هي أكبر من قرية.. لكنها ما زالت تحتفظ في وجدانها بذاكرة الأيام الأُوَل حين كانت بلدة قوامها الزراعة، والخضرة، والبيادر، وأحاديث الناس الطيبين.
هي أكبر من قرية الآن، هويتها تشير إلى تشكلها ضاحية حديثة من ضواحي عمان بامتدادها شمالا، حيث صارت بموقعها هذا بوابة للعاصمة نحو تلك الجهة المطلة على المحافظات الممتدة هناك، وهي في مقامها المحاذي للزرقاء، والبلقاء، وعمان.. إنها شفا بدران.
هنا.. في هذه القرية/سابقا، البلدة/حتى فترة قريبة، الضاحية/المنطقة في عمان حالياً، يكون لتتبع البوح حول شفا بدران مسارا مختلفا، ذلك أنه من الصعوبة بمكان فصل أحيائها التي كانت حتى زمن ليس ببعيد تشكل مجموعة قرى متصلة ببعضها البعض، وكان لها مجالس قروية يمكن رصدها بأنها مجلس قروي الكوم ياجوز، ومجلس قروي مرج الفرس، ومجلس قروي شفا بدران، وهذا المجلس الأخير تحول إلى بلدية اسمها بلدية شفا بدران بتاريخ 15/12/1986م، ثم تم ضمها إلى أمانة عمان الكبرى بتاريخ 1/1/1987م، ومع هذا التغيير الإداري تم ضم بقية المناطق لها، فصارت شفا بدران بحسب سجلات أمانة عمان، ومن خلال تتبع التسميات القديمة لأحيائها، هي على النحو التالي: أم بلانة، والقصبات، ومرج الفرس، وأبو القرام، وطاب كراع، وأم شطيرات، والكوم الغربي، والكوم الشرقي(كوم ياجوز سابقا)، والموحدين( حوض أم الكعوب سابقا)، الهاشمية( حي أو ريشة سابقا)، والمروج، وياجوز، وذهيبه، وأم حجير، وأم العروق، وعيون الذيب.
تكملة لا بد منها
قبل العودة إلى ماضي القرية..
وقبل الدخول في تفاصيلها التي توثقها ذاكرة الكبار، والكتابات العتيقة حول المكان، لا بد وأن نشير هنا إلى أننا في ''بوح القرى''، كنا قد مررنا بمنطقة ياجوز في شفا بدران، وفصلنا بعضا من تاريخها العتيق، وتأملنا نقوش خربتها القديمة، كما سردنا عند قبر الشاعر نمر بن عدوان في مقبرة ياجوز بعضا من قصته على مرأى من أشجار البطم المعمرة عن عين ياجوز.
وها نحن، الآن..هنا، نكمل ما بدأناه قبل أشهر، حيث نتابع تهجي ما تيسر من تاريخ هذه المنطقة، ولذا فسنسير مع حدودها كما هي عليه الآن، لنشير إلى مقدار توسعها الحديث في إطار كينونتها الجديدة تحت مسمى منطقة شفا بدران التي يحدها من الشمال بلدية بيرين، ومن الجنوب منطقتي طارق والجبيهة، ومن الغرب منطقة أبو نصير، ومن الشرق بلدية الرصيفة.
رَجل اسمه بدران.
يروي كبار شفا بدران بأن الاسم الأقدم للقرية كان هو الخربة، وهنا يؤشرون إلى تلك المنطقة في الجهة الشمالية الغربية من المنطقة، حيث البيوت العتيقة، والمغائر التي ما زالت كما هي عليه سابقا، رغم إحاطتها بالأبنية والفلل الحديثة.
الآن.. يقيم في هذه الخربة معسكر للجيش بعد أن تم استملاك العشرة دونمات التي تقع عليها تلك البيوت القديمة ضمن (حوض 2 المقرن)، ويتحدث عن تلك المساحة الشيخ عايد كريم ابنيه العدوان (أبو محمد)، أحد وجهاء المنطقة، حيث يقول أن هذه الخربة كانت سابقا موزعة بين أجداد بعض العائلات التي ما زالت تعيش حولها الآن، وكان لهم بيوت فيها، وما زالت مغارة جده التي ورثها أبيه ''وعليها 30 مترا'' موجودة في المكان.
يضيف أبو محمد بأن اسم شفا بدران ارتبط بحادثة كان لها علاقة بهذه الخربة، وهذه الحكاية هو يرويها كما سمعها ممن سبقه من الأسلاف، وتقول تفاصيلها '' كانت هذه المنطقة اسمها الخربة، وبيوم من الأيام سكن فيها رجل اسمه بدران، وكان مريض، واجا للمنطقة عشانها شفوية، وهواها عليل وبيئتها صحية وتلالها تريح الروح، ولما سكن هان بالخربة شفي بإذن الله تعالى، فتغير اسم الخربة، وصارت خربة بدران، وبعدين لما شفي من مرضه صار الناس حوله تقول شفي بدران، أو خربة الشفا لبدران، وبعدين استقر الاسم على شفا بدران، ونسي الناس الخربة، وصاروا يذكرونها دايما باسم شفا بدران، وصار الاسم يقولوه كمان عالمناطق القريبة منها''.
إذن فالاسم كما تشير الذاكرة الشعبية هو مرتبط بالشفاء، وبمريض سكن المكان فشفي فأخذت اسمه، ولذا فإن الكتب التي مرّت على ذكر هذا المكان، كانت تراوح في ذكره بين اسم شفا بدران، وبدران.
شجرة أم العروق
في شفا بدران هناك مواقع قديمة، ومشهورة غير هذه الخربة.
وإن مسحا سريعا لتفاصيل هذا المكان سيؤشر إلى خربة ياجوز القديمة الممتدة شرقي مقبرة ياجوز، وهي عبارة عن مدينة أثرية رومانية بيزنطية أموية، وتجري فيها حفريات أثرية منذ عام 1994م، وتم الكشف في هذه الخربة عن كنائس ومبان ومعاصر ومدافن بيزنطية.
وإضافة إلى ذلك فإن المنطقة بمجملها تشتهر بوجود العديد من المواقع الأثرية مثل الكهوف والآبار والأشجار المعمرة التي عمرها مئات السنوات مثل شجر البطليموس والبطم في ياجوز.
كذلك هناك شجرة الكينا في أم العروق، وهذه اسمها شجرة عين أم العروق، وقد أنشئت حولها حديثا حديقة تم تسميتها بحديقة الشجرة المباركة، ويتحدث عايد ابنيه العدوان''أبو محمد'' حول قصة إنشاء الحديقة قائلا بأن (المغفور له بإذن الله الملك حسين بن طلال قام بزيارة لهذا المكان، ووقف عند هذه الشجرة، وكان أمين عمان في تلك الفترة هو الأستاذ عبد الرؤوف الروابدة، وأمر وهو في هذا المكان بأن تقام الحديقة حول هذه الشجرة، كما أنه في تلك الجولة وقف الملك في أعلى منطقة في هذا المحيط، واسمها سابقا كان رجم الشوك، فلما رأى من موقعه هناك كل المناطق المحيطة والإطلالة على جبال عمان والمحافظات المحيطة، وانتبه هناك إلى اللوحة التي كان مكتوبا عليها اسم المكان ''رجم الشوك''، فقال هذه يكون اسمها رجم الشوف، وليس رجم الشوك، وتم تثبيت هذا الاسم للمكان منذ تلك الزيارة).
وإضافة إلى هذه المواقع، فإن البحوث والمؤشرات تفيد بأنه في شفا بدران توجد مدن أثرية مدفونة تحت الأنقاض وهي عبارة عن مدن رومانية بيزنطية أموية، كما أنه يوجد في منطقة ياجوز مسجد عمري قديم.
''مربوطة بمركز مقاطعة السلط''
وعودا إلى الدفاتر القديمة..
حيث أنه عند تصفح السجلات في الربع الأول من القرن الماضي سيلاحظ بأن شفا بدران تتبع إلى السلط، وهذا ما يشير إليه الدكتور هاني العمد، والدكتور محمد خريسات في كتابهما ''السلط /ملامح من الحياة اليومية للمدينة من خلال سجل البلدية للسنوات 1923-1925م''، حيث يعرضان وثيقة/قرارا مذكور فيه أن شفا بدران هي إحدى القرى الشرقية للسلط، وقد جاء ذلك بحسب قرار المجلس القروي رقم 39 تاريخ 14 مايو 1924م، وفيه إشارة إلى حدود المقاطعة، جاء هذا كجواب من المجلس على طلب رئيس الوزراء بتسمية حدود المقاطعة، والقرى والجهة الجغرافية، وفي القرار تفصيل لحدود المقاطعة على النحو التالي: (من جهة الشرق: الفحيص، وماحص، وتلاع العلي، وشفا بدران، وموبص، وعارضة عباد، ومن جهة الغرب: داميا، والقطرانة، والزقومة، والياقوصة، والشقاق، ومسيكة، ودير علا، والطوال، وعيرا ويرقا. ومن جهة الشمال: الرميمين، والرمان، وأم جوزة، وسوميا. ومن جهة الجنوب: الشونة، والكفرين، والرامة، والسويمة، سيل حسبان).
وفي ذات القرار هناك توضيح بأن المسافة بين شفا بدران، وبين السلط بحساب الساعات ثلاث ساعات ونصف الساعة، إضافة إلى ذكر العشائر التي تسكنها، وأن ديانتها الإسلام، ''وهذه القرية(أي شفا بدران) والعشائر التي تسكنها، مربوطة بمركز مقاطعة السلط''.
وإن ذات الكتاب يذكر فيه الباحثان قرارا يوضح جانبا من تفاصيل الزراعة في شفا بدران في تلك الفترة، وهذا من خلال تفصيلات القرار الصادر بتاريخ 27 تشرين ثاني 1924م، وفيه '' جدول به المواقع اللازم الغرس فيها، وأنواع الأشجار التي تغرس في كل موقع تفصيلا''، وعند الخانة الخاصة بشفا بدران، وأم العروق، وطاب كراع، هناك تحديد لزراعة 1000 غرسة زيتون، و500 غرسة مشمش، و500 غرسة لوز.
سيرة قرية
شفــا بــدران
تقع شفا بدران في الجهة الشمالية من عمان، على خط الطول 35 درجة و54 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 32 درجة و5 دقائق شمالاً، وتبعد عن مركز العاصمة حوالي 15كم، وهي منطقة من مناطق أمانة عمان الكبرى، حيث تعتبر المنطقة رقم 19 منها، وتبلغ مساحتها 45 ألف دونم تقريبا، وتتبع إداريا إلى لواء الجامعة الأردنية من محافظة العاصمة.
الديموغرافيا:
وشفا بدران الآن هي تجمع لعدة أحياء قديمة يبلغ عدد سكانها بحسب التعداد العام للسكان والمساكن عام 2004م 14673 نسمة(7437 ذكورا و7236 إناثا)، يشكلون 2718 أسرة تقيم في 4426 مسكنا.
ولكن سجلات أمانة عمان الكبرى تشير في عام 2007م إلى أن عدد سكان شفا بدران بلغ 35 ألف نسمة، بما يعادل ضعف ما كانوا عليه قبل ثلاث سنوات من هذا التاريخ.
التربية والتعليم:
توجد في شفا بدران 13 مدرسة حكومية هي: مدرسة المروج الثانوية الشاملة للبنات، ومدرسة أم طفيل الثانوية للبنات، ومدرسة سيف الدولة الحمداني الثانوية الشاملة للبنين، ومدرسة حفصة بنت عمر الأساسية المختلطة، ومدرسة رملة بنت أبي سفيان الأساسية، ومدرسة ياجوز الثانوية للبنات، ومدرسة شفا بدران المختلطة، ومدرسة أم العروق المختلطة، ومدرسة مرج الفرس الأساسية، ومدرسة أم أنس الأساسية، ومدرسة المروج المختلطة، ومدرسة الكوم الأساسية، ومدرسة الكرامة الإعدادية.
أما المدارس الخاصة فهي خمس مدارس هي مدرسة العلوم التطبيقية، ومدارس الفردوس النموذجية، ومدرسة أكاديمية العرب التربوية، ومدرسة ابن باجة، ومدارس الاتفاق الدولية.
ويوجد في شفا بدران جامعتان هما جامعة العلوم التطبيقية، والأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية التابعة لجامعة الدول العربية.
الصحة:
يوجد فيها مركز صحي شامل، ومركز لمعالجة المدمنين، ومركز صحي في الكوم ياجوز، ودارات سمير شما للمسنين، ومركز التوحد، كما يوجد فيها أربع صيدليات المجتمع المدني:.
توجد فيها جمعية شفا بدران الخيرية، وجمعية منار الخالدين، ونادي شفا بدران، ونادي الأصالة، وملعب شفا بدران الرياضي.
* يوجد في شفا بدران 17 مسجدا، ومقبرتان، وأربع مكتبات، وثلاثة بنوك، وتتوفر فيها البنية التحتية كاملة من شوارع وماء وكهرباء ومنتزهات(عددها خمسة)، وشبكة صرف صحي.
دعوة للمشاركة
هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:
بوح القرى
ص. ب - 6710
عمان -11118
فاكس- 5600814
بريد الكتروني
[email protected]