كل الأفلام الكبيرة التي مثلها لم تكن كافية لدى سدنة الأوسكار لاستقباله على منصة التتويج لا العراب 'The God Father' ولا عصر يوم قائظ 'Dog Day Afternoon' ولا حتى الرجل ذو الندبة 'Scar face' ولكن عطر امرأة وضعه على المنصة للمرة الأولى بعد أن تحول تجاهله عن كل الأدوار السابقة بصورة وضعت علامة استفهام كبيرة على هذه الجائزة.
وسيبقى هذا الدور برغم أكثر من خمسة عشر عاما يثير الجدل، فالبعض يرى أن الدور كان مثاليا للغاية ليفسح الفرصة لأي ممثل من وزن آل باتشينو ليصنع دورا كبيرا، ويحصل على أي جائزة ويقارن البعض أيضا أدائه الذي قدمه في الفيلم بأداء افتراضي كان يمكن أن يقدمه روبرت دي نيرو أو دانيال دي لويس ولكن الأغلبية اندفعت لتشيد بالدور بصورة بريئة لتعاطفهم المطلق مع الشخصية المتقنة على أية حال.
تبدأ أحداث الفيلم بالطالب تشارلز كريس أودينيل الذي حصل على منحة مكنته من الالتحاق بواحدة من المدارس الراقية، التي يحلم كل طلبتها بأن يصلوا يوما إلى البيت الأبيض أو رئاسة الشركات العابرة للقوميات، ومثلهم أيضا يحلم تشارلز بأن يستطيع تحقيق مستقبل مميز ينتزعه من ماضيه في مدينة أوريغون المتواضعة حيث تدير أمه وزوجها محلا صغيرا للبقالة وفي هذه الوضعية يتمسك تشارلز باعتداده الشخصي ويحاول أن يحافظ على مسافة كافية بينه وبين زملائه من أبناء الأسر الثرية تكفي للاحتفاظ بماء وجهه.
لا يتركونه في حاله فيصرون بصورة مريبة على تذكيره بالفرق بينه وبينهم قبل عطلة عيد الشكر، ففي الوقت الذي يخطط فيه الزملاء للسفر في رحلة للتزلج يبحث هو عن عمل مؤقت ليستطيع تدبير مبلغ ثلاثمائة دولار يخطط أن يشتري بها تذكرة سفر إلى بلدته لقضاء أعياد الميلاد مع أمه وتدفعه الظروف الاضطرارية للالتحاق بوظيفة مرافق للكولونيل المتقاعد الذي فقد بصره وهي الوظيفة التي عرضتها قريبته لتتمكن من السفر مع زوجها في عطلة عيد الشكر والوظيفة التي لم يقبلها أحد سوى تشارلز.
البداية لم تكن موفقة فوجد تشارلز نفسه أمام شخصية صعبة تتصرف بعنجهية وعصبية وتفتقر للياقة، فالكولونيل الأعمى الذي غادر الثكنات حملها على كاهله إلى منزله الصغير والمنزوي ولكن الخيارات أمام الاثنين كانت محدودة فكلاهما يحتاج الآخر الكولونيل ليقوم بمغامراته الأخيرة بنفس أخلاقيات الثكنة وشجاعتها والطالب ليحصل على تذكرته، وفي الليلة الأخيرة لتشارلز في المدرسة تقع واحدة من المشاغبات الثقيلة لزملائه والتي يكون شاهدا عليها هو وزميله الذي ينتمي لعائلة ثرية ولكنهم يكتشفون فداحة المشاغبة صباح اليوم التالي حيث تعرض مدير المدرسة الصارم والانتهازي لحادث مست كرامته وهيبته بصورة جعلته يخرج عن أطواره مما دفعه للضغط على الطالبين للوشاية بزملائهم، ولأن تشارلز هو الحلقة الأضعف يلوح المدير بفصله من المدرسة وتضييع فرصة التحاقه بجامعة هارفرد المرموقة ليجبره على الاعتراف ويمنحه فرصة للتفكير حتى ينعقد المجلس التأديبي.
يحمل الطالب هموم مستقبله المهدد ويبدأ عمله، الذي يأتي صاخبا منذ اللحظة الأولى فيفاجئ بقرار الكولونيل وبمجرد مغادرة قريبته يبدأ بلملمة حاجياته وأهمها بدلته العسكرية للمغادرة بصحبة تشارلز إلى نيويورك على متن الدرجة الأولى وبوجود سيارة ليموزين فاخرة لخدمتهم أثناء إقامتهم في أفخم فنادق المدينة، وفي أثناء الرحلة التي يفهم تشارلز أنها بقصد زيارة أسرة شقيق الكولونيل تبدأ شخصية الكولونيل في التكشف لرفيقه الذي لا يستطيع أن يندمج في الحوارات التي يلقيها على مسامعه رفيق رحلته الغريب الأطوار بصورة وعظية تستخف بتجربته المتواضعة في الحياة وتستمر أفكاره بخصوص لجنة التأديب التي ستغير مستقبله تؤرقه بصورة مزعجة تمنعه من الاستمتاع بالرفاهية التي يوفرها له الكولونيل.
يقترب السيناريو من شخصية الكولونيل المولع بالنساء وبعطرهن، والذي يستطيع أن يميز العطر الذي تضعه المرأة بخبرة وأيضا الذي يعشق سيارات الفيراري الفاخرة، ولكن في مرتبة ثانية بعيدة جدا، وبعد الزيارة العاصفة لمنزل شقيقه حيث كان ضيفا ثقيلا وغير مرحب به على الإطلاق تتضح غاية الكولونيل الذي حجز لنفسه تذكرة سفر بلا عودة لينتحر على سريره مرتديا زيه العسكري، في أفخم فنادق نيويورك وبعد ليلة يقضيها مع امرأة جميلة.
تشارلز يرفض أن يستسلم لفكرة انتحار الكولونيل، ويحاول أن يخرجه منها فيذهب الاثنين لجولة وداع يلتقيان بفتاة شابة تنتظر صديقها ليقتحم الكولونيل وحدتها ويدعوها إلى رقصة تانغو قبل أن تغادره تاركة أثرا من العطر في نفسه وتتطور المغامرة حيث يذهبان إلى معرض سيارات الفيراري ليحصلا على سيارة للتجربة بعد مساومة طويلة للبائع ورشوة صغيرة ليقودها الكولونيل بإرشادات تشارلز الذي يحبس أنفاسه.
تستمر محاولات تشارلز لإثناء الكولونيل حتى ينجح في إقناعه بمصاحبته في رحلة العودة ويوصله إلى المدرسة حيث يوشك المجلس التأديبي على الانعقاد بحضور جميع طلبة المدرسة، وفي الوقت الذي يحضر فيه زميله الآخر بصحبة والده ويشي بصورة غير واضحة بزملائه نتيجة تسوية يفاجئ الجميع بدخول الكولونيل لحضور الجلسة بصحبة تشارلز كصديق للعائلة وقبل أن يصدر الحكم بفصل تشارلز وابقاء زميله في المدرسة يدافع الكولونيل عن صديقه الصغير بشراسة وبصورة تسخر من المدرسة وسلطتها وتشيد بتشارلز وشجاعته مما يدفع مجلس الأمناء لإعادة النظر في فصله ويقلب الطاولة على مدير المدرسي المتعالي وخطته لإجبار تشارلز على الوشاية.
يخرج الكولونيل منتصرا للمرة الأولى بعد احباطات متعددة لتلحقه في مشهد غير ضروري أضعف الفيلم أكثر مما أفاده امرأة من مجلس الأمناء أعجبت بشخصيته وشجاعته ليتعرف على عطرها منذ اللحظة الأولى، وبرغم الجدل حول الفيلم وحول استحقاق آل باتشينو للجائزة عن هذا الدور إلا أن نظرته وهو يرقص التانغو حيث تشع الحياة كلها من عيون ميتة لتنطق بكل ما يمكن للممثل أن يحلم به بدفعة واحدة كان سيجعل تجاهله في سنة 1992 من الجائزة حدثا لا يمكن تجاوزه وربما سيقوض مصداقيتها الضعيفة إلى حد ما، أدى آل باتشينو كل ما يحلم به أي ممثل ونظرة واحدة أوصلته إلى المجد في فيلم رغم كل شيء يستحق أكثر من مشاهدة.
عطر إمرأة Scent of a Woman
12:00 1-5-2008
آخر تعديل :
الخميس