وليد سليمان - كان شارع الملك فيصل قديماً يسمى (ساحة الملك فيصل الاول) بسبب ان هذا الشارع قصير الطول ولكنه عريض جداً حيث انه كان اشبه بساحة أو ميدان كانت تجري فيه عادة كل احتفالات الاردن قديما من وطنية ورسمية وشعبية، وكانت وحدات الامن والجيش والشرطة والخيالة تقوم باستعراضاتها وسط حشود المواطنين والاعلام والزينة ومنصات الخطابة والتكريم التي كانت ترتفع وسط هذا الشارع او هذه الساحة الكبيرة.
وساحة الملك فيصل الاول مشهورة منذ عشرينات القرن الماضي حيث عايشت نشوء عهد امارة الاردن ومن ثم عهد المملكة والاستقلال، اذ انه في العام 1946 تزينت هذه الساحة وبشكل فخم جدا بالكثير من اقواس النصر وسعف النخيل والاعلام والزينة فرحا باستقبال جلالة الملك عبدالله الاول القادم من لندن بعد اعلان استقلال الاردن حيث احتشد الاف المواطنين والضيوف من كل انحاء الاردن والدول الاخرى للاشتراك بعيد الاستقلال والاستماع الى كلمة جلالته من فوق المنصة المزركشة التي اقيمت وسط هذا الشارع او الساحة، حيث انطلقت بعدها وحدات الجيش والامن والفرسان على خيولهم استعراضات عسكرية جميلة ومدهشة وسط اصوات الزغاريد والاهازيج الوطنية.
ومن الاحداث الهامة التي شهدها هذا المكان ايضا قبل ذلك أي في ثلاثينات القرن الماضي اذ كانت البيوت والمباني على جانبي هذا الشارع مبنية من الطوب والحجارة ومسقوفة بجسور خشبية ولا تزيد معظم المنازل عن طابق واحد فقط.. هو مرور جنازة الشريف الحسين بن علي مفجر الثورة العربية الكبرى رحمه الله في شارع فيصل وسط احتفاء جنائزي ضخم عسكري وشعبي مهيب وذلك في طريقه الى القدس الشريف ليوارى جثمانه الطاهر هناك وذلك بناء على وصيته، ورغبة اهل فلسطين ايضاً.
اما عن بعض المعالم القديمة والاحداث والمواقف الانسانية وغيرها والتي ترتبط بذكرى هذا المكان والمباني في ساحة فيصل فقد كان ل(ابواب) الرأي هذا اللقاء مع السيد ماضي والذي ولد في تلك المنطقة منذ نحو سبعة عقود.. فقد كان والده المرحوم عبدالرحمن باشا ماضي من كبار الملاكين المعروفين وكانت له بنايات تجارية بجانب البنك العربي وما زالت حتى الان بعد ان تم اعادة بنائهما على الطراز المعماري الحديث، الا بناية واحدة بقيت كما هي منذ العام 1924 اذ تم استئجار الطابق العلوي مؤخرا لاقامة متحف تراثي لعاشق الفنون الدوق المعروف ممدوح بشارات وقبل ذلك كان هذا المكان فندقا عرف تحت اسم (فندق حيفا) ثم انه قبل ذلك وفي الاربعينات كان مقراً لمركز بريد عمان، حيث انتقل البريد فيما بعد الى مركزه الدائم في اول شارع الامير محمد.. وبجانب هذا المبنى والذي لا يبعد عن البنك العربي الحالي سوى (4) امتار وهي الدخلة التي يوجد بها كشك الثقافة العربية بائع الكتب الشهير حسن ابو علي ومطعم حلويات وكنافة حبيبة كانت توجد بناية او عمارة الور والتي كانت تتفجر من ارضها نبعة ماء غزيرة.. وقد ازيلت هذه العمارة واقيم مكانها البنك العربي المعروف الآن.
وعلى احد مباني وعمارات عبدالرحمن باشا ماضي حدثنا نجله السيد سند ماضي ابو خلدون قائلا : في الاربعينات اقيمت على سطح العمارة (سينما الامارة) لعرض الافلام نهاراً وليلا ولها سقف متحرك، وظلت تعرض الافلام السينمائية لمدة سنتين.. ويذكر منها ابو خلدون الفيلم القديم (ليلى) والذي مثل فيه كل من: ليلى مراد وانور وجدي وحسين صدقي، وهذه السينما تم نقلها على سطح عمارة شريم على بعد (200) متر فوق مبنى البنك الاسلامي وقد عرفت هذه السينما فيما بعد بانها سينما بدون سقف تعرض افلامها في فصل الصيف فقط.
اما اذا ذهبنا الى جهة سوق الذهب والصاغة فقد كان مكان هذا الموقع توجد محلات يذكر منها السيد ماضي محل بيع كنافة لشخص من دار القصاب ومحل حلاقة للشعر والذقن.. ومن فوق هذا كان اشهر مقهى في عمان قاطبة وهو مقهى حمدان الضخم الشاسع والذي كان مكان لقاء معروف لكل رجالات ومشاهير عمان وغير عمان ايضا.. وكان هذا المكان ملك سيدو الكردي.
وفي منطقة البنك العربي والبنك الاسلامي كانت تتواجد باصات حسين ابو الراغب ورجب خشمان والتي تذهب الى عدة مدن اردنية والضفة الغربية.
وفي الجهة المقابلة من هذا الشارع أي مقابل البنك العربي كانت هناك دار سينما اخرى هي سينما الفردوس في عمارة سمير قردن والتي حولت فيما بعد الى مقهى العاصمة والذي عرف في سنواته الاخيرة كمكان لتجمع المثقفين من ادباء وفنانين ورسامين وصحافيين. لكنه ازيل هذا المبنى منذ نحو 15 عاما لتقام محله عمارة حديثة تجارية.
وعن اشهر المحلات التجارية الضخمة قبل انشاء سوق منكو ومحلات كليوبترا فقد كانت محلات الحايك في شارع فيصل من المتاجر الهامة حيث كانت تحتوي على الاقمشة والملابس الجاهزة والادوات والهدايا الاخرى وذلك على الطراز الاوروبي الحديث انذاك في الاربعينات.
وفي منتصف ساحة فيصل كانت توجد مساحات خاصة اقيم عليها برج للساعة ثم بجانبها محل صغير للعصير والمرطبات ثم نافورة ماء ضخمة وجميلة.
وفي تلك الاجواء القديمة من الماضي الحلو لمدينة عمان وناسها وشوارعها وبالذات شارع فيصل فقد اكد السيد سند ان الكل كان يعرف الكل الى حد كبير وكانت الحياة ممتعة وبسيطة والناس قريبين لبعضهم البعض حيث الالفة والمحبة المتواصلة حتى انه لم يكن ثمة فرق واضح بين فئات الناس اجتماعيا واقتصاديا.
وهذا الشارع شهد قديما الكثير جدا من مرور المواكب الملكية عدا ما ذكرنا مثل مواكب الملك المرحوم الحسين مع ضيوف الاردن من ملوك ورؤساء دول العالم حيث كان المواطنون يصطفون على جانبي شارع فيصل وعلى اسطح العمارات ونوافذها وشرفاتها استقبالا وهتافا لجلالته ولضيوف الاردن الكرام.
ومما يذكره ايضا السيد ماضي ان مختار الشركس الشيخ اسماعيل شيكاخو كان عقاره في دخلة سوق الفيومي خلف البنك العربي، وكان كذلك كُتاب الشيخ خلف ما يشبه المدرسة وبعد وفاته اشترى منزله رؤوف ابو جابر.. وكانت بعض العائلات الشركسية تتواجد منازلها في هذه المنطقة ايضا مثل عائلات: قناش، كلمات، شقم، قردن.. الخ اذ كان السكن في بيوت من الطين لغالبية السكان انذاك.
وعن اشهر المحلات والمباني والمتاجر والتي كانت قديما وما زالت حتى الان شامخة على جانبي ساحة او شارع الملك فيصل فنذكر منها مثلاً: مطعم السلام، مطعم السرور، مقهى كوكب الشرق فوق سوق الذهب، مقهى بلاد الرشيد والذي كان فندقا يرتاده بعض الاحيان الشاعر الاردني المعروف عرار، ثم محلات المعشر للاقمشة الرجالية الفخمة، ومحلات الطباع والاهرام الخاصة بالاقمشة النسائية، ومحل الفيومي والشربجي للقهوة (سمراء عدن) ومحل البدوي للقهوة والبن، ومحل المدني للقهوة والبن، وسوق منكو، وصيدلية الصباغ، ومبنى البنك العثماني الذي كان في مكان سوق البشارات التجاري الحالي .. اما الطوابق العليا منه فكانت لوزارة المالية ومن بعدها مقر مخفر شرطة المدينة، وبعض استوديوهات التصوير القديمة لاصحابها من الارمن كذلك بائع الفستق ''عمر'' عند احد مداخل سوق الصاغة والذهب. وهناك ايضا دخلة سينما الحسين، ودخلة سينما فلسطين، ودخلة سينما عمان حيث حلويات شهرزاد القديمة التي ما زالت موجودة.
وفي استدراك اخير لان الامر يتعلق بالذاكرة الشخصية فقد اوضح لنا السيد ابو خلدون انه قديما ربما في الثلاثينات او الاربعينات كانت توجد محطتان لبيع المحروقات مثل البنزين والكاز في شارع فيصل ، الاولى كانت تقع بجانب او مكان سوق الصاغة والذهب والاخرى على الجهة المقابلة للشارع مكان فندق ومقهى بلاط الرشيد.. فالمحطة الاولى كانت لصاحبها البلبيسي وتابعة لشركة شل المعروفة، والمحطة الثانية لصاحبها وفا الدجاني وتابعة لشركة ساكوني فاكوم.