كتابة وتصوير مفلح العدوان - مرة أخرى على الطريق الصحراوي.. وجنوبا أيضا، كأنما هي ألفة صارت تجمعني بذلك الطريق، فما إن أمسك طرف مسبحته من جهة عمان، حتى أبدأ عدّ القرى حبة تلو حبة، كأن بركات الله ترعاها على امتداد الأمكنة الملفعة بالشمس، والغبار، والصحراء، وطيبة الوجوه، وبساطة الناس، في تلك البيوت التي تؤنس الدروب، وتشحن المساحات في هذه الفضاءات بالحياة من عزم أهلها.
الآن عقدت النية أن أصل الديسه، وكانت الطريق طويلاً من عمان إلى تلك القرية التي هي رغم أنها في أطراف الصحراء، إلا أن كل ما عرفته عنها متعلق بالماء الذي تسبح فوقه، فصار اسمها، هو التميمة التي تمثل المخلص لكل مدن الأردن من العطش وقلة الماء، وهذا ما حفّزني أكثر لأن أعرف منمنمات تفاصيل تلك القرية التي وصلتها بعد أن خففت وطء مسيري قبل حوالي 70 كيلومترا من وصولي إلى مدينة العقبة، ثم ودعت الطريق الصحراوي متجها نحو الشرق مسافة حوالي 30 كيلومترا من مثلث رم، لأصل بعد كل هذا الترحال إلى الديسه.
الطريق
لا بدّ من وصف جزء من الدرب إلى القرية..
كنت أسير بين الرمال، وتلك الجبال التي هي بتفاصيلها، وتداخل ألوانها، تشكل سحرا لا يمكن أن يتحقق إلا في هذا الامتداد ضمن مناطق وادي رم، وما حوله، وأبقى أتتبع الطريق على هذه الهيئة، وتلك الملامح، إلى أن أصل تقاطع، توقفت عنده، ولم أتابع الدرب بشكل مستقيم، لأن هذا الطريق يوصل إلى قرية رم، ووادي رم، ولهذا فقد انحرفت باتجاه اليسار هائما مع تلك المناظر من جبال، ورمال، وصحراء، أمشي بجوارها في طريقي هذا إلى قرية الديسه.
أتابع المسير، فأمر قبل أن أدخل القرية بخط سكة الحديد، ومحطة موجودة في تلك الأنحاء، حيث تم انشاؤها حديثا، بحسب ما يتحدث أهل القرية الذين قالوا بأن المحطة هناك قد تم إنشاؤها بعد أن تم فتح منجم الشيدية للفوسفات في معان.
أم البدون
بعد كل هذا الترحال أصل الديسه..
ألقي السلام على أهلها، وشجرها، وبيوتها، وأشرب كأس شاي في دار البلدية مرتاحا قليلا من هذا السفر الجميل، حيث استقبلني هناك رئيس بلديتها، سعد خلف الزوايدة (أبو ليث) الذي هو أيضا رئيس جمعية الديسه الزراعية، وقد أطلعني في جلستنا القصيرة على مفاتيح كثير من تفاصيل القرية لكونه ابن هذا المكان، وهو العارف بمتطلبات أهل الديسة، كما أنه قريب من كثير من الناس فيها، وقد بدأ بوحه بالقول أنه بحكم موقعه في رئاسة بلدية حوض الديسه، تعتبر قرية الديسه هي واحدة من القرى التي تضمها البلدية، بينما بقية القرى فهي الطويسه، ومنيشير، والغال، وطويل، ولكن حدود قرية الديسه يمكن توضيحها على نحو أنه يحدها من الشرق الطويسه، ومن الغرب جبل الرحبي، ومن الشمال جبل عمود، ومن الجنوب هضبة أم البدون، ويوضح أبو ليث هنا بأن اسم البدون مأخوذة من البدن، وهو الغزال، وقد كانت القرية تشتهر بكثرة حيوان البدن فيها.
ألوان.. وجغرافيا
يقول أبو ليث أن ما يميز الديسه هو طابع الخليط اللوني، والجغرافي فيها، إذ أنها تتسم بالطابع الصحراوي، والجبلي، وفيها مساحات كبيرة من اللون الأخضر، وكميات هائلة من المياه، وهذا كله يجتمع في منطقة واحدة وهبها الله هذه النعمة التي يذكرها أهلها، ويتمسكون عن قناعة ورضا بالحياة في القرية التي يشير كبارها في أحاديثهم إلى أن اسمها من الممكن أن يكون له علاقة باسم الديس والمعنى هنا مرتبط بكثافة الأشجار، وتشابكها في هذه المنطقة التي يقال أنه كان فيها الشجر كثير، لكن طبيعة الطقس، والتحطيب، والجفاف، أثر على هذا الغطاء الشجري، فتناقص، ولكنه لم ينته، ولذا فقد كان الاسم هو ديس، ثم تم تحويره ليصبح في صيغته النهائية هو الديسه، وبعض الناس، والكتابات التي توثق للمكان، خاصة الصحفية منها، يكتبونها أحيانا الديسي، غير أن أهل القرية يصرون على أن الاسم هو الديسه، وما عدا ذلك فهو خطأ، وتحريف للاسم.
سباقات الهجن
ما يميز بوح قرية الديسه هو أنه لا يمكن تحديده في مسار واحد، وهذا ما تم تلمسه من حديث رئيس البلدية أبو ليث، وكذلك عند مقابلة الحاج سالم صبّاح الزوايده (أبو محمد)، وهو من المعمرين في القرية، من مواليد عام 1922م، حيث تتشعب الأحاديث عن الديسه، لتطال طبيعتها، وأهلها المقيمين فيها، وكذلك أولئك القادمون اليها، والباحثون المهتمين بهذا المكان.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن العمل في السياحة والزراعة هو من أساسيات البنية الاقتصادية للقرية ومن أهم مقوماتها، كما أنه يوجد في الديسه مركز للسياح، حيث أنه تتوزع السياحة في الديسه إلى سياحة الجِمال، والمشي، والسيارات، والمخيمات، وقد رأينا عدة مخيمات سياحية في القرية، كما أنه يشير أبو ليث إلى وجود أنماط أخرى من السياحة التي تمتاز بها الديسه، كالمتسلقين الذين تعجبهم الجبال، ويقضون فيها فترات زمنية تصل أحيانا إلى الأشهر، وكذلك هناك من يأتي المنطقة طلبا للهدوء والخلوة في أماكن محددة، وهناك السياحة ذات الطبيعة الدراسية للباحثين، ونمط آخر هو سياحة الملاحة على الأرجل، وفي السيارات، ويضاف إلى ذلك دخول مجال التصوير الدرامي والسينمائي والوثائقي كجانب من جوانب الجذب السياحي في قرية الديسه، وهناك أيضا مساحة واسعة للمواسم السياحية التي عنوانها السباقات، كسباقات التحمل، وسباقات الخيل، وسباقات الهجن، وهذا مترافق مع كون الديسة مشهورة بتربية الإبل والحفاظ على السلالات، وتضميرها للسباقات، وتدريبها على الركض، وهذا يتأتى من الخبرة القديمة، وجود الميدان لهذا الغرض، والذي تم تتويجه بافتتاح مضمار ضخم لسباق الهجن اسمه مضمار الشيخ زايد لسباقات الهجن، حيث أننا عند زيارتنا للمكان، كان الوقت ليس بعيداً عن التدشين الرسمي لهذا الموقع، وشاهدنا قريبا منه خياما، ومجموعات من أصحاب الابل، راقبناهم وهم يدربونها، ويعتنون بها في تلك المنطقة.
كل هذه الجوانب تتميز بها الديسه، ولا تتوافر في قرى أخرى، حيث تتشابك في القرية، هنا، تلك الجوانب الثقافية، والسياحية، والرياضية، مع الجانب الاجتماعي، والاقتصادي لبوح الديسه.
كتابات ثمودية
سيكون البدء كما دائما من المكان، وبعده ندخل في تلك التفرعات الأخرى، وهنا نعود إلى رئيس بلدية حوض الديسه الذي يقول بأن قرية الديسه كلها تقع ضمن حوض واحد هو حوض أبو عامود، ويوجد حول الديسه عدة أودية منها وادي رابض، ووادي حفير.
وعند تتبع الجوانب الآثارية في الديسة، يشار إلى أن القرية تقع في منطقة بأكملها، مشهورة بنقوش، وآثار قديمة، وهنا يكون الحديث عن كتابات ثمودية، وأخرى صفوية، منقوشة، ومكتوبة على الصخور في غير موقع من الجبال المحيطة بقرية الديسه.
كما أن كبار الديسه يتحدثون عن خريطة قديمة تم اكتشافها من قبل رحالة، ومكتشف ايطالي، وإضافة إلى كل ذلك فهناك سيرة مرتبطة بكل هذه الأماكن ومن بينها الديسه، حيث الثورة العربية الكبرى، ومرور الملك عبد الله الأول بن الحسين، وتصوير فيلم لورنس في المنطقة التي تمثل قرية الديسه نموذجا من تلك أجوائها.
الماء.. والخضراء
مسار آخر مرتبط بالديسه، يشار له دائما، وهنا لا بد من توضيح جزء منه، وهو الجانب المتعلق بالحراك الزراعي الراسخ في الديسه، ويرجع سبب ذلك إلى كون الأرض هناك صالحة للزراعة، ويوجد فيها ماء بكثرة، وعلى أعماق مختلفة، وتعتبر من أنقى مياه العالم، وخصوبة تربتها تتفوق على كثير من المناطق في الأردن، وهي مشهورة بأشجار الزيتون، ويوجد فيها معصرة زيتون، كما أن محاصيل قرية الديسه متوفرة على مدار العام، وتزرع من قبل المواطنين، حيث يزرعونها بالبطيخ والبندورة، والبطاطا، وغيرها، وهذه الميزات من مياه، وخصوبة تربة، جلبت كثيراً من المستثمرين إلى الديسه، ولعل أشهرهم السيد صبيح المصري الذي يستثمر زراعيا على مساحات واسعة في الديسه، ويزرعها بجميع أنواع الأشجار من أجل التوزيع المحلي والتصدير الخارجي، كما أنه يوجد في الديسه قصر للشيخ محمد بن زايد آل هيان، وله منطقة محمية واسعة في الديسه، ومزروعة كذلك بأنواع مختلفة من الأشجار.
ســـيرة قريـــة
تقع قرية الديسه في محافظة العقبة، وهي مركز قضاء الديسه، ضمن لواء القويرة.
تبعد حوالي 70 كيلو مترا شمال شرق العقبة، و30 كيلو مترا شرق الطريق الصحراوي الدولي. وهي تتبع إداريا إلى بلدية الديسه.
الديموغرافيا
يبلغ عدد سكان الديسه حوالي 1536 نسمة (764 ذكور و 772 إناث) يشكلون 246 أسرة، تقيم في 301 مسكنا. ومعظم سكانها يعملون في الزراعة، والسياحة، والوظائف الحكومية.
التربية والتعليم
توجد في الديسه مدرستان هما مدرسة الديسه الثانوية للبنين(تابعة إلى الثقافة العسكرية)، ومدرسة الديسه الثانوية للبنات(تابعة لوزارة التريبة والتعليم).
الصحة
يوجد في القرية مركز صحي أولي.
المجتمع المدني
يوجد في القرية الجمعيات والمراكز الاجتماعية التالية: جمعية عمر بن عبد العزيز الخيرية، وجمعية الحسين الزراعية التعاونية، وجمعية الديسه السياحية، وجمعية سيدات حوض الديسه، وجمعية المتقاعدين العسكريين لحوض الديسة، وجمعية الحسن التعاونية الزراعية، ومركز للتنمية الاجتماعية، ومركز تابع للصندوق الهاشمي، كذلك يوجد نادي شباب الديسه، ومركز للطيران الشراعي يديره نادي الأمير حمزة..
** يوجد في قرية الديسة مسجد (مسجد الديسه الكبير)، ومكتب بريد، ومؤسسة عسكرية استهلاكية، ومضمار لسباق الهجن(مضمار الشيخ زايد لسباقات الهجن)، وعدة مخيمات سياحية.
دعوة للمشاركة
هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:
بوح القرى
ص. ب - 6710 - عمان -11118
فاكس- 5600814
بريد الكتروني
alqora@jpf.com.jo
الديسه.. وفرة الماء، وفتنة الصحراء (1-3)
12:00 30-12-2008
آخر تعديل :
الثلاثاء