تمارا يوسف المراعبة - حين تطلق لخيالك العنان، كي ترسم صورة الحياة التي تحب وتريد، فانك بذلك تستخدم قوة التفكير الإيجابي في تغيير واقعك الذي لا تريد، حسب علماء النفس.
فـ''الحياة حلوة'' وتستحق ان نعيشها، والإنسان هو الوحيد القادر علي أن يعطي لها هذه الصورة الجميلة إذا فهمها بطريقة إيجابية.
فما هو التفكير الايجابي؟ هو التفاؤل و النظر الى الجميل في أي شيء.
وله اثر فعال و قوي في نفسياتنا و امور حياتنا اليومية، و المستقبلية ، فمهما يحدث لك من امور لا تعجبك لا تقف عندها، ابحث عن الجانب المنير في حياتك و ان كانت ومضة ضوء فهي التي ستنير طريقك.
واذا حصل لك امر محزن او مأساوي، فاعط كل شيءٍ حقه، فالايمان بالله من اعماقك سيغير نظرتك للامور،وعندها سترى ان كل ما اعطاك اياه الله جميل...و ساعطيكم بعض الامثلة:قد يتذمر البعض انه لا يملك السيارة التي يحلم بها(من حيث نوعها،وموديلها،....) ،قل الحمد لله انه لديك واحدة غيرك لا يستطيع ان يملكها،و الذين يتذمرون انهم لا يملكون سيارة قل الحمد لله هناك من لا يملك قدما يسير عليها و هكذا...عندما تُحرم شيئا فان الله يعوضك في اشياء اخرى،فمن يحرمه الله نعمة البصر يجعله مبدعا في ناحية اخرى.. و في الحياة امثلة كثيرة، و حتى لو كان هناك من لا يملك شيئا اقول له يكفيك الايمان بالله و الرضا،وهذا ما اريد ان اصل اليه.. الرضا،فاذا كنت راضيا بما لديك فانت بذلك ملكت العالم.... اما اذا نظرت الى الجانب السلبي(الجانب المظلم) فانك لن تستطيع الحراك في الظلمة التي تحيطك و ستبقى على ما انت عليه بل و اسوء لانه عندها سترى الجانب السلبي من كل امر، فقد يبدأ الإيحاء السلبي إثر تجربة مر بها الإنسان كأن يكون قد فشل في عمل قام به أو علاقة ارتبط بها أو امتحان أداه ،وبدلا من أن يستفيد من هذه التجربة ويجعلها مدعاة للنجاح ،فنراه يعمم نتائجها على حياته كلها وبدل من أن ينسى ألمها فإنه يحييها في كل تجاربه ويهمس لنفسه بأنه إنسان فاشل أو غير محبوب .
ولو بحثنا عن ما يسمى بالعقد النفسية عند كثير من الناس لوجدناها مرتبطة في الغالب بفكرة سلبية، أوحاها الإنسان لنفسه إثر حادثة أو موقف من المواقف،وتحولت هذه الفكرة إلى عقيدة ومن ثم إلى سلوك..
ولأوضح ما أهدف إليه ،سأعرض بعض الأمثلة أوردها الدكتور ماكسويل مالتز في كتابه القيّم ''وسائل الإتصال النفسي وتحقيق الذات'' :فالدكتور مالتز كان جراحا مشهورا في عمليات التجميل ،وقد لاحظ أن بعض مرضاه تتغير شخصياتهم ويختلف سلوكهم في الحياة ،بعد أن يجري لهم عملية تجميل صغيرة قد لا تعدو أن تكون عملية لتقويم الأنف أو تصغير الأذن ،ولكنها تكفي لأن يرسم الإنسان صورة إيجابية لنفسه، فبعد أن كان منعزلا منطويا معتقدا أن الناس لا يحبونه أو أنهم يحتقرونه، نجده بعد أن يستقيم أنفه أو تصغر أذناه يعود إلى تيار الحياة فيخالط الناس ويألفهم ويألفونه..
فالتغير هنا ليس في الأذن أو الأنف ولكنه في داخل النفس، وكانت هذه الملاحظة كفيلة بأن يغير الدكتور ماكسويل مالتز اهتماماته من جراحة التجميل إلى الطب النفسي،ويتبنى نظرية مفادها أن الذي يحدد سلوك الإنسان في حياته هو الصورة التي يرسمها لنفسه، فالإنسان الذي يتصور نفسه ناجحا أو محبوبا سيكون كذلك والعكس صحيح. ..هذا التصور الإيجابي أو السلبي لا يعتمد بالضرورة على حقائق ولكن تكفي فيه قناعة الإنسان به ،وانتهى في نظريته إلى أن الإنسان إذا أوحى لنفسه بأنه ناجح أو محبوب، فإن هذا الإيحاء سوف يتحول مع الأيام إلى عقيدة ثم إلى سلوك.
قد يفقد أحدهم أحد أطرافه في حادثة ومن ثم يستقر في نفسه أنه إنسان عاجز لا يقدر على شيء وبالتالي تتسم حياته بالعجز،أعرف رجلين أصيب كلاهما بشلل نصفي أحدهم استقبل الأمر بواقعية وراح يجاهد كي يدرب نفسه على النطق والحركة واستمر يختلط بالناس ويمارس الحياة وعاش حياة متفائلة مليئة بالحركة والنشاط بل ونمى كثيرا من قدراته الكامنة ،والآخر تملكه اليأس والقنوط واعتزل الدنيا والناس وأصبح كل همه أن يتوارى عن الآخرين، ومع الأيام تدهورت صحته وساءت....فمالفرق بينهما؟؟؟
الفرق في نظرة كل منهما لنفسه ،فالأول كان ايجابي التفكير.. رسم لنفسه صورة إيجابية وسعى لتحقيقها ،والثاني رسم لنفسه صورة سلبية فانتهى إليها .
كم من مكفوف توارى في زوايا النسيان وغيره استطاع أن يشق طريقه في الحياة وثبت وجوده، منهم شاعر العرب الكبيرأبوالعلاء المعري ،والدكتور العميد طه حسين الذي تحدى عجزه ونمى قدراته حتى استطاع أن يؤثر في مسيرة الفكر العربي المعاصر، والشيخ عبدالله الغانم الذي أصبح على رأس منظمة عالمية لمكافحة العمى. والأمثلة على الذين تغلبوا على عجزهم الظاهر بأنهم رسموا لأنفسهم صورة إيجابية كثيرة ومتعددة.
...فروزفلت الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية كان مصابا بشلل الأطفال، ومع ذلك تبوأ أكبر منصب في بلاده ،ونابليون كان قصير القامة ولكنه شغل العالم بحروبه ،وهيلين كيلر كانت عمياء وصماء وبكماء ومع ذلك أثبتت وجودها ككاتبة مشهورة.... هذه النماذج القليلة توحي لنا بأن العبرة تكمن في إيمان الإنسان بقدراته ومقدار ما يوحي لنفسه من إيجابيات . واليك بعض الامور التي تساعدك على التفكير الايجابي:
1) الهدوء والاسترخاء أمر ضروري ومهم لاستعادة التوازن النفسي والذهني والعاطفي.
2) عليك مراقبة افكارك بان تستأصل منها الامور السلبية لانك لو استمريت في الخوض في مجرد التفكير فيها فانها ستصبح عادة، و تلتصق بك و تؤثر على امورك الحياتية الاخرى.
3) لابد من وجود اهداف سامية علمية وعمليه تسعى للوصول اليها.
4) شارك في دورات علميه ومهارية تكتسب منها مزيدا من الثقافة والعلم في مجال فن النجاح وفن التفكير الايجابي.
5) اياك والانطواء على الذات،نعم يحتاج الفرد منا للحظات مع نفسه،ولكن اجعلها ايجابيةولا تودي بك للانطواء.
6) اياك والاسترسال مع الانفعالات واحذر من الغضب وتماسك قبل ان تقدم على أي تصرف حتى لا تعيش رهين افكار نشأت من ردات فعل متسرعه ،وراجع نفسك دائما وقومها واعرف ما لها وما عليها وما هو من طاقتها وما هو فوق ذلك.
7) ابدأ صباحك بابتسامة ملؤها الرضى والحيوية فلذلك أثر قوي.
8) احرص على نفع الاخرين ومساعدتهم ومد يد العون لهم، فان صدى هذا الخير يرجع اليك وأثره ينالك لا محالة.
9) اذا اجتاحتك الافكار السلبية ،ابق هادئا واسترخ وتأملها بعين الموضوعيه حتما ستجد انك كنت تبالغ وتعطي الموضوع اكبر من حجمه .
10) تذكر ان التفاؤل سبيل عظيم نحو السعادة الداخلية فلا تحرم نفسك اياه ،فقط انظر الى الجانب المشرق والجميل في الاشياء .
11) تعلم فن التجاهل للافكار السلبية قل دائما ( وليكن،لا بأس) وامض في طريقك ثابتا هادئا ،والامر ليس سهلا لكن الوقت كفيل بان يوصلك الى هذا الانسجام الداخلي الرائع.
12) الحياة قد تفرض علينا ظروفا سلبية لكن القدرات التي خلقها الله تعالى لنا تمكنا من تجاوز هذه الظروف للوصول لحياة مستقرة ناجحة.
13) لا تيأس بعد أول محاولة غير ناجحة في الاتجاه الايجابي ، و كرر المحاولات فستنجح. وفي كتابه الحكمة الضائعة، أثبت الدكتور عبد الستار إبراهيم، أن الإبداع الحقيقي والعبقرية يرتبطان بشدة بالصحة النفسية، بل وبمستوًى عالٍ من الصحة النفسية، حيث توجد علاقة متينة بين الإبداع والصحة النفسية، كل منهما يخدم الآخر ويمدُّه بالطاقة،والتفكير الإيجابي هو من أهم المتطلبات لتكون صحيحًا نفسيًّا. وفي كتاب ''الإنسان الفعّال'' وجدت الكثير من الأفكار القيمة ولفتت نظري هذه المقولات: ريتشارد بالندر يقول:''إن عقلك كالآلة لكن بدون زِرّ يوقفه عن التشغيل، وإذا لم تعطه شيئًا ليفعله فإنه يبدأ عمل أي شيء دون أن يهتم ما هو، ويدور ويدور إلى أن يملَّ''،وطاغور يقول: ''سأل الممكن المستحيل: ''أين تقيم؟'' فأجاب المستحيل :''في أحلام العاجزين.''،وفي رواية ''الخيميائي'' لمؤلفها ''باولو كويهلو'' نطالع منذ الصفحة الأولى إلى الأخيرة حقيقة أن الإنسان عندما يفكر بشيء ويقرر أن يفعله فإن الكون كله يتضافر ليتمكن من تحقيق ذلك.
جامعة فيلادلفيا
كلية تكنولوجيا المعلومات
[email protected]