خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

عاطف الطيب..مخرج اراد الحياة لسينما ارادت الموت

عاطف الطيب..مخرج اراد الحياة لسينما ارادت الموت

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

مع موجة الهبوط التي اعترت السينما المصرية في الثمانينيات كان اسم عاطف الطيب كافيا للتدليل على تميز الفيلم الذي يقدمه، فقد مثل هو ومحمد خان في تلك المرحلة أبرز مخرجين أصرا على صناعة سينما متمردة على السائد و التجاري، و في الوقت الذي صعدت فيه سينما المقاولات لتصبح الصوت الأعلى لدى منتجي السينما كان عاطف الطيب يعمل على النقش في صخور الشروط السائدة لصناعة أفلام كبيرة، بعد تجربة طويلة من العمل في أخراج الأفلام الوثائقية و العمل كمساعد مخرج لمجموعة كبيرة من المخرجين المقتدرين مثل يوسف شاهين و شادي عبد السلام و المخرجين العالميين الذي صوروا أفلاما عالمية في مصر.
يصنف عاطف الطيب كمخرج من أبناء الموجة الثانية من الواقعية الجديدة في مصر و أيضا كمخرج يحمل مواقف سياسية واضحة جعلته يصنف كمثقف ملتزم حتى من أشد نقاده الذين أخذوا عليه دائما أسلوبه الفني الذي لا يعمل على تغطية القبح أو مواربة الباب دونه، لذلك يراه بعض النقد مسئولا عن موجة الأفلام التي جلدت المجتمع المصري و أظهرت عيوبه بصورة مؤلمة، و لم يفلت الطيب أيضا من الاتهامات بتشويه سمعة مصر من تيار النقاد الذين يرون في فنه تركيزا على الجوانب السلبية في المجتمع المصري.
يمكن اعتبار عاطف الطيب من جيل ثورة يوليو فهو من مواليد 1947 و مثلت الثورة الرافد الأساسي لثقافته و أفكاره طيلة سنوات دراسته التي انتهت بتخرجه من معهد السينما في 1970 وكان من الطبيعي ألا يحمل مزاجا متوافقا مع الظروف السياسية التي رآها مناقضة لما تعلمه و آمن به طيلة حياته، لذلك أتت أفلامه لتوجه نقدا لاذعا للانقلاب على الثورة و مكتسباتها و ما عرف بعصر الانفتاح الاقتصادي، بطبيعة الحال لم تكن السبعينيات هي الفرصة المناسبة لظهور الطيب لذلك بقي يعمل على صقل دراسته الأكاديمية من خلال العمل بجوار مجموعة من كبار المخرجين، حتى واتته الفرصة لصناعة أول أفلامه (الغيرة القاتلة) في سنة 1982 الفيلم كان معالجة سينمائية محلية لمسرحية شكسبير (عطيل) الفيلم لم يحقق نجاحا كبيرا ولكنه أظهر مهارات الطيب في إدارة الممثل، حيث تمكن من الوصول ببطلي الفيلم إلى ذروة الأداء التمثيلي.
في سنة 1983 قدم الطيب (سواق الأتوبيس) الفيلم الذي صنع شهرته و أثار جدلا كبيرا في أوساط الجمهور النقاد مع نور الشريف أيضا و ميرفت أمين التي كانت تدخل في مرحلة النضج الفني من خلال أعمالها مع محمد خان و عاطف الطيب، الفيلم كان عبارة عن رماية حرة على عصر الانفتاح الاقتصادي و إدانة للتنكر على عصر الثورة حيث يحكي الفيلم عن جندي متقاعد يعمل سائقا لحافلة نقل عام و يواجه صراعا لاستعادة ورشة أبيه في ظل تخلي الجميع عنه عدا رفاق السلاح الذين يقفون بجانبه حتى ينجح في الحفاظ على إرثه العائلي ولكن بعد أن تتغير شخصيته فينتهي الفيلم بمشهد البداية نفسه ولكن بتغير جوهري حيث يطارد السائق اللص بعد أن تركه يفلت في مشهد البداية و تتحول الابتسامة الساخرة و العدمية على شفتيه إلى صرخة قوية سببت جدلا حتى ألغيت من الفيلم، (يا ولاد الكلب) كانت هي الصرخة التي حذفت ثم عادت للفيلم.
الكثير من النقاد رأوا في الفيلم معالجة ساذجة و متحيزة ولكن الجمهور قال كلمته و أنحاز مع عاطف الطيب إلى عصر مضى و ليس بالوسع استعادته، وبعد فترة من التوقف مع أفلام درامية لم تحمل نفس الجدل يفاجئ الطيب الجميع بفيلم (البرئ) الذي كان أجرأ فيلم في فترة الثمانينيات كلها، مما دفع الرقابة إلى مطالبة صانعي الفيلم الطيب و وحيد حامد لتغيير مشهد النهاية لينتهي الفيلم بأغنية بدلا من مشهد إطلاق النار الهستيري على المجندين الجدد الذين يدخلون إلى المعتقل و عالمه، ففي هذا الفيلم يدخل الفتى القروي الساذج أحمد سبع الليل الذي قام بدوره أحمد زكي إلى عالم التجنيد و الخدمة في المعتقل و يتم غسل دماغه ليفهم أنه يحارب أعداء البلد من المثقفين المتآمرين، ولكنه يكتشف الحقيقة بدخول ابن بلدته ممدوح عبد العليم الذي ليس من أعداء الوطن كما يرى سبع الليل، ولكن ذلك يدفعه من مكانة الجندي المدلل ليصبح هو نفسه موضوعا للقمع الذي يمارسه بشكل ممنهج مدير السجن محمود عبد العزيز، إدارة الممثلين كانت نقطة تميز الطيب في ظل سلسلة من الكادرات الفقيرة للحركة، تركيز الطيب على القصة و السيناريو و الحصول على تعاطف المشاهد و استفزاز ملكة التفكير كانت هي الأهداف التي يعمل عليها الطيب، لذلك لم يكن الإعجاب أو الدهشة غايته.
الشخصية الناقدة و المسيسة للطيب ظهرت أيضا في فيلم الحب فوق هضبة الهرم عن قصة الروائي الكبير نجيب محفوظ والتي تعالج أزمة الزواج في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ومشكلة السكن و تراجع طبقة الموظفين من المتعلمين أمام طبقة المهنيين و أخلاقياتهم و ذوقهم دون أن يدين هذه الطبقة، وكعادته يغير الطيب النهاية لتصبح أكثر إدانة للواقع بدلا من النهاية السلبية في قصة نجيب محفوظ.
بعد الجدل الكبير الذي أثارته أفلام الطيب في السنوات الأولى يقدم عاطف فيلما فنيا من الطراز الأول في (أبناء و قتلة) من بطولة محمود عبد العزيز و نبيلة عبيد الذي يستعرض حياة تاجر سلاح انتهازي من بداياته كعامل في بار متواضع و استغلاله لراقصة شعبية تتآمر عليه لإبعاده عنها تاركة له طفلين يتربيان في رعاية العمة وبينما تتزوج هي من ضابط الشرطة الذي يطارد التاجر حتى ينتهي الفيلم بنهاية مأساوية بقتل ابنه الأستاذ الجامعي نتيجة حالة ضعف النظر التي ترمز إلى انعدام الفكرة الأخلاقية في الحياة.
من ينظر لحياة عاطف الطيب يدرك حجم المعركة التي كان يخوضها بعمله الدءوب على إدانة عصر الانفتاح فيقدم فيلم (كتيبة الإعدام) عن قصة أسامة أنور عكاشة ثم يقدم فيلم (الهروب) في بداية التسعينيات الذين أدانا نماذج المتسلقين على موجة الانفتاح الاقتصادي و يدعوان إلى الثورة و العنف و الحلول الفردية في تخليص الحسابات، هذه الرؤية المفتوحة التي تنتهي دائما بالقتل و التصفية جعلت النقاد يفتحون بدورهم نار الانتقادات الساخنة ضد الطيب، و صنفوه كمخرج (خطر) خاصة مع تأثيره الكبير على عدد من المخرجين الشباب.
التوجه السياسي ظهر بارزا في فيلم (ناجي العلي) 1992 الذي مكن نقاده من إطلاق حملة جديدة على طريقة (امسك حرامي) حيث اتهم الطيب بتقديم صورة سلبية عن الشخصية المصرية الذي قدمها كشخصية مغيبة و عاجزة في تعمد لاستخدام الرمز لدور مصر السياسي في تلك المرحلة من التاريخ العربي.
الهجمة على فيلم (ناجي العلي) دفعت الطيب لمحاولة تقديم أفلام مختلفة عما قدمه في مسيرته و لكن الوقت كان متأخرا فصنف كمخرج منشق و متمرد و صعب الترويض فأتت أفلامه الأخيرة (دماء على الأسفلت) و (كشف المستور) و (ليلة ساخنة) لتضيف لرصيده الساخن من الأفلام الخلافية و الجدلية التي أرضت الكثيرين و أسخطت الكثيرين ولكنها لم تكن مجرد أفلام اعتيادية تمر مرور الكرام.
في صيف 1995 توفي عاطف الطيب نتيجة متاعب صحية ليترك تراثا سينمائيا كبيرا و ليظل اسمه خالدا كأحد أجرأ أو ربما أجرأ مخرجي السينما المصرية في مائة عام من الإنتاج السينمائي.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF