لماذا ''معركة الكرامة'' هي من المعارك الخالدة في التاريخ العربي الحديث؟! ذلك لأن جيش العدو الاسرائيلي المعتدي قد خسر فيها من الجنود والآليات والطائرات ما لم يخسره في معركة حزيران التي حدثت قبل معركة الكرامة بـ (9) شهور فقط.
فقد كانت خسائر العدو : (205) قتلى و(450) جريحا وتدمير (27) دبابة و(18) ناقلة جنود و(24) سيارة مسلحة و(19) سيارة شحن عسكرية و(7) طائرات مقاتلة.
وكان الهدف الاسرائيلي من الهجوم العسكري هذا والذي دخل فيه الجيش الاسرائيلي الى الاراضي الاردنية من الأغوار الوسطى بعد اقامة عدة جسور عسكرية على نهر الاردن هو القضاء على المقاومة الفدائية الفلسطينية والعربية واذلال الجيش الاردني واحتلال اراضيه والوصول الى مرتفعات السلط وقتل الروح المعنوية للمواطنين العرب أينما كانوا.. ومن أحلام العدو انه كان يخطط لاقامة مؤتمر صحفي في السلط بعد انتهاء المعركة كما خططوا، والاقتراب من عمان لفرض شروط الاستسلام النهائي على الاردن.
لكن الدفاع البطولي العظيم والذي قام به الجيش الاردني المغوار وبقيادة مليكه المرحوم الحسين بن طلال وبقيادة رئيس هيئة الأركان الركن مشهور حديثة الجازي وبأفراد جيشه البواسل المغاوير وبتلاحم رجال المقاومة الفلسطينية ومن سكان الأغوار الشجعان كلهم حيث تحرك الدم العربي كوحدة واحدة وكانوا جسدا واحدا رفض هذا التحرك اللصوصي الخسيس وهو الاقتراب من ارض الوطن ومحاولة الاقتراب من العاصمة عمان.. جميعهم فارت النخوة العربية الأصيلة في أرواحهم وصمموا على قتال هذا العدو حتى آخر طلقة وآخر نقطة دم وآخر عربي يوجد في الاردن القومي العربي الشامخ.
ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي يطالب العدو بوقف اطلاق النار، لكن القائد الأعلى الملك الحسين والذي أشرف بنفسه على هذه المعركة امر باستمرار القتال حتى دحر وخروج آخر جندي اسرائيلي من ساحة المعركة ومن الاردن.
تلك المعركة والتي شبهها البعض بمعارك المسلمين والعرب القديمة مثل معركة (أجنادين) ومعركة (فحل) قال عنها وزير الدفاع السوفياتي آنذاك (غريشكو): '' لقد أثبت الجيش الاردني في معركة الكرامة ان النصر العسكري العربي على اسرائيل ليس مستحيلا وانما هو مؤكد وقد اكدته معركة الكرامة''.
وهكذا فقد أعاد انتصار العرب في معركة الكرامة الى نفوس الاردنيين والفلسطينيين وكل أبناء العروبة روح البهاء والعز والشرف والصمود والنخوة والقوة على التصميم على الاستمرار في تجاوز الهزيمة والاحباط.. والنظر باستهانة الى اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي قيل انه جيش لا يقهر، وانعكست روح النصر والكبرياء الذي تحقق لنا في معركة الكرامة على ادبنا الاردني بكل جلاء في كل انواع الفنون من الفن التشكيلي والمسرح والقصة والغناء والشعر.
وسوف نقف هنا مع فن الشعر الحماسي الاردني وتأثيره بما جرى من بطولات وكفاح وفداء وشهادة من أجل تراب الوطن العزيز والمقدس الاردن الذي دافع عن كرامة الأمة العربية كلها.
هذا وقد كتب العديد من شعرائنا الاردنيين قصائد مهمة حول عظمة وأهمية ابطال الكرامة الذين سطروا صفحة اردنية مضيئة من العبر والتضحية والفداء العربي. والذين كتبوا عن معركة الكرامة شعرا كثيرون جدا.. ومنهم مثلا ما وردت بعض قصائدهم في كتاب (صدى معركة الكرامة في الشعر) للمؤلف الرائد قاسم محمد الدروع عام 1992 حيث قرأنا قصائد لهؤلاء الشعراء وهم: يوسف العظم، حسني فريز، حيدر محمود، عبدالمنعم الرفاعي، سليمان المشيني، عائشة الرازم، قاسم ابو عين، عبدالفتاح حياصات، خالد محادين، خديجة رشيد، احمد القضاة، مصلح اليماني، فوزي العابد، اسماعيل قاسم، ماهر الكنعاني، قاسم صالح، مصطفى الدباغ، اسامة المفتي، محمد ابو غربية، علي الزعبي، عبدالمجيد النسعة، سلمان القضاة، عبدالعزيز العتوم، عبدالكريم اليماني، ابراهيم المبيضين، عدنان ساري الزبن، حسن ربابعة، عارف المرايات، محمود فريحات، مصطفى الخشمان، محمد داود، حابس العسوفي، ابو فراس النطافي، انور ابو سويلم، محمد الرقاد.. وهناك ايضا شعراء كثيرون لم يرد ذكرهم ولا قصائدهم عن معركة الكرامة في هذا الكتاب مثل: خالد عودات، احمد الدوش، ابراهيم ابو قديري وحبيب الزيودي.. الخ.
والآن نستعرض نماذج شعرية سريعة لبعض هؤلاء الشعراء حول هذا اليوم الأغر وحول الأبطال الشهداء الذين سقوا بدمائهم الزكية من اجل الاردن الطهور دفاعا عن الحق والعدل والعيش بكرامة.
فمن قصيدة للشاعر احمد حسن القضاة يقول فيها:
ان الحديث عن (الكرامة) قد غدا
اعجوبة الأيام والأحوال
وكذا البطولة يومها اذ قد غدت
للناس اجمع مضرب الأمثال
الله اكبر فلتهن ارواحنا
ولتسلم الأوطان للأنجال.
ومن قصيدة للشاعر اسماعيل قاسم يقول:
يوم (الكرامة) ان النصر آتينا
فاسلم لنا املا بالنصر يحيينا
جند البطولة يا مرحى بكم فلكم
بذلتم الروح كي تحيوا فلسطينا
صلتم وجلتم وجندلتم اعاديكم
ولم تخافوا اذى ابناء صهيونا
ومن قصيدة للشاعر سليمان المشيني:
اردن يا منبت الأبطال من قدم
يا مهد كل شريف منتم وأبي
يوم (الكرامة) لن ننساه ما طلعت
شمس ولاح ضياء الفجر عن كثب
يوم به سجل الاردن ملحمة
تعتز فيها وتزهو أمة العرب
جيش عظيم اذا سارت كتائبه
لا يملك العادي الا الجد في الهرب
وقصيد للشاعر سلمان القضاة:
دغدغ الذكرى وخليها تطوف
في سماء الغور ما بين الكهوف
واسأل التاريخ عن يوم لنا
قد كتبناه على حد السيوف
يا له يوم اذا نذكره
يتسامى أنفنا فوق الأنوف