عمر هلسة - قبل أكثر من ستة عقودٍ مضت شكك اكتشاف آثار ونظريات العالم العربي المسلم ابن الشاطر بصحة نسب العديد من النظريات العلمية للعالم البولندي كوبرنيكوس، فقد تعدت إنجازات ابن الشاطر الفلكية كل من سبقوه، وكانت نظرياته مبنية على أسس الدراسة والتجريب والبحث العلمي، لا افتراضات ليس من أدلة تثبت صحتها.
هو أبو الحسن علاء الدين بن علي بن ابراهيم بن محمد الأنصاري، اشتهر باسم ابن الشاطر، قضى حياته في القرن الثامن الهجري، ولد في دمشق سنة 704ه/1304م وتوفي فيها سنة 777ه/1375م، لقب بالعلاّمة لنبوغه وتفوقه على علماء عصره، تنقل بين مدن الشام ومصر حيث درس علمي الفلك والرياضيات في كل من الإسكندرية والقاهرة.
عمل ابن الشاطر في صغره وصباه في تطعيم العاج ومنه اكتسب كنية المُطعم وعمل مؤقتاً ومؤذناً للجامع الأموي في دمشق، وصمم ساعة شمسية أسماها البسيط وضعت على إحدى مآذن المسجد الأموي، وهي متخصصة في تحديد أوقات الصلاة.
في العام 1307م وضع ابن الشاطر أهم نظرية فلكية في التاريخ، نقض بها نظرية مركزية الأرض لبطليموس، والتي افترض فيها: أن كل الكواكب والنجوم تدور حول الأرض وأن الأرض هي مركز الكون ولكن ابن الشاطر لم يسلّم بتلك النظرية وانطلق من دراسة الظواهر الطبيعية وبمساعدة النظريات الهندسية ليقول: إنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب، فالشمس إحدى هذه الكواكب تسير، ولكن لماذا يتغير طلوعها وغروبها؟ وأشد من ذلك أن هناك كواكب تختفي وتظهر سموها الكواكب المتحيرة. لذا الأرض والكواكب المتحيرة تدور حول الشمس بانتظام، والقمر يدور حول الأرض ، وهي نظرية مركزية الشمس التي تنسب اليوم للعالم البولندي كوبرنيكوس، وفي مطلع القرن العشرين وفي سنة 1393ه/1937م تحديداً عُثر على مخطوطات عربية في بولندا، اتضح أن كوبرنيكوس كان ينقل منها ويعزو لنفسه. وذكر المستشرق الإنكليزي ديفيد كنج في مقالته المنشورة في قاموس الشخصيات العلمية بأنه ثبت سنة 1370ه/1950م، أن أغلب النظريات الفلكية المنسوبة للعالم كوبرنيكوس كان تلقاها من العالم المسلم ابن الشاطر .
درس ابن الشاطر ميل دائرة البروج وصحح عليها وتوصل إلى نتيجة دقيقة جداً بأن ميلان محور الأرض عن مركزها هو 31,23 درجة ، أما القيمة التي توصل لها علماء القرن العشرين باستخدام أدق الأجهزة هي 45,23 درجة أي بفارق دقائق بسيطة عما حدده ابن الشاطر قبل أكثر من ستة قرون، وهو أيضاً أول من قال بأن دوران الأرض حول نفسها يسبب تتابع الليل والنهار وأن دورانها حول الشمس يسبب تتابع الفصول الأربعة، كما وكان له العديد من الابتكارات في صناعة الإسطرلاب والمزولة الشمسية وغيرها من الأجهزة الفلكية التي وصف طريقة تصنيعها وعملها واستخدامها في رسائله وكتبه وصفاً دقيقاً.
ألف ابن الشاطر ما يزيد عن الثلاثين كتاباً ورسالة معظمها في الفلك، ما زال أغلبها مفقود إلى اليوم، وألف أيضاً في الرياضيات والجغرافيا وعلم النجوم، ومن أهم المؤلفات والكتب التي وصلتنا عنه: الزيج الجديد والذي ألفه بطلب من الخليفة العثماني مراد الأول، و إيضاح المغيب في العمل بالربع المجيب ، و المختصر في الثمار البالغة في قطوف الآلة الجامعة و رسالة العمل بالربع الهلالي و رسالة نزهة السامع في العمل بالربع الرابع ومن كتبه المفقودة كتاب تعليق الأرصاد و كتاب نهاية السؤال في تصحيح الأصول .
