هناك غرب عجلون..
اعلم أيها المتجه إلى تلك البقعة أنك في الطريق إلى الوهادنة التي ستستقبلك بتلك الإطلالة التي ترتحل بنظرك منها إلى الأغوار الشمالية، وتسير بك مع أثير التأمل نحو فلسطين حيث سهول بيسان وجبال جنين ونابلس وتحلق نحو جبل الشيخ وجبل طابور وجبال الناصرة العليا.
أنت في الوهادنة، المنطقة الأعراف بين الشفا والغور، تفصلك فيها عن عجلون 12 كيلومترا، بينما المسافة بينك وبين الغور 5 كيلو مترات، وحولك الزيتون والكروم والطبيعة الجميلة، والمناظر الجذابة كلها تتآلف في الوهادنة الواقعة على واحد من جبال عجلون.
ولقد كان يطلق على المنطقة التي تقع فيها القرية وباتجاه الغور، منطقة غور الوهادنة (من القرن إلى أبو عبيدة)، ولهذا فعند الوقوف عند حدود الوهادنة، وقبل الدخول في التفصيلات الأخرى، يمكن الإشارة إلى أن حدودها القديمة كانت على النحو التالي: يحدها من الشرق مثلث علي مشهد، ومن الغرب نهر الأردن، ومن الشمال وادي الصرار، بينما حدها من الجنوب منطقة البلاونة.
أما الحدود الحديثة للقرية فمن الشرق يحدها مثلث علي مشهد، ومن الغرب الصليخات، ومن الشمال الهاشمية، بينما من الجنوب يحدها وادي كفرنجه باستثناء شطورة.
عنيبة المرتدة
وقوفا عند هذا البلد..
ومزيدا من التأمل لاسمه، وما تم عليه من تحولات، وقصص وحكايات، إلى أن استقر الاسم ليكون الوهادنة في المرحلة الأخيرة من تشكله، بعد تغيرات طرأت عليه، حيث يشير الأب بسام عيسى الدير، وهو راهب كنيسة دير اللاتين في الوهادنة، ويعمل على كتابة رسالة ماجستير في الوهادنة، يقول أن الاسم الأقدم للوهادنة هو عنيبة المرتدة .
ولتفسير معنى الاسم هذا هناك عدة فرضيات، يعرضها الأب بسام، منها نسبتها إلى العنب، ولهذا معنى ودلالة في الديانات القديمة مرتبط بالفرح والبهجة، وفي المسيحية لها رمزية تربطها بالسيد المسيح، بينما في الإسلام هي تتعلق بالخير والجنة.
ثم تحول الاسم ليصبح الخربة، وهذا متكرر في الأوراق القديمة، والوثائق العثمانية، ربما لوجود آثار عتيقة فيها، وهذا يشير إليه الدكتور خليف الغرايبة الذي يوثّق في كتابته بأن القرية كانت تحمل هذا الاسم في عام 1600م، وكان عدد سكانها 200 نسمة، ثم تحول الاسم في المراحل التالية ليصير خربة الوهادنة.
هنا لا بد من تفسير ارتباط كلمة الوهادنة بالخربة، حيث يشير الأب بسام إلى عدة أقوال لتفسير هذا الارتباط، ودلالاته، وجميع تلك الاستنتاجات والقصص حول الاسم أخذها من أهل القرية، وهو ينقل أحد التفاسير للاسم عن الشيخ علي الفلاح إمام المسجد الكبير في الوهادنة، الذي يقول أن اسمها هذا كان انطلاقا من أنها عصية أمام الغزوات التي كانت تستهدفها، وكانت ترد الأعداء بقوة، وهذا تأتى لها بحكم موقعها.
أما العميد المتقاعد محمود شريدة، فيشير الأب بسام إلى أنه يفسر كلمة الوهادنة من خلال حدث مرّ على المنطقة في الأزمنة الماضية، وهو أن غارات من الشمال كانت تستهدف القرية، وكان منها حالات طلب للثأر، وذات مرّة سمع أنهم مستهدفون بغزو قادم باتجاههم، فجهزوا أنفسهم لهذه الغارة، فأخذوا كل الوهد (الفراش، والأغراض الموجودة في البيت) اللي عندهم وموجود ببيوتهم، وقاموا خبّوه بالمغر، والبيار، وبعدين طلعوا من القرية، فلما أجا الغزو حرق الغزاة البيوت، وما لقوا حدا فيها، ولا وهدها، وبعد ما هدي الحال، وانسحب الغزو من القرية، رجع أهلها، وطالوا الوهد، وبنوا القرية مرة ثانية، وصار اسمها خربة الوهد، وصار أهلها يتسمون بالوهادنة، وبعدين صار الاسم خربة الوهادنة .
ولكن هناك تفسيرا لغويا آخر للوهادنة، يعيد نسبها إلى الوهاد، وهي الأراضي المرتفعة المطلة، وهذا التفسير يتفق مع الواقع الجغرافي للمكان، غير أن هذا الاتجاه يتقاطع مع تفسير شعبي، تاريخي، عبر عنه الحاج محمد مصطفى فارس الوحشات أبو سامي ، وهو من كبار القرية، حيث قال: هذا من زمان، يعني من قبل 400 سنة، كان يسكن هالمنطقة اللي كان بيها الخربة جماعة كان اسمهم بني وهدان، واتحرف الاسم بعد هيك حتى صار من بني وهدان الى الوهادنة .
في الخلاصة يمكن تتبع التغيرات في الاسم ليكون في البدء هو عنيبة المرتدة، وبعد ذلك الخربة، ثم خربة الوهادنة، الى أن تم الاستقرار على الاسم الأخير وهو الوهادنة في عام 1994م بقرار من الديوان الملكي الهاشمي، في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال، فصار الاسم الوهادنة، بدلا من الخربة.
الخرب القديمة
أشار الدكتور خليف غرايبة في كتابة الجغرافية التاريخية للمنطقة الغربية من جبال عجلون 1864-1946 ، إلى قرية خربة الوهادنة، في غير مكان من الكتاب، حيث يصنف القرية، من حيث دلالة اسمها، أنها من ضمن مجموعة المراكز العمرانية في المنطقة التي نسبت تسميتها إلى أسماء أشخاص، أو جماعات، وهنا إشارة دون تصريح الى احتمال أن يكون سكنها قوم ينتسبون الى بني وهدان، فسميت نسبة لهم.
كما يضيف الدكتور الغرايبة أن خربة الوهادنة، من ضمن خرب جبال عجلون التي وجدت فيها مخلفات أثرية كقطع الفخار والتي تعود تواريخها الى العصر النحاسي، والعصر البرونزي، كما وجدت فيها قطع تعود الى العصور البيزنطية والأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية، ولهذا فهناك كثير من الخرب والأماكن القديمة التابعة لقرية الوهادنة، والدكتور خليف يشير الى ذلك بقوله أنه يتبع الى خربة الوهادنة كل من الخرب التالية: خربة الشيخ راشد، وهجيجة، وهنيدة، وسليخات، وصوفرة، وخربة الاخزيمات، وقافصة، وأبو فلاح .
ويؤكد ذلك الحاج محمد الوحشات(أبو سامي)، في أن القرية أساسها خربة رومانية، وفيها آثار فسيفساء ملونة، وغير ملونة، ولما بنوا فيها المسجد القديم كان فيه آثار، منها عمودان من رخام، في جانب المسجد، ويمكن يكون انبنى على آثار كنيسة، وكان فيه بالجانب الجنوبي للمسجد مغارة، و(بد حجري) هو مثل المعصرة .
دار تمام تلك الخِرب.
وتضاف إليها القرية وتفاصيلها العتيقة، كلها تعطي صورة عن تاريخ الوهادنة القديم.كما أنه يوجد فيها بيوت وآبار وكهوف موغلة في القدم، وكثير من بيوتها مبنية على مغائر قديمة، وفيها سراديب متداخلة، ويشير الكبار فيها الى أن أحد الأشخاص دخل من مغارة المسجد، وخرج من مغارة أخرى على بعد حوالي 50 مترا من المسجد ، وهذه السراديب تعتبر وسيلة دفاعية قديمة في الدفاع، ويشيرون هنا الى مغارة الحميدان . ويتحدث أهل القرية بأنه وجد في تلك المغائر، والبيوت جرار قديمة، وآثار ، ويدللون على ذلك بأن دار تمام اللي كانت في وسط البلد، وكان ساكنوها من البدور، وكان فيها فسيفساء قديمة .
ويقول كبار القرية، أيضا، بأنه يوجد في خربة صوفرة الأثرية عراق قديم فيه أكثر من ستين عراق متداخلة ، وهذه المغائر، العرقان ، كان يوجد فيها طيور الزاغ( الغربان) ، وهذه كانت لما تطير تغطي السما من كثرتها ، ومن العرقان المعروفة لدى أهل القرية عراق يسمى عراق حسن السلمان .
الأحواض
حين استقبلنا رئيس بلدية الشفا، مصطفى سليم الغزو(أبو سليم)، وهو من الوهادنة، كان معي المختار محمود مصطفى الغزو أبو عدي ، حيث شرح ما تيسر من سيرة الوهادنة، وأعطى وصفا لأحواض القرية، وفق التقسيمات الحديثة لها، وتلك الأحواض هي حوض قافصة( فيه عين صوفرة، وخربة قافصة التي يوجد فيها آثار قديمة)، وحوض خلال البطم، وحوض الروس، وحوض العمايم، وحوض أم السناسل، وحوض الحروث، وحوض الميدان، وحوض الشيخ راشد، وحوض القصبة، كما أن دير الصمادية انضم الى الوهادنة قبل عملية ضم المجالس البلدية، وهو يتبع الآن للوهادنة بحسب التنظيم الجديد للقرية .
الخزيمات
أما المناطق، والتقسيمات القديمة للوهادنة بحسب ما يتذكرها كبار القرية فهي نيسه، وقافصه، وأم حميد، وعجوليا، وشطوره، والراهبي، والروس، والقصبه، وأم رسن، والملول، وراس أبو ساعي، وصوفره، والعمايم، وعلي مشهد، والمدرجه، وأم حليس، وكسارة حمده، والخله، والحروث، وكرم العجل، وراس الحمام، والمزار .
ويضاف إليها بحسب الحاج محمد الوحشات (أبو سامي)، خربة الخزيمات التي تقع غرب البلدة، ودير الرهبان في شمال غرب الوهادنة، وتل أبو الذهب في حدود الغور من الشفا، وتل السعدية .
عيون الماء
ومن ذاكرة الاسم، والموقع، لا بد من الدخول الى سرد ما تيسر من سيرة الماء، والعيون في والوهادنة.
يقول الكبار أن أهل القرية كانوا يعتمدون في حياتهم على مياه الأمطار، وكانت وفيرة، حتى أنها كانت تنز في المغائر، والعرقان، من كثرتها في المنطقة التي تقع فيها الوهادنة، ولكن إذا نقص المطر، كانوا يلجأون الى آبار المياه، وعيون الماء، حيث كانت من العيون المعروفة لديهم عين صوفرة ، و عين أم رسن ، و عين البيضا في الغور.
وفي ذات السياق حول المياه، والجغرافيا، يشار الى أنه في عام 1934م كان هناك موازين لقياس المطر في خربة الوهادنة، التي تعتبر من المناطق الشفاغورية، حيث أنها يصل ارتفاعها حتى 590 مترا، وأمطارها متوسطة.
ســـيرة قريـــة
تقع الوهادنة شمال غرب عجلون، ضمن بلدية الشفا، وتتتبع إداريا إلى لواء القصبة في محافظة عجلون.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان الوهادنة 4600 نسمة( 2365 ذكورا و 2235 إناثا)، يشكلون 872 أسرة، تقطن في 1095 مسكنا.
ويعتمد أهل القرية في معيشتهم على الوظيفة الحكومية، والجيش، والزراعة.
التربية والتعليم:
يوجد في القرية مدرسة الوهادنة الثانوية للبنين، ومدرسة الوهادنة الثانوية للبنات، ومدرسة البطريركية اللاتينية الأساسية المختلطة، ومدرسة الروم الأرثوذكس الأساسية المختلطة.
المجتمع المدني:
يوجد في الوهادنة مركز الأميرة بسمة للتنمية/ الوهادنة، ونادي الوهادنة الرياضي الثقافي الاجتماعي، وجمعية الوهادنة الخيرية، والمنتدى الثقافي.
الصحة:
يوجد في الوهادنة مركز صحي أولي، ومركز للأمومة والطفولة.
* يوجد في القرية مكتب بريد، ومسجدان، وكنيستان.
دعوة للمشاركة
هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:
بوح القرى
ص. ب - 6710
عمان -11118
فاكس- 5600814
بريد الكتروني [email protected]