بعد كارثة فوكوشيما النووية تراجع اهتمام العالم ببناء مفاعلات نووية جديدة الى ذلك المستوى الذي تلا كارثة تشيرنوبل، واخذ المسؤولون في العديد من بلدان العالم يعملون لايقاف تنفيذ اية مشاريع جديدة في هذا المجال، مع اجراء مراجعة شاملة لكل ما يتعلق باجراءات السلامة في المفاعلات القائمة.
وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال يوجد 104 مفاعلات نووية تعمل في 65 موقعا في 31 ولاية ووفق على انشائها جميعها قبل سنة 1980م. وتوفر هذه المفاعلات 20% من احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة الكهربائية وتشكل 70% من مجمل الطاقة عديمة الانبعاثات الغازية المنتجة فيها. ويعود جزء كبير من الاهتمام بالطاقة النووية لعدم توفر بديل يُعادلها في الكفاءة، اذ ان المفاعل النووي الواحد الذي يشغل مساحة ميل مربع يوفر طاقة تعادل ما توفره مساحة 20 ميلاً مربعاً من الالواح الشمسية و1200 مروحة رياح. واذا ارادت الدولة تقليل اعتمادها الى حد كبير على الوقود الاحفوري عليها بناء المزيد من المفاعلات النووية، لكن السؤال كيف نضمن امان هذه المفاعلات؟.
في الثلاثين سنة الماضية التي تلت آخر موافقة أميركية على إنشاء مفاعلات نووية جديدة حقق العلماء تحسينات مهمة في مجال أمان هذه المفاعلات.
واحدث تصميم للمفاعلات فائقة الامان المسماة Genreation IIIt هو ما تتجه الولايات المتحدة لاعتماده. ويشار الى ان الجيل الاول من المفاعلات Generation1 يمثل النماذج الاولى منها، والجيل الثاني Generationlls أُقيم بين سنوات الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي وتتضمن تكنولوجيات الأمان التي توجد في مفاعل فوكوشيما. أما الجيل الثالث فقد بدأ بالعمل اعتباراً من أواخر التسعينيات، بداية في اليابان ثم فرنسا وروسيا، وهو آخذ بالانتشار في أوروبا، كما يجري انشاء 30 مفاعلاً جديداً على الأقل في الصين، ويتوفر في المفاعل من هذا الجيل عوامل امان فائقة، سواء من حيث القدرة على تحمل الانصهار، او الحيلولة دون تسرب الاشعاعات او سلامة العاملين فيه، حتى ان الولايات المتحدة تشترط في المفاعلات الجديدة القدرة على تحمل اصطدام طائرة عملاقة بها، وهو ما يوفره مفاعل الجيل الثالث AP1000 الذي ووفق على انشائه في الولايات المتحدة. وتجدر الاشارة الى ان المفاعل الاول من المفاعلين اللذين ووفق على انشائهما من هذا النوع سيدخل الخدمة في سنة 2016م، وهو المفاعل Vogtle (الصورة) بالقرب من اوغوستا/جورجيا.
وتجدر الاشارة ايضا في هذا الاطار الى تزايد اهتمام بلدان العالم، بخاصة الولايات المتحدة والصين، بالمفاعلات النووية التي تعمل على الثوريوم بدل اليورانيوم والمسماة molten-salt reactors والتي من المقرر ان تدخل الخدمة في العقد القادم، ومن ميزات هذا النوع الذي جرى تطويره بداية في مختبر اوك ريدج الوطني (الاميركي) في بداية الستينيات من القرن الماضي وعمل لمدة 22 ألف ساعة بين 1965 و1969م، توفر عنصر الثوريوم في الطبيعة باربعة اضعاف توفر اليورانيوم وسهولة تعدينه، وهو اقل اطلاقا للاشعة الملوثة للبيئة، واكثر فاعلية في انتاج الطاقة، اذ ان كيلو غراما واحدا من الثوريوم يعطي الطاقة التي يوفرها 600 كيلوغرام من اليورانيوم وسبعة ملايين كيلو غرام من الفحم.
كما ان عوامل الامان في هذا النوع من المفاعلات فائقة جدا، بحيث يمكن انشاؤها بالقرب من المناطق السكنية، وبأي حجم مطلوب بما يناسب حجم التجمع السكاني، كما ان الفضلات المشعة الناتجة عنه لا تبقى في البيئة سوى مئات قليلة من السنوات مقارنة مع عشرات آلاف السنوات في مفاعلات اليورانيوم.