بشار الحنيطي - خص الله تعالى الامة الاسلامية بليلة القدر التي انزل بها كتابه المحفوظ وقدر بها ارزاق الخلق ومكاسبهم ، ففيها تقيد الشياطين ويقود جبريل عليه السلام مواكب الملائكة الى الارض في مهرجان ملائكي بهيج لتسلم على المؤمنين في سلام هو حتى مطلع الفجر فيه رحمة للناس وغفران للذنوب وطمأنينة للقلوب .
انها ليلة من كل سنة ليست مثل باقي الليالي وساعاتها ليست كمثلها ساعات ليلة يعم فيها الفضل ويشع منها الخير وتنهمر فيها البركات فهي خير من الف شهر ومن استحق فضلها غفر ذنبه وعظم اجره وفتحت له ابواب السماء .
من هنا صار كل مؤمن يرتجيها بروح مشتاقة وبقلب يهتز اليها حنيناً وبعيون ترنو مجيئها من على مسافة لا يمكن لها ان تتكرر في السنة الاّ مرة واحدة فمن تفوته لا يقدر على إدراكها حتى تعود في وقتها من السنة المقبلة، فهنيئا لمن يستثمرها في الطاعة والعبادة والذكر والدعاء .
مساعد امين عام وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الدكتور عبد الرحمن ابداح قال ان ليلة القدر التي انزل فيها القران ليلة مباركة عظيمة حيث تحدثت عنها سورة القدر عندما ذكر فيها انزال القران بصيغة العظمة (انا ) لا بصيغة المفرد كما جاء الحديث عن القران بصيغة الغائب ( انزلناه ) وهي اشارة الى علو القران وان الله سبحانه وتعالى انزله من علاه الى بيت العزة في السماء الدنيا ثم الى قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال لوكالة الانباء الاردنية ان تسمية ليلة القدر بهذا الاسم قد يقصد به العظمة والمكانة لانها ليلة لا تضاهى بمنزلتها العليا عند الله سبحانه وتعالى وقد تكون من (التقدير) اي ان المولى عز وجل يقدر فيها ما سيكون من ارزاق واحوال للسنة المقبلة كما ان بعض اهل العلم يرى انها من ( الضيق ) حيث تضيق الارض لكثرة من يتنزل فيها من الملائكة لتشهد هذه الليلة بامر من الله تعالى .
واضاف ان تكرار كلمة ( ليلة القدر ) ثلاث مرات في السورة الكريمة قد تكون له دلالة من حيث عدد الحروف اذ ان حروف ( ليلة القدر ) تسعة فاذا ما تكررت ثلاث مرات صارت سبعة وعشرين حرفا وفي ذلك اشارة ( كما جاء في بعض التفاسير ) الى ليلة القدر وانها في السابع والعشرين من الشهر الفضيل والله اعلم .
واشار الى ان ليلة القدر وبما نزل فيها من انوار الوحي احدثت اعظم تغيير في حياة البشرية اذ نقلتها من حياة ضالة تائهة الى حياة راشدة واعية امنة ونقلت الناس من حياة الطفولة البشرية الى حياة الرشد الانساني والعطاء الحضاري كثمرة من ثمرات قوله تعالى ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
وقال الدكتور ابداح ان مما لا شك فيه ان ( تنزل الملائكة ) في هذه الليلة يملأ الارض بركات وانوارا يصل فضلها وخيرها الى كل من يعرض نفسه لها موضحا ان بيئة الملائكة المفضلة هي اماكن التسبيح والصلاة والدعاء والاستغفار واصلاح ذات البين وصلة الارحام وبر الوالدين ودعوة الناس الى الله تعالى وقراءة القران .
واشار الى ان اهم احوال ليلة القدر ان بها تقيد الشياطين ويقود جبريل عليه السلام مواكب الملائكة التي امرها الله بالنزول الى الارض من السماوات العلا بشكل كثيف ومميز عن نزولهم في اي يوم اخر .
وقال ان ليلة القدر هي ليلة ( سلام ) وان المقصود بذلك هو ان الملائكة تسلم على المؤمنين والمؤمنات ويستمر السلام حتى مطلع الفجر ولهذا السلام فوائده وبركاته فقد سلمت الملائكة على سيدنا ابراهيم عليه السلام ذات مرة قال تعالى (اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام ) كان من بركات هذا السلام ان نجاه الله تعالى من النار فكيف بمن تسلم عليه الملائكة طيلة هذه الليلة من المؤمنين .
وقال استاذ الفقه في كلية الشريعة في الجامعة الاردنية الدكتور محمد القضاة ان الله سبحانه وتعالى انزل القران الكريم ليلة القدر العظيمة التي سميت بهذا الاسم لعظمتها وقدرها حيث انزل الله تعالى القران الكريم من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليه السلام الى الارض منجما اي مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واضاف ان شرف وفضل العمل الصالح في ليلة القدر خير من العمل في الف شهر اي خير مما يعادل عمل ( 84 سنة ) ومما يروى ان النبي عليه الصلاة والسلام تمنى لامته فقال '' يا رب جعلت امتي اقصر الامم اعمارا واقلها اعمالا '' فاعطاه الله ليلة القدر وقال '' ليلة القدر خير لك ولامتك من الف شهر '' اي ان عملها وصيامها وقيامها خير من الف شهر.
وبين ان من فضل ليلة القدر ان بها تنزل الملائكة وجبريل الى الارض بامر ربهم من اجل كل امر قدره الله وقضاه للسنة المقبلة مشيرا الى ان ليلة القدر هي احدى الليالي الفردية في العشر الاواخر من رمضان المبارك وان الله سبحانه لم يحددها لعباده حتى يبقى المسلمون في عبادة وطاعة لله تعالى لالتماس هذه الليلة المباركة.
واوضح الاستاذ في جامعة العلوم الاسلامية العالمية الدكتور حمدي مراد ان الافضل هو عدم التعلق بالتساؤلات التي تدور حول اشارات ليلة القدر وان يكون الجهد في هذه الليلة العظيمة منصبا على استثمارها بالطاعة والعبادة لا البحث عن اشاراتها دون جدوى لان اشارات ليلة القدر غير محسومة ولا محددة في القران الكريم .
وقال ان ليلة القدر ليلة سلام واخاء ومحبة وتواصل بين المسلمين كافة قسم الله فيها مقادير الخلق من الارزاق واختصها الله بمزايا فريدة لشرفها العظيم والتي منها نزول القران الكريم من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا ومنها الى قلب نبينا محمد عليه الصلاة والسلام . واشار الى ان ليلة القدر ليلة تحتفل بها السماء قبل الارض وتفتح بها ابواب السماء لتفتح كل الرحمات والمغفرات والفضائل والعطايا الالهية بغير حساب ،فجبريل عليه السلام وهو ملك الوحي لكل الانبياء قد انتهت مهمته بعد خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من النزول الى الارض او السماء الدنيا الا في ليلة القدر فانه ينزل ليقود فيها افواج الملائكة بامر من الله تعالى ليمنحوا المستحقين الهدايا الالهية فيحط السيئات ويرفع الدرجات ويوزع المغفرات ويقبل التوبات وكل ذلك بامر من الله سبحانه وتعالى .
ودعا الدكتور مراد المسلمات والمسلمين الى الاستفادة من فضائل هذه الليلة المباركة بالتوجه الى الله تعالى بقلب خالص صادق بالطاعة والعبادة والدعاء حتى تكون خطوة في التقرب الى الله ورضوانه ونجاة وعتقا من النار في شهر المغفرة والاحسان .
بترا