان من التربة سنوياً في الفدان الواحد، وإنها تغطي سطح التربة بفضلاتها، بمعدل ثمانية سنتيمترات في كل خمسة عشر عاماً.
أنها بحق أعظم صانع للتربة في العالم.
لقد كتب جلبرت وايت في عام 1777م رسالته المشهورة عن (الديدان الأرضية) وهي من أحسن الأمثلة لنتاج الملاحظة الصبورة المتأنية لرجل يعيش في الريف. ويجدر بنا ان نرجع إلى تلك الرسالة الرائعة حتى نقدر مدى دقتها من جديد، ذلك ان جلبرت وايت في تصويره لعمل هذه الديدان، قد استبقى اغلب المسائل التي أثبتها داروين، وهو العالم الحذر المدقق، إثباتاً بلغ حد الكمال. لقد قال وايت في رسالته المحكمة، المتطلعة إلى المستقبل: ((ان البحث الجيد عن ديدان الأرض كفيل بالترويح عن النفس وتزويدنا بالكثير من المعلومات في نفس الوقت، وهو يفتح ميداناً جديداً واسعا للتاريخ الطبيعي)). وهذا صحيح، فان كل من زار بيت داروين المســــــمى [دون هاوس - Down House]، لابد قد راعه منظر الحجر المسطح الملقى في حديقة المنزل، والذي استعمله داروين في تلك التجارب الشهيرة التي اثبت فيها ان ديدان الأرض هي أكثر حيوانات العالم فائدة من الناحية العملية. وقد قال وايت في رسالته: ((لقد رأينا ان نعرض هذه النبذات عن دودة الأرض حتى يكون فيها حافز لمحبي البحث والتأمل على العمل)). وقد نشر بحث داروين الرائع في علم البيئة في عام 1881م، أي قبل وفاته بعام، وهو نتاج أكثر من أربعين عاماً من الملاحظة التي بدأت عندما كان طالباً شارداً يدرس الطب بجامعة ادنبره. ورغم عظمة دراسة داروين لتلك الديدان، فلا يزال هناك مجال أمام محبي البحث والتأمل للاستمرار في العمل.
أنها فعلاً أقوى مخلوق على الأرض بالنسبة إلى حجمها. فهي متينة ومرنة ومطاطة وشكلها يلائم تماماً حياتها تحت الأرض.
ويمكن لدودة وزنها اقل من ثلث الأوقية ان تحرك حجراً وزنه أوقيتان - أي ما يماثل حجراً وزنه طن بالنسبة للإنسان - يزيد وزنه 60 ضعفاً عن وزنها.
هذه الديدان لاتكلف نفسها عناء البحث عن الطعام بل تستطيع ان تستفيد من التربة التي تجد نفسها فيها - وتستطيع ان تتحرك في داخل اصلب تربة بواسطة سلسلة من الأشواك الصغيرة القابلة للانتصاب، والمرتبة بنظام معين على حلقاتها، وبواسطة المطاط الذي تفرزه أيضاً. وتتمسك الأشواك في جزء من جسمها بالتربة، بينما ترتخي أشواك الجزء الأخر وبذلك ينسحب الجسم تدريجياً إلى الأمام أو الخلف. وحركتها ليست ثعبانية بل تموجية. ويمكنك الشعور بهذه الأشواك إذا أمررت إصبعك على جسم الدودة من الأمام إلى الخلف. ومن غير هذه الأشواك لاتستطيع الدودة السير في التربة. وبالرغم من ان الديدان عمياء إلا أنها تحس بالضوء فتغتذي أثناء الليل فقط، وتخرج من أنفاقها بعد الغروب وتعود اليها ثانية قبل الشروق.
هناك العديد من أنواع ديدان الأرض، فمنها النوع المعروف في الحدائق والحقول، ومنها أنواع مائية يحبها صائدو الأسماك، ومنها أيضاً عمالقة طولها (120سم) تهز الأرض أثناء تجوالها في الطين.
وتوجد ديدان الأرض في كل بلاد العالم ما عدا الأراضي الشديدة الجفاف وكل ديدان الأرض خنثى، ولكن لاتلقح الدودة نفسها بل يجب ان تتقابل دودتان. وتعطي كل منهما للأخرى حيواناتها المنوية التي تخزن في حوصلات منوية خاصة. وعندما تنفصل الدودتان تصنع كل منهما حلقة من المخاط المتين توضع فيه البويضات والحيوانات المنوية ثم يقفل طرفا الحلقة المفتوحان وتأخذ الحلقة شكل حبة الليمون الصفراء وتسمى شرنقة. وهي تختلف عن شرنقة الحشرات. ويوجد في الشرنقة من (1-20 بويضة) تفقس وتعطي ديدانا رفيعة حمراء في مدة (10-14 يوماً). وإذا جففت الشرانق أو وضعت في ثلاجة فان الأجنة يمكن إرسالها إلى أي مكان في العالم. ويمكن ان تعيش هذه الديدان داخل الثلاجة لمدة (18 شهراً). وتشير الأبحاث الحديثة إلى ان السبيل الوحيد لاستعادة خصوبة التربة قبل فقدها نهائياً هو استخدام ديدان الأرض. فبهذا الاستخدام قد تتمكن البشرية من إنقاذ موارد غذائها.
وقد توصل علماء الأحياء إلى عدة وسائل لإنتاج أعداد ضخمة من ديدان سليمة نشيطة في مساحات صغيرة. وهناك مزارع خاصة لديدان الأرض حيث تنتج كميات هائلة من هذه الديدان بنفقات زهيدة. وهذه المزارع قائمة بعملها فعلاً في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وفرنسا ومصر ودول أخرى كثيرة. وقد اثبت التحليل العلمي انه ليس هناك أغنى مما تطرحه الديدان لتنمية أي محصول. فهو يحوي من النترات خمسة أضعاف ما تحويه التربة العادية و11 ضعفاً من البوتاسيوم وسبعة أضعاف من الفسفور وثلاثة أضعاف من المغنيسيوم و40% زيادة في المادة العضوية. وكل هذه العناصر الغذائية النباتية على صورة ابسط مما هي في التربة.
وكما قال الدكتور توماس.ج.باريت العالم الأمريكي ((ان الله يعطينا التربة الجيدة وهو قد وضع سرها في دودة الأرض)).
الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم